اتجه الأردن نحو عملية تحديث شاملة للبنية التحتية وإنشاء مشاريع إستراتيجية، مع تطوير قطاع النقل، وظهر هذا التوجه عقب الإعلان عن رؤية التحديث الاقتصادي في يونيو/حزيران 2022، الهادفة إلى تحقيق نمو شامل ومستدام من خلال تحديث مسارات اقتصادية وإدارية.
تشكّل البنية التحتية ركيزة ضمن رؤية التحديث الاقتصادي، فتهدف الحكومة إلى بناء نظام متكامل للنقل يدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وحسب ملخص تحديث إستراتيجية النقل (وزارة النقل الأردنية)، فإن الربط بين الأثر الاجتماعي والنمو الاقتصادي سيتم من خلال زيادة كفاءة النقل وتحسين آليات وصول المواطنين إلى الوظائف والتعليم والرعاية الصحية، ورفع نوعية الحياة مما يولد في النهاية نموا اقتصاديا متزامنا مع هذا التحديث.
تعتبر الحكومة البنية التحتية الأداة الرئيسية لجذب الاستثمارات المباشرة، مما يخفف الضغط على الموازنة العامة، ويشمل التحديث كذلك رقمنة المعاملات وتحديث البنية التحتية التكنولوجية والاتصالات لزيادة كفاءة التجارة وتعزيز نمو الاقتصاد الرقمي.
يرى الخبير الاقتصادي حسام عايش أن هذه المشاريع تمثل قوة دافعة لعملية اقتصادية ذات عوائد وتأثير أكبر، مشيرا إلى أنها ستوفر فرص عمل جديدة في ظل معدل بطالة مرتفع تجاوز 21%، كما من المتوقع أن تساهم هذه المشاريع في رفع حصة المواطن من الناتج المحلي الإجمالي وتحسين مستويات المعيشة.
لكن الخبير الاقتصادي عامر الشوبكي يدعو إلى تصحيح الترتيب الإستراتيجي لرؤية التحديث الاقتصادي، لتشمل رؤية تنفيذية تقلص الفجوة بين الواقع والطموح، بدلا من توزيع الجهد على مشاريع متعددة تستهلك الجهد والموارد، كما يجب أن تكون الأولوية للجدوى الاقتصادية والأمن المائي إضافة للتشغيل والإنتاج المحلي، وتجنب المشاريع التجميلية المحملة بالديون، وفق قوله خلال حديث مع الجزيرة نت.
تبنت الحكومة الأردنية 3 نماذج تمويل مبتكرة توفر العمل بسرعة أكبر ولا تضغط على الأموال العامة، وهي كالتالي:
نظرا لكون الأردن من أفقر دول العالم مائيا، يحظى مشروع الناقل الوطني للمياه المحلاة بأهمية كبرى. سيوفر المشروع، الذي تبلغ كلفته التقديرية أكثر من 2.8 مليار دولار، نحو 300 مليون متر مكعب من المياه المحلاة من البحر الأحمر، مما يوسع قاعدة الأعمال للقطاعات كثيفة الاستخدام للمياه كالزراعة والصناعة.
يؤكد الشوبكي أن الأولوية الكبيرة اقتصاديا وأمنيا لهذا المشروع ستجعل أي إخفاق فيه بوابة لاضطرابات اجتماعية، بالنظر إلى فقر البلاد المائي الحاد إذ لا تتجاوز حصة المواطن 60 مترا مكعبا سنويا (المتوسط العالمي يبلغ نحو 500 متر مكعب سنويا)، إضافة إلى الاعتماد بشكل متزايد على المياه المستوردة من إسرائيل وهذا يشكل خطرا إستراتيجيا على الاستقلال والسيادة المائية، كما أن المشروع يواجه شكوكا حول حوكمته مما يتطلب شفافية أكبر.
على صعيد المنافذ، تم توقيع اتفاقية لتطوير وإدارة مشتركة لميناء الحاويات في العقبة (المنفذ البحري الوحيد) باستثمار مباشر يصل إلى 242 مليون دولار، وذلك لتحسين كفاءة الميناء وتعظيم عائدات المنطقة الاقتصادية الخاصة في العقبة.
واهتمت الحكومة بقطاع الطيران عبر العمل على إعادة تفعيل مطار عمان المدني "ماركا" (في عمان الشرقية) لاستقبال رحلات الطيران والشحن، بعد تطوير مطار الملكة علياء الدولي ورفع قدرته الاستيعابية التي وصلت إلى 9 ملايين مسافر سنويا، مما سيعزز الفرص الاقتصادية والسياحية خاصة مع تزايد حركة الطيران منخفض التكاليف.
يتوقع حسام عايش أن تحدث مشاريع الطرق المدفوعة تحولا بالطريقة التي تقارب بها الحكومة بين القيمة والعائد من هذه المشاريع، فالعائد المتوقع للحكومة لا يقتصر على تحسين وتجويد حركة النقل وصيانة الطرق فحسب، بل في زيادة الأمان عليها كذلك.
ويضيف عايش، أن مشاريع النقل الأخرى بالذات طريق صويلح ناعور وغيرها تصب في المصلحة الاقتصادية العامة، فكلفة الازدحام في الأردن بحسب البنك الدولي وصلت إلى نحو 1.5 مليار دينار (2.11 مليار دولار) سنويا، كما أن مساهمة قطاع النقل في الناتج المحلي لا تزال ضعيفة ولا تتجاوز 6%، ويصبح العائد صفرا بالنظر إلى أن كلفة رداءة القطاع أيضا وصلت إلى 6% وهي مشكلة كبيرة.
لكن من وجهة نظر الشوبكي، فإنه على الرغم من ضخامة هذه المشاريع فإن أثرها على النمو الحقيقي وفرص العمل محدود، فقطاع البنية التحتية لا يخلق فرص عمل نوعية أو قيمة مضافة مستدامة، وغالبا ما يتم التركيز على الإنجاز المادي لا على التكامل الاقتصادي بعد التنفيذ.
ويضيف الشوبكي أن اعتماد هذه المشاريع على التمويل الخارجي يزيد من معضلة التوسع في الإنفاق الاستثماري وتحمل أعباء جديدة دون القدرة على خدمة الدين، مما يحول هذه المشاريع من فرص تنموية إلى عبء مالي طويل الأمد.
ويستشهد الشوبكي بتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الذي أشار إلى أن الاستثمار الأجنبي في الأردن لا يحقق الأثر المطلوب إلا إذا ارتبط بسياسات تعزيز الإنتاج والابتكار، وأن الأردن يمتلك فرصا كبيرة في البنية التحتية لكن القدرة التمويلية المحدودة تشكل نقطة ضعف رئيسية.
جملة من الأهداف الإستراتيجية تسعى الحكومة الأردنية لتحقيقها من خلال عملية التطوير للبنية التحتية، وحسب عايش فإن الحكومة تقدم من خلال هذه المشاريع الأردن كمركز إقليمي للطاقة والحركة اللوجستية، مدفوعا بالتحولات التي شهدتها المنطقة خاصة تلك المتعلقة بسوريا ، حيث يرى الأردن أن فيها فرصا واعدة وكبيرة، ومن خلالها يستطيع الأردن العبور وتفعيل خطوط التجارة إلى تركيا وأوروبا.
ويشير عايش إلى أن هذه المشاريع لا تخدم عملية اقتصادية داخلية فحسب، لكنها تخدم عملية تكامل إقليمي يكون الأردن فيه لاعبا مهما، خاصة من خلال العلاقات الجديدة أو عودة الزخم للعلاقات السورية الخليجية حيث يعتبر الأردن ممرا لوجستيا ولاعبا مهما في علمية إعادة الإعمار.
في إطار الانتقادات الموجهة لجملة المشاريع الجديدة، فإن الشوبكي يحصرها في التركيز على المظهر والتنفيذ بعقلية الإنجاز السريع كما حدث في مشروع "الباص السريع" وتعثره لسنوات بسبب ضعف التنسيق المؤسسي والحوكمة الفنية والمالية، مما سبب تراجع الجدوى الحقيقية مقارنة بالكلفة الزمنية والمادية.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة