أعاد الإعلان عن استئناف تصوير برنامج "أغاني وأغاني"، أحد أبرز البرامج الرمضانية في السودان، الجدل إلى الواجهة بعد توقف دام ثلاثة أعوام فرضته الحرب المستمرة منذ أبريل (نيسان) 2023. وقد أثارت خطوة قناة "النيل الأزرق" بإنتاج موسم جديد من القاهرة ردود فعل متباينة، تراوحت بين الترحيب والانتقاد الحاد.
وانقسمت الآراء على منصات التواصل الاجتماعي، بين من رأى في عودة البرنامج محاولة لإحياء ذاكرة رمضان السودانية، وإدخال قدر من الطمأنينة على النفوس المنهكة، وبين من اعتبر أن الظروف الإنسانية التي تعيشها البلاد لا تحتمل أعمالاً غنائية وترفيهية. ورغم موجة الاعتراض، تواصل القناة التحضير لموسم وُصف بأنه "الأضخم" في مسيرة البرنامج منذ تأسيسه.
وتستعين قناة "النيل الأزرق" باستوديوهات حديثة في مدينة الإنتاج الإعلامي بالقاهرة، وتعمل على تقديم نسخة تجمع بين الأغنيات الوطنية والتراثية والأعمال الطربية، في مسعى لتوثيق ما تصفه القناة بـ"قيم الصمود والتكافل" خلال الحرب. كما خصصت مساحة لأغانٍ تدعم القوات المسلحة، إلى جانب حضور لافت للأغنيات الكلاسيكية.
ويتولى الإعلامي والباحث مصعب الصاوي تقديم النسخة الجديدة، بعد رحيل مؤسس البرنامج وأبرز وجوهه، السر قدور. ويعد الصاوي الجمهور بإطلالة مختلفة تجمع جيلاً من الأصوات الشابة والمخضرمة، بهدف إعادة صياغة روح البرنامج بما يلائم الظروف الحالية.
ويشارك في الموسم عدد كبير من الفنانين المعروفين، من بينهم هدى عربي، وإنصاف فتحي، ومأمون سوار الدهب، وشكر الله عز الدين، وحسين شندي، وياسر تمتام، ورماز ميرغني، وأحمد فتح الله (البنادول)، وفاطمة عمر، ومنى مجدي سليم، مع أول ظهور للفنان أحمد دسوقي بالبرنامج، إلى جانب نخبة من أبرز الشعراء والموسيقيين، حيث يقدمون أغاني وقصصاً موسيقية متنوعة.
وتأتي هذه العودة في وقت تعيش فيه الساحة الفنية السودانية حالة ركود غير مسبوقة، بعدما تراجع الإنتاج الدرامي وانشغل الجمهور بأزمة النزوح وتدهور الأوضاع المعيشية. ومع ذلك، ترى جهات أخرى أن استمرار البرامج الموسمية يسهم في الحفاظ على الذاكرة الثقافية للسودانيين، رغم الجدل المحتدم بين مؤيد ومعارض.
النقد يجب أن يركز على تطوير الفكرة والمحتوى، لا على إيقاف مسيرة الإبداع
الناقد هيثم أحمد الطيب العربية.نت والحدث.نتوفي سياق موازٍ، نأت وزارة الثقافة والإعلام السودانية بنفسها عن الجدل الدائر، مؤكدة بشكل قاطع في توضيح أمس الخميس عدم ارتباطها بأية أعمال غنائية خلال هذه الفترة، ومشددة على تركيز جهودها منذ اليوم الأول للحرب على دعم القوات المسلحة عبر الأناشيد والأعمال الوطنية، معتبرة أن أية اتهامات موجهة لها في هذا السياق لا أساس لها ومرفوضة تماماً.
وفي المقابل، وجه الناقد هيثم أحمد الطيب انتقادات لاذعة لرافضي عودة البرنامج، مؤكداً أن الغناء ليس مجرد ترفيه، بل إرادة حياة تهزم الحرب، وأداة لبناء الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي. ورأى أن الهجوم على "أغاني وأغاني" يعكس جهلاً بقيمة الفن الوطني، فالبرنامج قادر على توحيد السودانيين، وإبراز هويتهم، وتحويل كل رمضان إلى مساحة وطنية للحوار والغناء والإبداع. واختتم حديثه لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت" قائلاً: "النقد يجب أن يركز على تطوير الفكرة والمحتوى، لا على إيقاف مسيرة الإبداع".
وبينما تتواصل الانتقادات والاحتفاء بعودة "أغاني وأغاني"، يبدو أن البرنامج سيعود هذا العام محمّلاً بتوقعات كبيرة، وبأسئلة أكثر حول دور الفن في زمن الحرب، وقدرة السودانيين على التمسك بمساحتهم الروحية رغم ضجيج المعارك.
يشار إلى أن برنامج "أغاني وأغاني" يعد أحد أشهر البرامج التي تُعرض بعد الإفطار في السودان، انطلق عام 2006 واستمر حتى 2023 على مدى 18 موسماً، مستعرضاً تاريخ الأغنية السودانية وروّادها وتجديدها عبر الأجيال.
قاده معظم المواسم الشاعر والملحن والكاتب الصحافي، السر قدور، الذي ترك بصمة لا تُنسى في ذاكرة المشاهدين بأسلوبه السلس وحضوره المميز. وتوقف البرنامج بسبب الحرب، لكنه يظل جزءاً أساسياً من طقوس رمضان السودانية وذاكرة الفن الوطني.
المصدر:
العربيّة