تحت وقع الانفجارات وسُحب الدخان التي غطّت سماء العاصمة الإيرانية، يعيش سكان طهران حالة من الترقب والقلق، في ظل الهجمات الإسرائيلية المتواصلة التي تُعد الأعنف على البلاد منذ الحرب مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي.
وعلى الرغم من أن الوضع في الشارع الإيراني لم يبلغ حدّ الانهيار السياسي، إلا أن الشعور السائد بين السكان، أن إيران ما بعد هذه الحرب لن تكون كما قبلها.
ندا، وهي سيدة في الـ35 من عمرها، تحدثت إلى بلومبيرغ من ضاحية شمالية بطهران بعد أن فرت من قلب العاصمة. بدأت قصتها بطرق جارتها على باب شقتها بعد سماع دوي الانفجارات، ثم قامت بتغليف نوافذها بلاصق تحسباً لتحطمها، وحزمت حقيبة طوارئ، وانطلقت على الطريق السريع الذي شهد ازدحاماً غير مسبوق.
تقول ندا: "أكبر مخاوفي هو هذا الغموض… هل ستستمر الحرب أسبوعًا أم ثماني سنوات؟" مضيفةً أن انعدام الوضوح يدفع الناس للارتجال يوماً بيوم.
على الرغم من "ضعف القيادة السياسية وتردّي الاقتصاد"، فإن تقديرات محللي بلومبيرغ تشير إلى أن النظام لن يسقط، لكن تغييرات داخلية واسعة تبدو حتمية.
وقال رئيس شركة "آرا إنتربرايز" للاستشارات في طهران، سيروس رزقي "إيران لن تخرج من هذا الصراع كما دخلته… حتى إذا لم يحدث تغيير في النظام على المدى القصير، فإن التحولات الداخلية ستكون عميقة".
أول تلك التغييرات، كما يقول، قد يكون إصلاح جهاز الاستخبارات الذي فشل مراراً في منع عمليات إسرائيلية نوعية استهدفت كبار القادة العسكريين والأمنيين.
وفي تطوّر لافت، وجّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعوة علنية للإيرانيين لإخلاء طهران، محذرًا من تصعيد كبير قادم، ومطالباً بـ"الاستسلام". وهو ما أثار مخاوف واسعة من دخول الولايات المتحدة مباشرة إلى ساحة المعركة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، من جانبه، صرّح بأن الضربات لا تستهدف البرنامج النووي فحسب، بل تستهدف "أسس الجمهورية الإسلامية"، داعياً الإيرانيين إلى اغتنام هذه اللحظة للتخلّص من "الحكم القمعي"، بحسب وصفه.
الحصيلة الرسمية من الجانب الإيراني تشير إلى 224 قتيلاً معظمهم مدنيون، في قصف شمل منشآت نفطية، أحياء سكنية، ومقار عسكرية.
ورغم التوترات المتراكمة بين المواطنين والنظام، فإن الغضب الشعبي في هذه المرحلة موجّه نحو إسرائيل . تقول ندا: "كل كلمة يقولها نتنياهو تثير غضباً داخلياً لا أستطيع وصفه… كراهيتي له تزداد يوماً بعد يوم".
حتى معارضو النظام من أمثال "نَزانين"، موظفة في شركة تسويق عمرها 55 عاماً، أعربوا عن استيائهم الشديد من نتنياهو: "أنا أكره نتنياهو والنظام الإيراني على حد سواء… لقد سئمت من كليهما".
ووفقًا لتقديرات بلومبيرغ المستندة إلى معلومات استخبارية غربية وإسرائيلية، قد تؤدي إلى:
وأغلقت المحال التجارية في البازار الكبير بطهران أبوابها، واصطفت السيارات في طوابير طويلة أمام محطات الوقود غرب العاصمة. وفي أحد مشاهد المقاومة الرمزية، أشاد الإعلام الرسمي بمذيعة تلفزيونية واصلت البث المباشر رغم القصف الذي غمر الاستوديو بالغبار والدخان.
وفي ذات الوقت، أصيبت شقة "نَزانين" في حي شمالي راقٍ بأضرار، حيث تقع قبالة المبنى الذي استُهدف ويُعتقد أنه مقر إقامة كبير مساعدي خامنئي، علي شمخاني. وأفادت وكالة "نور نيوز" الرسمية أن شمخاني نجا من القصف ويعالج في المستشفى.
وتشير تحليلات بلومبيرغ إلى أن أي تغييرات محتملة في قمة السلطة، مثل غياب المرشد علي خامنئي ، قد تؤدي إلى صعود وجوه أكثر تشدداً وأيديولوجية في مؤسسات الدولة، ما يزيد من رغبة النظام في إظهار القوة، بدلاً من تقديم التنازلات.
وكتبت دينا إسفندياري، محللة الشرق الأوسط لدى بلومبيرغ إيكونوميست، إن استهداف خامنئي قد يعزز الروح القومية الصاعدة في البلاد، لكنه لن يكون كافيًا لكسر الانقسامات العميقة داخل المجتمع الإيراني.
وفي الوقت الذي يتابع فيه العالم تطورات الحرب بقلق، يبدو أن إيران على أعتاب مرحلة مفصلية.
لكن المؤكد، وفق ما خلص إليه تقرير بلومبيرغ، أن إيران "لن تخرج من هذه الحرب كما كانت قبلها"، وأن ما ينتظر الإيرانيين يتجاوز آثار القنابل ليمس جوهر النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي برمته.