في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
ترى صحيفة "نيويورك تايمز" أن الصين نجحت في فرض كلمتها وانتزاع تنازلات تجارية من إدارة ترامب ، عبر استثمار نفوذها في ملف المعادن النادرة وفول الصويا، مع إتاحة الفرصة للرئيس الأميركي لتسويق الاتفاق الأخير على الصعيد الداخلي على أنه "انتصار" للولايات المتحدة.
وقال كاتبا التقرير، ليلي كو وديفيد بيرسون، إن الرئيس الصيني شي جين بينغ غادر اجتماعه مع ترامب يوم الخميس كزعيم واثق من نفسه وقادر على دفع واشنطن للتراجع عن سياساتها الجمركية، وهو ما أكدته نتائج المحادثات.
وأوضح الكاتبان أن شي استخدم الهيمنة الصينية شبه الكاملة على قطاع المعادن النادرة، وقوتها الشرائية في استيراد فول الصويا الأميركي، لإجبار ترامب على خفض الرسوم الجمركية ، وتعليق رسوم الموانئ على السفن الصينية، وتأجيل القيود الأميركية على الصادرات التي كانت ستقيّد وصول الشركات الصينية للتكنولوجيا الأميركية، إلى جانب الاتفاق على تمديد الهدنة التجارية.
ونقل الكاتبان عن جوليان جويرتز، المسؤول السابق عن شؤون الصين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية في عهد الرئيس السابق جو بايدن ، قوله إن الصينيين "باتوا أكثر جرأة في ممارسة نفوذهم، وهم سعداء بالحصول على أي تنازلات تقدمها الولايات المتحدة".
وحسب الكاتبين، بدا شي كأنه يلقي محاضرة عندما قال لترامب إن "التقلبات الأخيرة" في الحرب التجارية يجب أن تكون دروسا لهما معا، وفق ما أصدرته الحكومة الصينية من تصريحات الرئيس خلال الاجتماع الذي احتضنته مدينة بوسان في كوريا الجنوبية.
وقال الرئيس الصيني "ينبغي على الطرفين النظر إلى الصورة الكبرى والتركيز على فوائد التعاون على المدى البعيد، بدلا من الوقوع في دوامة الانتقام المتبادل".
وكانت الصين قد صعّدت في وقت سابق من شهر أكتوبر/تشرين الأول الموقف مع الولايات المتحدة بشكل كبير، من خلال إعلان قيود واسعة النطاق على بيع المعادن النادرة، وهي معادن حيوية تُستخدم في معظم التقنيات الحديثة، ويمكن أن يؤدي قطع إمداداتها إلى شلّ الصناعات الأميركية.
ويقول تشو فنغ، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة نانجينغ "بعد أن أطلق ترامب حربه التجارية والجمركية، كانت الصين الدولة الوحيدة التي ردت على الولايات المتحدة ضربة بضربة"، مشيرا إلى أن أكبر مكسب للصين قد يكون أن الولايات المتحدة ستفكر مليًا قبل فرض إجراءات جديدة عليها.
وأضاف "لو أجبر ترامب الصين على تنفيذ قيود تصدير كاملة على المعادن النادرة، لكان ذلك خسارة للطرفين".
يضيف الكاتبان أن الرئيس الصيني كان يدرك حاجة ترامب إلى مخرج سياسي، فوافق على ترتيبات تتيح للرئيس الأميركي الادعاء أنه حقق مكاسب للمزارعين والشركات الأميركية، بينما أعادت الصين الوضع السابق تقريبا من خلال استئناف شراء فول الصويا من الولايات المتحدة وتأجيل أي قيود إضافية على تصدير المعادن النادرة.
وقد أعلن ترامب على متن طائرته بعد نهاية الاجتماع أن الرئيس شي وافق على اتخاذ خطوات أكبر لوقف تدفق المواد الكيميائية المستخدمة في تصنيع الفنتانيل إلى الولايات المتحدة، مؤكدا كذلك تعهد الصين بشراء المزيد من فول الصويا الأميركي.
وكتب ترامب لاحقا على منصة تروث سوشيال: "مزارعونا سيكونون سعداء للغاية! أود أن أشكر الرئيس شي على ذلك!".
كما قال ترامب إنه سيخفض الرسوم الجمركية المفروضة على السلع الصينية إلى النصف، في إطار الضغط على بكين لبذل مزيد من الجهود لوقف تهريب الفنتانيل. وأوضح أن هذا الإجراء سيخفض الرسوم الإجمالية على البضائع الصينية إلى نحو 47% بدلا من 57%.
وبعد لقاء الزعيمين، أعلنت وزارة التجارة الصينية في بيان أنها ستعلّق لمدة عام القيود المفروضة على المعادن النادرة التي كانت قد أعلنت عنها في أكتوبر/تشرين الأول، دون الإشارة إلى القيود المعلنة في أبريل/نيسان الماضي.
كما أكدت وزارة التجارة الصينية أن الجانبين اتفقا على تمديد الهدنة المتعلقة بالرسوم لمدة عام، بعد أن كانت ستنتهي في 10 نوفمبر/تشرين الثاني.
يؤكد الكاتبان أن عددا من المحللين يرون أن الصين خرجت متفوقة في المواجهة التجارية مع الولايات المتحدة نتيجة غياب رؤية واضحة لدى إدارة ترامب.
ووصف جوناثان تشين، الباحث في معهد بروكينغز والمحلل السابق للسياسة الصينية في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، نهج واشنطن بأنه "تكتيكات بلا إستراتيجية"، بينما نجحت بكين في تحويل الملف إلى "لعبة اضرب الخُلد"، على حد تعبيره.
وقالت ليزي سي. لي، الباحثة المتخصصة في الاقتصاد الصيني بمعهد السياسات التابع لجمعية آسيا، إن هذا النهج يعكس "دبلوماسية شخصية تتوافق مع طبيعة الزعيمين"، مضيفة أن مؤشرات حسن النية الراهنة "تضع أساسا لمرحلة من الاستقرار المُوجّه".
وفي ظل غياب اتفاق نهائي وعدم وضوح الرؤية بشأن استمرار التهدئة بين البلدين، يقول تشونغ جا إيان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سنغافورة الوطنية: "ربما أصبحت متشائما لأنني شاهدت هذا السيناريو مرات كثيرة، فهذه اتفاقات يسهل التراجع عنها واتهام الطرف الآخر بسوء النية".
ويؤكد خبراء صينيون أن العامل الأهم في علاقة بكين بواشنطن هو موقف ترامب من التعاون مع الصين، وفي هذا السياق، يقول شين تشيانغ، الخبير في العلاقات الأميركية الصينية بجامعة فودان في شنغهاي: "إذا قرر ترامب الاتجاه شرقا، فلن يجرؤ مساعدوه على السير غربا".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة