شهد الاقتصاد الأميركي انكماشً ا بنسبة 0.3% في الربع الأول من العام الجاري، في أول تراجع فصلي منذ عام 2022، مدفوعًا بزيادة غير مسبوقة في الواردات مع مساعي الشركات الأميركية إلى استباق الرسوم الجمركية الموسعة التي فرضها الرئيس دونالد ترامب .
ووفق التقديرات الأولية الصادرة عن مكتب التحليل الاقتصادي التابع لوزارة التجارة الأميركية، تراجع الناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي بمعدل 0.3%، متجاوزًا توقعات المحللين الذين قدروا نموًا بنسبة 0.3%. وكان الاقتصاد قد سجل نموًا بلغ 2.4% في الربع الأخير من عام 2024.
وأشارت بيانات اطلعت عليها وكالة بلومبيرغ إلى أن صافي الصادرات اقتطع نحو 5 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول، في أكبر تأثير سلبي مسجل على الإطلاق.
وارتفعت الواردات الأميركية في الربع الأول من 2025 على أساس سنوي بنسبة 41.3%، وهي أعلى قفزة منذ نحو خمس سنوات، نتيجة اندفاع الشركات نحو تأمين السلع الأجنبية قبل سريان الرسوم الجمركية الجديدة. وبما أن هذه السلع لا تُنتج داخل الولايات المتحدة، فهي تُخصم من الناتج المحلي.
وقال تقرير "بلومبيرغ إيكونوميكس" إن هذا الاندفاع "يكشف عن أثر مباشر لسياسة ترامب التجارية على النشاط الاقتصادي"، مضيفًا أن انكماش النمو جاء رغم استمرار بعض مؤشرات الطلب المحلي.
وساهم إنفاق المستهلكين، الذي يمثل نحو ثلثي الناتج المحلي الإجمالي ، في النمو بنسبة 1.8%، وهو أضعف مستوى منذ منتصف 2023، لكنه لا يزال أفضل من التوقعات. غير أن تباطؤ الإنفاق كان واضحًا، خاصة في ظل انخفاض الثقة الاستهلاكية وتراجع المبيعات لدى بعض الشركات الكبرى مثل "ويربول" و"تراكتور سبلاي".
من جهة أخرى، انخفض الإنفاق الحكومي بنسبة 1.4%، في أول تراجع منذ عام 2022، وسط تقليص الدفاع بنسبة 8% بعد تعليق الرئيس ترامب مؤقتًا المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا الشهر الماضي.
وكشف التقرير أيضًا تسارع معدل التضخم الأساسي إلى 3.5% في الربع الأول، وهو الأعلى منذ عام. ويترقب الاحتياطي الفيدرالي المزيد من البيانات قبل اتخاذ قرارات تخص أسعار الفائدة، لا سيما في ظل الغموض الذي يكتنف الآثار الكاملة للرسوم الجمركية على الاقتصاد و التضخم .
وتشير البيانات إلى أن معدل الرسوم الجمركية الفعلي في الولايات المتحدة يبلغ حاليًا نحو 23%، وهو الأعلى منذ أكثر من قرن، بحسب "بلومبيرغ إيكونوميكس". وتأتي هذه الزيادات في إطار سعي ترامب إلى إعادة إحياء قطاع التصنيع، وتعزيز الصادرات، وتحقيق فائض تجاري، وزيادة الإيرادات الحكومية.
ومع تصاعد المخاوف من تأثير الرسوم على سلاسل التوريد وارتفاع الأسعار، يرى العديد من المحللين أن احتمالات دخول الولايات المتحدة في ركود اقتصادي خلال العام المقبل باتت متقاربة بين مؤيد ومعارض.
وأشار تقرير "بلومبيرغ" إلى أن بعض البيانات تشير إلى أن الشركات قد خزنت الواردات، ما قد يوفر دفعة للنمو في الربع الثاني بتقليص العجز التجاري وزيادة المخزون. ورغم ذلك، فإن المخاوف من استمرار التباطؤ لا تزال قائمة.
ومن المتوقع أن يُظهر تقرير الوظائف الشهري المنتظر يوم الجمعة تباطؤًا في وتيرة التوظيف، إذ كشفت بيانات عن زيادة ضعيفة بلغت 62 ألف وظيفة فقط في أبريل/نيسان، وهو أضعف أداء منذ يوليو/تموز الماضي.
وبينما يتفاخر الرئيس ترامب بأن الرسوم ستعزز التصنيع وتدفع الاقتصاد نحو "انتعاش إستراتيجي"، تُظهر المؤشرات الأولية أن الاقتصاد الأميركي يمر بلحظة اختبار حقيقية ـاختبار قد يحدد ملامح الأشهر المقبلة، لا سيما في ظل تزايد التحديات السياسية والمالية، وتصاعد الترقب في الأسواق العالميةـ.