آخر الأخبار

مولدات غزة استثمار محفوف بالمخاطر يبدد ظلام الحرب

شارك

غزة- مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وانقطاع الكهرباء منذ الأيام الأولى، اتجه مستثمرون محليون لإحياء مشاريع تشغيل مولدات كهربائية كبيرة، بهدف إنشاء شبكات توزيع للمنازل والمحلات مقابل رسوم مالية.

وليست هذه المشاريع جديدة تماماً، فقد وُجدت قبل الحرب لكنها توقفت نتيجة القصف وتعطل شبكاتها، لتعود اليوم بقوة، خصوصاً المنطقة الوسطى الأكثر أماناً نسبياً.

ويعكس إقبال المواطنين على هذه المولدات الحاجة الماسة إلى التيار الكهربائي ولو لساعات محدودة يومياً، لتمكين العائلات من شحن الهواتف وتشغيل الأجهزة الأساسية، والسماح للمحلات والورش بإنجاز أعمالها.

وبرغم التكلفة المرتفعة، اعتبر كثيرون هذه المولدات "شريان حياة" لا غنى عنه في ظل الظلام المستمر.

أرقام تكشف حجم التحدي

في مخيم النصيرات وسط القطاع، أعادت شركات محلية مثل "أبناء فارس أبو زايد للتجارة والمولدات الكهربائية" و"أبو خوصة للمولدات" النور إلى الشوارع والمحال بعد عتمة طويلة.

ويعتمد المشروع على تشغيل شبكة مولدات كبيرة تعمل بالسولار الصناعي من الثامنة صباحاً حتى الساعة 11 ليلاً، رغم المخاطر الأمنية والتكاليف العالية.

مصدر الصورة مناطق وأحياء كاملة بالنصيرات مضاءة من خلال مولدات شركة أبو زايد (الجزيرة)

ويوجد في المنطقة 5 مولدات بقدرة إنتاجية تبلغ 1.5 ميغاواط، ويحتاج تشغيلها في الساعة الواحدة إلى 120 لتر سولار بتكلفة 60 شيكلاً (نحو 18 دولاراً) للتر الواحد، مما يعني كلفة تشغيلية إجمالية تصل إلى 7800 شيكل (نحو 2200 دولار) يومياً.

ورغم الأعباء المالية، فإن تشغيل هذه المولدات أسهم في إعادة بعض النشاط الاقتصادي للأسواق والأحياء.

شهادات من قلب الأزمة

انعكست هذه الخطوة مباشرة على حياة الناس. ويقول للجزيرة نت أبو إبراهيم خليفة (صاحب محل خياطة بسوق النصيرات) إنه بعد أن كان يعتمد على العمل اليدوي المرهق وقليل الإنتاجية "أصبحت أعتمد على كهرباء المولدات التي صارت شريان الحياة بالنسبة لي. الماكينات تنجز العمل بسرعة، وأي انقطاع يتسبب في توقف رزقي".

إعلان

وأضاف أبو إبراهيم "الرسوم مرتفعة بلا شك، لكنها تظل مقبولة قياساً بالمردود الذي يغطّي التكلفة ويحافظ على زبائني وسمعتي".

لكن الصورة ليست وردية للجميع، فمحمد عبد الفتاح، الذي اشترك بخط كهرباء بسعة 4 أمبيرات، قال "السعر مرتفع جداً. الحد الأدنى 100 شيكل أسبوعياً (نحو 30 دولاراً) أي أكثر من 400 شيكل شهرياً، وهذا عبء ثقيل على العائلات البسيطة".

ويضيف المواطن "كثيرون يضطرون للتقشف في احتياجاتهم كي يدفعوا مقابل الكهرباء".

موقف رسمي ورؤية اقتصادية

واعتبرت بلدية النصيرات عودة المولدات "حلاً إسعافياً مؤقتاً" بعد توقف محطة الكهرباء نتيجة الاستهداف الإسرائيلي.

وقال مصدر مسؤول بالبلدية إن هذه المشاريع "ساهمت في تخفيف المعاناة اليومية وتوفير احتياجات أساسية، لكنها في المقابل تسبب ضوضاء وتلوثاً وتفرض تكاليف باهظة".

مصدر الصورة إضاءة سوق النصيرات ليلا يمنح المواطنين شعورا بالراحة النفسية (الجزيرة)

وأوضح أن أصحاب المولدات يقدمون خدمات مجانية مثل إنارة الشوارع وتشغيل آبار المياه، مشيرا إلى أن البلدية تقدم تسهيلات لهؤلاء تتعلق بتحديد أماكن التشغيل ومنح إرشادات فنية، لكنها تراها حلولاً طارئة لا يمكن أن تكون بديلاً دائماً عن الشبكة العامة.

واقتصادياً، أوضح الأكاديمي سمير أبو مدللة أن سعر الكيلو من كهرباء المولدات يصل إلى 35 شيكلاً (10 دولارات) مع حد أدنى أسبوعي يبلغ 50 شيكلاً (15 دولاراً).

وأوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر أن التكلفة تشمل الوقود والكوابل وأجور العمال ونقل المولدات، إلى جانب المخاطر العالية، مما يجعل الأسعار مرتفعة ولا تناسب غالبية الأسر الفقيرة، وإن كانت مقبولة للمحال التجارية التي تستطيع تحميلها على أسعار السلع.

أبعاد إنسانية ونفسية

وبدا الأثر النفسي لهذه المشاريع جلياً أيضاً، ويقول استشاري الصحة النفسية نعيم العبادلة -للجزيرة نت- إن عودة الكهرباء ولو لساعات قليلة تبعث الأمل لدى الأسر "وتخفف القلق والتوتر، خاصة بين الأطفال والنساء، وتعيد لهم شعوراً نسبياً بالأمان".

لكن العبادلة حذر من أن "ارتفاع الكلفة وعدم استدامة هذه المشاريع قد يؤديان إلى انتكاسات نفسية واجتماعية متتالية".

ومن جانب آخر، شدد القائمون على هذه المشاريع على أن الدافع الأساسي كان الحاجة الإنسانية الملحّة.

ويقول أحمد أبو زايد المدير العام لشركة "أبناء فارس أبو زايد للتجارة والمولدات الكهربائية" أن حاجة الناس الملحة للكهرباء بعد انقطاع طويل كانت الدافع الأساسي لإعادة تشغيل المولدات رغم المخاطر الكبيرة والظروف الأمنية الصعبة.

وقال للجزيرة نت "ارتفاع التكلفة يعود إلى عدم توفر السولار الطبيعي، واللجوء لاستخدام الصناعي الذي يبلغ سعر اللتر منه 60 شيكلاً (18 دولاراً) إضافة إلى الحاجة لتوفير أسلاك وكوابل جديدة لشبكات التوزيع المتضررة بفعل القصف والتجريف".

ومن جانبه دعا فهد أبو زايد مدير المشاريع بالشركة المؤسسات الدولية والمحلية للمساهمة في دعم هذا المشروع من أجل تخفيف التكلفة على المواطنين قدر الإمكان.

مصدر الصورة مولدات كبيرة تعمل بالسولار الصناعي لإنارة مخيم النصيرات (الجزيرة)

أما خالد أبو خوصة مدير شركة "أبو خوصة للمولدات" فأكد أن التحديات كانت جسيمة لكن "الإصرار على التخفيف عن المواطنين" كان الحافز الأكبر.

إعلان

وأضاف "سمحنا لعدة منازل بالاشتراك في خط واحد لتوزيع التكلفة، واعتمدنا أنظمة دفع مرنة عبر التطبيقات البنكية أو النقد المباشر للمحال التجارية".

وبهذا المشهد، تبدو مولدات غزة استثماراً محفوفاً بالمخاطر لكنه في الوقت ذاته شريان حياة مؤقتاً يعيد للناس بعض تفاصيل يومهم المفقودة، وسط حرب أطفأت الكهرباء وأثقلت كاهل السكان بتكاليف لا طاقة لهم بها.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار