دار خلاف بين قادة الذكاء الاصطناعي حول مخاطر هذه التكنولوجيا سريعة التطور، أثناء المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) الأسبوع الماضي، وكان محل الجدال مشروع البنة التحتية للذكاء الاصطناعي "ستارغيت" الذي روج له الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتكلفة 500 مليار دولار.
واستغل رواد الذكاء الاصطناعي التجمع في "دافوس" لتكرار التحذيرات الصارمة بشأن تهديدات الذكاء الاصطناعي، حيث تعمل المصالح التجارية والتنافس الجيوسياسي على دحر المخاوف بشأن السلامة.
وكان من بين هؤلاء رئيس شركة "ديب مايند" التابعة لغوغل ديميس هاسابيس، والرئيس التنفيذي لشركة "أنثروبيك" داريو أمودي، وعالم الكمبيوتر و"الأب الروحي للذكاء الاصطناعي" يوشوا بينجيو، بحسب تقرير لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، اطلعت عليه "العربية Business".
أقر هاسابيس بأن "الجني لا يمكن إعادته إلى القمقم" في كناية على أنه لم يكن بالإمكان السيطرة على تهديدات الذكاء الاصطناعي في حال خروج هذه التكنولوجيا عن السيطرة.
وقال إن الذكاء الاصطناعي العام -عندما تتفوق أجهزة الكمبيوتر على القدرات الإدراكية للإنسان- يمكن أن يهدد الحضارة إذا خرج عن السيطرة أو وقع تحت سيطرة جهات مؤثرة سيئة.
وينطبق هذا الأمر بشكل خاص على نماذج اللغة الكبيرة "مفتوحة المصدر"، والتي يمكن الوصول إليها من قبل الجميع.
وأضاف الحائز على جائزة نوبل، في مقابلة مع الصحيفة: "هناك الكثير (من الأمور) على المحك هنا أكثر من مجرد شركات أو منتجات. (إنه) مستقبل البشرية والحالة والإنسانية".
وبالمثل، قال بنجيو، أثناء جلسة نقاشية: "العلم لا يعرف كيف يمكننا التحكم في الآلات التي تصل إلى مستوى ذكائنا، بل الأسوأ إذا كانت تفوقنا ذكاءً".
وأضاف: "هناك أشخاص يقولون "لا تقلق سنكتشف ذلك". لكن إذا لم نكتشف ذلك، هل تفهم العواقب؟".
فيما انتقد يان ليكون، كبير علماء الذكاء الاصطناعي في شركة ميتا، التي أنفقت مليارات الدولارات في تطوير نموذج اللغة الكبيرة مفتوح المصدر "Llama"، موقفهم باعتباره منافقًا.
وقال ليكون، في مقابلة، إن مثل هذه المخاوف كذبتها المنافسة الشرسة لبناء وبيع أفضل النماذج، مضيفًا أن "العقبات أمام توزيع (نماذج) المصدر المفتوح ستؤدي إلى سيطرة تنظيمية من قبل بضعة لاعبين... (مما يضع) القوى في أيدي عدد قليل من الناس".
بينما ناقش العلماء والمهندسون حجم المخاطر مقارنة بالمكاسب المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، أظهر المسؤولون التنفيذيون في مجال الأعمال حماسًا غير مقيد للتكنولوجيا.
جاء هذا الموقف بعدما أجج المنافسة المحتدمة بالفعل إعلان، يوم الأربعاء، عن تعاون بين "OpenAI" و"سوفت بنك" و"أوراكل" في مشروع مشترك للبنية التحتية للذكاء الاصطناعي بقيمة 500 مليار دولار يحمل اسم "ستارغيت".
ووقع الرئيس ترامب أوامر تنفيذية، الأسبوع الماضي بعد لقاء الرؤساء التنفيذيين للشركات الثلاثة، من شأنها إزالة العديد من الحواجز حول تطوير التكنولوجيا، وقال إن هذه الخطوات من شأنها ضمان التفوق الأميركي في الذكاء الاصطناعي.
وسيطر مشروع "ستارغيت" على النقاش في "دافوس" لبقية الأسبوع، حيث تساءل العديد من المشاركين، بمن فيهم المليادير إيلون ماسك، الذي يمتلك بدوره شركة ناشئة للذكاء الاصطناعي، عن طريقة تمويل التحالف الثلاثي النفقات الضخمة لهذا المشروع.
وذكرت تقارير أن "ستارغيت" لم يؤمن التمويل الذي يحتاجه بعد، ولن يتلقى أي تمويل حكومي ولن يخدم سوى "OpenAI" بمجرد اكتماله. وحتى الآن، يعتزم كل من "سوفت بنك" و"OpenAI" تقديم أكثر من 15 مليار دولار لكل منهما للمشروع، على أمل جمع مزيج من الأسهم من داعميهما الحاليين والديون.
نُظر إلى المشروع الجديد بوصفه أحدث دليل على وجود صدع في العلاقة بين سام ألتمان الرئيس التنفيذي لـ"OpenAI" والرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا وكبير المديرين التنفيذيين لديه للذكاء الاصطناعي مصطفى سليمان، وهو المؤسس المشارك السابق لشركة "ديب مايند" الذي ترك شركته الناشئة وانضم إلى "مايكروسوفت" في أوائل العام الماضي.
وقال مارك بينيوف الرئيس التنفيذي لشركة "Salesforce"، التي تنافس "مايكروسوفت" في بيع وكلاء الذكاء الاصطناعي للشركات: "كانت التوترات التي ظهرت بين مصطفى سليمان وسام ألتمان في دافوس العام الماضي مجرد البداية".
وأضاف بينيوف: "مايكروسوفت تعمل الآن على تسريع تطوير الذكاء الاصطناعي الخاص بها... ويعكس هذا النمط تاريخ مايكروسوفت مع شركائها"، معتبرًا أن ذلك يمثل بداية النهاية في العلاقة بين الشركتين "مما يجعل من الضروري لـ OpenAI" التوسع إلى منصات أخرى بسرعة".
استثمرت "مايكروسوفت" ما يقرب من 14 مليار دولار في "OpenAI " منذ عام 2019 وفي المقابل تفاوضت على حقوق الملكية الفكرية الخاصة بها وأن تكون مزود الحوسبة السحابية الحصري لها. ولكن تم إنهاء هذه الاتفاقية بالتزامن مع الإعلان عن مشروع "ستارغيت".
وقال فرانك شو المتحدث باسم "مايكروسوفت" إن مارك بينيوف "ليس لديه فكرة عما يتحدث عنه".
وفي "دافوس"، ألقى ناديلا أيضًا بظلال من الشك على تعهدات الإنفاق الخاص بـ"ستارغيت" وأشاد بخطط "مايكروسوفت" لإنفاق رأسمالي بقيمة 80 مليار دولار.
ويعتبر المشروع أحدث مثال على سابق التسلح بالبنية التحتية لمراكز البيانات في الولايات المتحدة، حيث يستعد البلد للمرحلة الثانية من الطفرة الاقتصادية للذكاء الاصطناعي.