بينما لا تزال أصداء "فضيحة سيغنال"، كما سميت تتردد في أميركا، عقب استخدام أهم مستشاري الأمن للرئيس الأميركي دونالد ترامب تطبيق التراسل المجاني هذا، لمناقشة ضربة عسكرية وشيكة على قواعد الحوثيين في اليمن، مستمرة، عادت إلى الأذهان حوادث مماثلة.
فخلال انتخابات العام 1968، حقق المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون (Richard Nixon) فوزا سهلا أصبح على إثره الرئيس السابع والثلاثين بتاريخ الولايات المتحدة الأميركية.
وعام 1972، اكتسح الأخير المجمع الانتخابي بفارق شاسع عن منافسه الديمقراطي جورج ماكغوفرن (George McGovern) ليفوز بذلك بولاية ثانية.
ثم عُرفت الفترة الرئاسية الثانية لنيكسون نهاية غير متوقعة، حيث اتجه الأخير للاستقالة من منصبه على إثر فضيحة ووترغيت.
لكن قبل ووترغيت، اهتزت إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون سنة 1971 على وقع فضيحة أخرى.
فبذلك العام، تابع العالم انتشار وثائق سرية وحساسة للبنتاغون حول حرب فيتنام، ضمن فترة تعالت خلالها الأصوات المطالبة بخروج الأميركيين من هذا النزاع.
إذ أعد فريق من المحللين العاملين بالبنتاغون سنة 1967 بناء على طلب من وزير الدفاع الأميركي روبرت ماكنمارا (Robert McNamara)، تقريرا شديد السرية حول التدخل العسكري والسياسي للولايات المتحدة الأميركية بفيتنام منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ولإتمام عمله، لجأ فريق المحللين للإعتماد على وثائق سرية تواجدت لدى كل من وزارتي الخارجية والدفاع وتقارير أخرى تواجدت لدى وكالة الاستخبارات المركزية. وبحلول العام 1969، تم الانتهاء من إعداد التقرير الذي تكون من 47 مجلدا احتوت على 3000 صفحة مكتوبة و4000 وثيقة لدعم الاستنتاجات والخلاصات.
ثم وقعت هذه الوثائق بيد دانييل إلسبرغ (Daniel Ellsberg) الذي عمل كمحلل إستراتيجي لصالح مؤسسة راند (RAND Corporation) ووزارة الدفاع الأميركية. وبمسيرته، عمل إلسبرغ كضابط بسلاح البحرية الأميركية ما بين عامي 1954 و1957 وكان من أول المؤيدين لفكرة التدخل بالهند الصينية لاحتواء الخطر الشيوعي. وعام 1967، كان إلسبرغ ضمن الفريق الذي عمل على إعداد التقرير السري للبنتاغون.
وبمرور السنين، أصبح إلسبرغ من معارضي الحرب الأميركية بفيتنام مؤكدا على صعوبة الفوز بها. وبحلول العام 1971، تحدث الأخير عن أهمية حصول الأميركيين على وثائق البنتاغون السرية حول حرب فيتنام لإدراك حقيقة ما يحصل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وخلال ذلك العام، قدم دانييل إلسبرغ جانبا من المعلومات الموجودة بتقرير البنتاغون السري لمراسل النيويورك تايمز نيل شيهان (Neil Sheehan).
ابتداء من 13 حزيران/يونيو 1971، باشرت صحيفة النيويورك تايمز بنشر تقارير بصفحتها الأولى استندت خلالها لوثائق البنتاغون المسربة. وقد تحدثت بعض هذه التقارير حينها عن معلومات حساسة كدور الولايات المتحدة الأميركية في اغتيال رئيس فيتنام نغو دينه ديم (Ngo Dinh Diem) سنة 1963 واعتماد الإدارات الأميركية المتتالية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لسياسة تضليل الرأي العام ومغالطته بخصوص فيتنام.
في الآن ذاته، تحدثت التقارير عن وضع إدارة الرئيس ليندون جونسون لخطط من أجل تصعيد الحرب بفيتنام على الرغم من حديثها عن تهدئة الوضع والبحث عن حلول لإحلال السلام وإبعاد الأميركيين عن هذا النزاع.
ومع تواصل نشر هذه التقارير، حصلت وزارة العدل الأميركية على قرار عاجل وتقييدي مؤقت يمنع نشر المزيد من المواد المتعلقة بوثائق البنتاغون بدعوى أنها تهديد للأمن القومي.
وبقضية نيويورك تايمز ضد الولايات المتحدة الأميركية أواخر حزيران/يونيو 1971، قضت المحكمة العليا الأميركية بعدم حجب تقارير نيويورك تايمز بسبب عدم وجود أدلة على تهديدها للأمن القومي واعتبرت الأمر نوعا من حرية الصحافة التي يحميها الدستور الأميركي.
لاحقا، اتجهت الإدارة الأميركية لتوجيه تهم السرقة والتجسس والتآمر لدانييل إلسبرغ الذي أصبح مهددا بما مجموعه 115 سنة سجن. وأثناء المحاكمة سنة 1973، أمرت المحكمة بتبرئة إلسبرغ بسبب سوء التصرف الحكومي وعملية جمع الأدلة بشكل غير قانوني. وبالفترة التالية، جاءت فضيحة ووترغيت لتطغى على الساحة الإعلامية الأميركية متسببة بذلك في تناسي فضحية وثائق البنتاغون من قبل الشارع الأميركي.