يعتقد الكثيرون أن السهر لساعات متأخرة من الليل هو أمر عابر يمكن تعويض آثاره بكوب من القهوة في الصباح التالي، لكن الدراسات تؤكد أن لقلة النوم تداعيات أكثر خطورة مما نتوقع.
وتشير أحدث الدراسات إلى أن كل ليلة من النوم غير الكافي تطلق سلسلة من الاضطرابات البيولوجية التي تؤثر على صحتنا الجسدية والعقلية بطرق قد لا ندركها، من تغيرات في كيمياء الدماغ إلى اختلالات هرمونية، ومن ضعف في المناعة إلى اضطرابات في التمثيل الغذائي.
فعندما تبقى مستيقظا حتى ساعة متأخرة بينما ينهمك عقلك في تصفح الهاتف أو متابعة المسلسلات، فإنك بذلك تطلق سلسلة من الاضطرابات البيولوجية التي تؤثر بشكل عميق على صحتك الجسدية والعقلية. وفي صباح اليوم التالي، ستجد نفسك تبحث عن مصادر سريعة للطاقة، حيث تبدو المعجنات المحلاة والوجبات الدسمة أكثر إغراء من أي وقت مضى.
وهذا ليس ضعفا في شخصيتك أو انعداما للإرادة، بل هو نتيجة حتمية لخلل كيميائي يحدث في دماغك المحروم من الراحة.
وأثبتت الدراسات العلمية أن ليلة واحدة من النوم غير الكافي تكفي لتعطيل التوازن الدقيق لهرمونات الجوع والشبع، ما يدفعك لا إراديا نحو خيارات غذائية غير صحية.
والأمر لا يتوقف عند الرغبة في تناول المزيد من الطعام، بل يمتد ليشمل نوعية هذا الطعام. فدماغ الشخص المتعب يتحول إلى ما يشبه "وضع البقاء على قيد الحياة"، حيث يصبح أكثر استجابة للمنبهات الغذائية عالية السعرات والسكريات.
وتظهر فحوصات الدماغ أن المناطق المسؤولة عن المكافأة تصبح مفرطة النشاط، بينما تتراجع كفاءة القشرة الأمامية المسؤولة عن اتخاذ القرارات العقلانية. وهذه التغيرات العصبية تفسر لماذا يصبح من الصعب مقاومة قطعة الحلوى أو كيس رقائق البطاطس في أيام التعب.
ولعل أكثر ما يثير القلق هو التأثير التراكمي لهذه العادات. فمع استمرار نقص النوم، تبدأ اضطرابات التمثيل الغذائي بالظهور، حيث تفقد الخلايا تدريجيا حساسيتها للإنسولين، ما يزيد من خطر الإصابة بالسمنة ومرض السكري من النوع الثاني. كما يرتفع مستوى الكورتيزول، هرمون التوتر الرئيسي، الذي لا يزيد من تخزين الدهون في منطقة البطن فحسب، بل يؤثر أيضا على الحالة المزاجية والقدرة على التركيز.
لكن الخبر السار هو أن الجسم يتمتع بقدرة ملحوظة على التعافي. فليلة أو ليلتين من النوم الجيد والمريح تكفيان لبدء عكس هذه الآثار السلبية. والنوم هنا ليس مجرد فترة راحة، بل هو عملية إصلاح نشطة يعيد خلالها الجسم توازنه الهرموني، ويصلح الخلايا التالفة، ويعيد ضبط آلية التحكم في الشهية.
وفي عالم يمجد الانشغال والسهر كرمز للإنتاجية، من المهم أن ندرك أن إهمال النوم هو في الحقيقة إهمال للصحة. فالنوم الكافي ليس رفاهية، بل هو حاجة بيولوجية أساسية لا تقل أهمية عن الطعام الصحي وممارسة الرياضة. إنه الاستثمار الأكثر فعالية الذي يمكننا القيام به من أجل صحة بدنية وعقلية أفضل، وقدرة أعلى على اتخاذ القرارات الصائبة، وجودة حياة أكثر استقرارا.
المصدر: ساينس ألرت