كابل- اعتمدت حكومة أفغانستان خطة تنموية لـ5 سنوات تحت اسم "إستراتيجية التنمية" واصفة إياها بأنها وثيقة شاملة لتحقيق الأهداف الإستراتيجية الكبرى للبلاد، غير أن خبراء ومحللين أفغانا يرون أن الخطة -رغم شموليتها الرسمية- تفتقر إلى المقومات الأساسية للتنفيذ، وقد تحمل طابعا سياسيا أكثر من كونها مشروعًا عمليًا يستجيب للاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية العاجلة للشعب الأفغاني.
في 26 أغسطس/آب الماضي أعلن المتحدث باسم الحكومة الأفغانية -مولوي ذبيح الله مجاهد- خلال مؤتمر صحفي في مركز الإعلام الحكومي، أن قيادة طالبان صادقت على الوثيقة، معتبرًا إياها إستراتيجية شاملة وموحدة وطويلة المدى تمتد 5 سنوات.
وأوضح مجاهد أن الخطة وُضعت بالاعتماد على القدرات والموارد الداخلية، وتهدف إلى توحيد جميع المؤسسات الحكومية ضمن مسار واحد لإدارة التنمية بشكل فعال.
وتقوم الخطة على 3 أركان رئيسية:
وتشمل 10 قطاعات رئيسية، من بينها الاقتصاد والزراعة، و الموارد الطبيعية والطاقة، والنقل والاتصالات، والتعليم والصحة وحماية البيئة، إضافة إلى 15 برنامجًا أولويًا تغطي جوانب الحكم والأمن والاقتصاد والتنمية الاجتماعية والاستثمار في الموارد المحلية.
وأكد مجاهد أن الوثيقة تحدد رؤية التنمية في البلاد، وتوفر إطارا موحدا لتنسيق عمل الوزارات والإدارات التابعة لطالبان، وتحقيق الاستخدام الفعال للموارد، وتحسين إدارة المشاريع الاقتصادية والاجتماعية.
وقد شملت الخطة قطاعات متعددة مثل التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية، ولاحظ مراقبون أن الوثيقة الرسمية لم تتطرق بشكل صريح إلى قضايا أخرى مثل تعليم الفتيات وحق النساء في العمل.
وفي المؤتمر الصحفي، قال مجاهد "إن تعليم الفتيات مسألة ثانوية"، ويرى محللون أن غياب هذه المحاور يمثل ثغرة جوهرية في أي خطة تنموية، خصوصًا أن أكثر من نصف المجتمع -أي النساء- محروم من فرص التعليم والعمل، مشيرين إلى أن استمرار تجاهل هذه الملفات قد يعرقل فرص النمو الاقتصادي والاجتماعي، ويزيد من اعتماد البلاد على المساعدات الخارجية.
يقول خبراء اقتصاد إن نجاح الخطة مرهون بالقدرة على تحسين إدارة الموارد المالية واستثمار الإمكانات المحلية بفعالية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لخلق فرص عمل مستدامة، وتطوير قطاعات الزراعة والطاقة والبنية التحتية لضمان نمو اقتصادي طويل الأمد، وتحقيق الأمن الغذائي عبر تحسين الإنتاج الزراعي وتوزيع الموارد بشكل عادل.
في هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي بشير دوديال للجزيرة نت "من دون وضع سياسات واضحة لدعم التجارة والاستثمار وتشجيع مشاركة المرأة في سوق العمل، ستظل إمكانات النمو الاقتصادي محدودة، الحكومة بحاجة إلى خطط عملية ترتكز على استخدام الموارد المحلية بكفاءة وتحفيز الابتكار في القطاعات الإنتاجية".
ويُحذّر محللون من أن غياب هذه الخطط الواضحة، إضافة إلى قيود على عمل النساء، قد يحد من قدرة الاقتصاد على النمو ويؤدي إلى استمرار اعتماد أفغانستان على المساعدات الخارجية.
ويرى مراقبون أن نجاح الخطة مرهون بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة، تشمل إشراك جميع فئات المجتمع، بما فيها النساء والفتيات في التعليم والعمل، فضلا عن تحسين العلاقات مع المجتمع الدولي لاستقطاب الاستثمارات والمساعدات التنموية.
من جانب آخر، يرى محللون أن الواقع على الأرض يعكس تحديات أكبر كما أن الخطة تفتقر إلى آليات تنفيذ واقعية، خاصة في ظل غياب دستور واضح وشفافية في إدارة الموارد المالية، وأن التركيز على العناوين الكبرى من دون حلول عاجلة لمشكلات البطالة والفقر وانعدام الأمن الغذائي، الأمر الذي يجعل من الخطة مشروعًا سياسيًا أكثر من كونه برنامجًا عمليًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ويقول المحلل السياسي عزيز معارج للجزيرة نت "إن الحكومة تجاهلت مشكلات الناس اليومية، مثل خلق فرص عمل أو إعادة دمج العائدين من إيران وباكستان ، وركزت على أهداف بعيدة المدى غير مدعومة بإمكانات عملية واضحة، طالبان تريد فقط طمأنة الناس بأنها ستظل في السلطة خلال السنوات الخمس القادمة، في حين أن الاحتياجات الملحة للشعب تتعلق بخلق فرص عمل، ومعالجة الفقر، والتصدي للجوع، وتأمين سكن العائدين".
ويقول الأكاديمي غوث جانباز للجزيرة نت "الحكومة لا تعير أي اهتمام لإنشاء آليات الحكم المعتادة مثل الدستور، أو تشكيل حكومة ذات كفاءة ومشروعية وطنية، بل تركز فقط على تعزيز سلطتها، عندما نواجه غياب العناصر الأساسية للحكم، مثل الشرعية والدستور وعدم وجود نظام واضح لإدارة الموارد والقدرات الفنية على مستوى البلاد، فمن أي تنمية يمكننا الحديث؟ معظم هذه التصريحات دعائية فقط".
وأشار خبراء آخرون إلى أن إعادة المساعدات التنموية والاستثمارات الدولية إلى أفغانستان ستكون ممكنة فقط عندما تقوم طالبان بالإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي، بما في ذلك إعادة فتح المدارس للفتيات والالتزام بالشروط التي حددتها قرارات مجلس الأمن الدولي.
قبل يومين من المؤتمر الصحفي، طلب وزير الاقتصاد الأفغاني، دين محمد حنيف من رؤساء بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان (يوناما) ومنظمات الإغاثة الدولية، التركيز بالتوازي على المشاريع التنموية إلى جانب المساعدات الإنسانية، بهدف خلق فرص عمل ودعم الاقتصاد الأسري.
وتعكس هذه المبادرة الرسمية رغبة الحكومة في إبراز بعض التعاون مع المجتمع الدولي، رغم الانتقادات المتعلقة بالشفافية والآليات التنفيذية للخطة الخمسية.