بعد آمال كبيرة من ريال مدريد ومشجعيه على مدى أسبوع بتحقيق "ريمونتادا" مساء الأربعاء أمام أرسنال الإنجليزي في إياب في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، خسر الفريق الإسباني وغادر البطولة الأوروبية العريقة وفقد اللقب.
وقد عُرف الفريق "الملكي" الإسباني بقدرته على العودة في كثير من المباريات بعد تأخره بالنتيجة بفارق كبير من الأهداف، ليُلقب بـ"ملك الريمونتادا"، فماذا يعني هذا اللقب؟
"البرسا يقلب الطاولة ... فعلوها ... الريمونتادا تاريخية، تاريخية، تاريخية ... يا الله على زلزال الكامب نو".
في دوري أبطال أوروبا 2016، ردد المعلق التونسي عصام الشوالي هذه الكلمات بحماسة كبيرة لدى تمكن الفريق الكاتالوني من قلب النتيجة ضد باريس سان جيرمان الفرنسي، واستطاع حينها العودة من تأخر كبير في النتيجة.
ومنذ تلك المباراة، أصبح مصطلح الريمونتادا دارجاً بكثرة.
يقول الإعلامي الرياضي الأردني خالد الغول لبي بي سي، إن الكلمة أصبحت مصطلحاً عالمياً وانتشرت على نطاق واسع لأنها كلمة إسبانية الأصل، وكان صانع الريمونتادا وقتها فريقاً إسبانياً كذلك.
ويقول الاتحاد الأوروبي لكرة القدم عن تلك المباراة: حملت "إنجازاً خاصاً للغاية لدرجة أنه أصبح يُعرف منذ ذلك الحين ببساطة باسم (لا ريمونتادا)".
بحسب قاموس الأكاديمية الملكية الإسبانية (Diccionario de la Real Academia Española)، فإن كلمة ريمونتادا جاءت من الفعل "remontar" أي يعود، وتعني "التغلب على نتيجة أو موقف سلبي، وتُستخدم في اللغة الرياضية".
وتثير الريمونتادا حماسة الجماهير، فأصبحت بالنسبة للرياضيين والجمهور مرادفاً للإصرار وعدم الاستسلام، والإيمان بالأمل والحظوظ حتى النهاية.
وعند رؤية ردود فعل الجماهير عند حدوث الريمونتادا، تتكشّف كمية المشاعر المكثفة والحماسة التي تولدها تلك العودة الرياضية لدى جماهير الفريق المنتصر.
في المقابل، تعبث تلك العودة بمشاعر جماهير الفريق الخاسر بشكل سلبي، مسببة خيبة أمل لا تنسى لديهم.
ويرى الغول أن قلب النتيجة بهذه الطريقة يعتمد على الروج المعنوية والحماسة بدرجة كبيرة، وعلى إيمان الفريق بقدرته على قلب النتيجة، وكذلك توالي الأهداف بشكل سريع.
ولا يعتقد الغول أن ريال مدريد هو الفريق الأفضل قدرة على العودة في النتيجة تاريخياً، فمانشستر يونايتد الإنجليزي له باع في ذلك وفق رؤيته.
وبشأن توعد الفريق "الملكي" بـ"الريمونتادا" خلال مباراة الليلة، يعتقد الغول أنها محاول لإعطاء جرعة من الأجواء الحماسية والتأثير على الفريق الخصم وهو أرسنال.
وضمن باقة كبيرة من المباريات التي شهدت تقلبات في النتيجة وعودة بعد تأخر، يختار الغول مباراة برشلونة وباريس سان جيرمان لتكون صاحبة "الريمونتادا الأعظم".
وبعدها يأتي نهائي دوري الأبطال عام 2005 في إسطنبول بين فريقي ميلان وليفربول، الذي لُقب بـ"معجزة إسطنبول"، وفق الغول.
ولا يريد الغول تجاهل نهائي دوري الأبطال عام 1999 في ملعب "كامب نو" بين مانشستر يونايتد وبايرن ميونيخ، عندما غير الفريق الإنجليزي مسار اللقب نحو إنجلترا في الوقت بدل الضائع، وقلب نتيجة المباراة من تأخر بهدف نظيف، لفوز بهدفين مقابل هدف.
ويقول الغول إن "هذه المباراة لا تحمل ريمونتادا لكنها كانت مباراة مجنونة".
ولا تقتصر عودة ريال مدريد في النتائج على العقد الأخير، فـ"الميرينجي" فعلها في نهائي كأس الأندية الأوروبية البطلة عام 1956 أمام ريمس الفرنسي وهو المسمى القديم لدوري أبطال أوروبا.
واحتضن ملعب حديقة الأمراء في باريس نهائي البطولة الأوروبية الأعرق على صعيد الأندية، فبدأها النادي الإسباني بشكل سيء وتأخر بهدفين في الدقائق العشرة الأولى.
وعادل الريال حينها النتيجة بعد انقضاء نصف ساعة، وعاد ريمس ليضيف هدفاً ثالثاً، ليقلب النادي "الملكي" النتيجة ويبدأ سلسلة الهيمنة الأوروبية بفوز مثير بأربعة أهداف مقابل ثلاثة.
ونجح ريال مدريد في كأس الأندية الأوروبية البطلة 1975-1976 للمرة الوحيدة في البطولة في العودة من تأخر بفارق ثلاثة أهداف في مباراة الذهاب، وذلك أمام ديربي كاونتي في دور ثمن النهائي.
وفاز الفريق الإنجليزي ذهاباً بأربعة أهداف لواحد، لكن ملعب السانتياغو بيرنابيو شهد عودة كبيرة إياباً بالفوز بخمسة أهداف لهدف.
وفي البطولة ذاتها وهي المحببة لدى ريال مدريد، عاد "الميرينجي" وتغلب على سيلتيك الأسكتلندي بثلاثة أهداف نظيفة، بعد خسارة بالذهاب بهدفين لصفر، في ربع نهائي بطولة 1979-1980.
وكان للفريق الإسباني عودة تاريخية أخرى، حين عوض خسارته 5-1 من بوروسيا مونشغلادباخ الألماني، ليفوز إياباً برباعية نظيفة في الدور الثالث من بطولة كأس الاتحاد الأوروبي 1985-1986.
وفي الدوري الإنجليزي الممتاز، استذكر الغول عودة تاريخية لمانشستر يونايتد أمام توتنهام هوتسبر عام 1985 على ملعب وايت هارت لاين في لندن.
حينها، أنهى السبيرز الأول متقدماً بثلاثية نظيفة، لكن "الشياطين الحمر" عادوا بخماسية تؤكد مكانتهم القوية في تلك الفترة.
كان لنادي نادي ديبورتيفو لا كورونيا مجد في بداية الألفية الثالثة، قبل أن يتراجع ويهبط من الدرجة الأولى الإسبانية.
وحقق "الديبور" عودة لا تُنسى ضد ثاني أعظم فرق دوري أبطال أوروبا، أي سي ميلان الإيطالي في عام 2004.
حقق ميلان حامل اللقب حينها المطلوب وهزم منافسه 4-1 في ملعب السان سيرو، لكن ديبورتيفو لم يستسلم وتخلى عن الحذر وفاز بأربعة أهداف نظيفة إياباً، وجرد "الروسونيري" من لقبه.
لكن، يبدو أن العملاق الإيطالي لم يتعلم من درس البطولة السابقة، فكان ضحية الريمونتادا في نهائي دوري أبطال أوروبا 2004-2005 أمام ليفربول في إسطنبول.
وكانت ليلة "معجزة"، تقدم فيها ميلان بثلاثية نظيفة في الشوط الأول بينها الهدف الأسرع في تاريخ نهائيات البطولة بقدم أسطورته باولو مالديني، وبدا كأنه في طريقه لإحراز لقبه السابع في البطولة.
وفي الشوط الثاني، دخل "الحُمر" رافضين للنتيجة، فسجل رفاق القائد ستيفن جيرارد ثلاثية سريعة أخذت اللقاء إلى وقت إضافي تصدى فيه حارس ليفربول جيرزي دوديك بشكل مذهل لتسديدة مزدوجة من الأوكراني أندريه شيفشينكو.
ثمّ يتألق في ركلات الترجيح، ويتصدر بركلة الحسم من المهاجم الأوكراني، معلناً ليفربول بطلاً لأوروبا بعد "معجزة إسطنبول".
عاد فريق برشلونة من ملعب حديقة الأمراء الباريسي بهزيمة ساحقة بأربعة أهداف نظيفة لصالح باريس سان جيرمان في ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا 2016-2017.
آمن لويس إنريكه مدرب برشلونة بفريقه حينها، ورأى قبل المباراة أن فريقه قادر على تسجيل 6 أهداف في مرمى النادي الباريسي.
وألهب لويس سواريز أحد أضلاع المثلث الهجومي المرعب رفقة الأرجنتيني لويس سواريز والبرازيلي نيمار، حماسة جمهور "الكامب نو"، وسجل الهدف الأول في الدقيقة الثالثة.
وتصاعد الأمل مع تسجيل ميسي للهدف الثالث، لكن هدف الأورغواياني أديسون كافاني لصالح "الباريسي" جعل المهمة أشبه بالمستحيلة، فـ"الكاتالوني" يحتاج ثلاثة أهداف للفوز.
وقبل نهاية المباراة بدقيقتين بدأ نيمار لحظات تاريخية انتهت بهدف سيرجي روبرتو، ليصبح برشلونة الفريق الوحيد في تاريخ البطولة الذي قلب تأخره بأربعة أهداف إلى فوز.
وقال نيمار عن تلك المباراة: "قلت لسيرجي: أدخل إلى منطقة الجزاء، سوف تسجل هدفاً!".
ويصف سيرجي روبرتو تلك اللحظات، قائلاً: "لم أكن أعلم أنني أحلم. لم أسمع صوتاً كهذا من قبل".
في العام التالي، كان أداء الفريق الكاتالوني مميزاً محلياً وأوروبياً، وفاز في ذهاب ربع نهائي البطولة 4-1 على روما، لكن فريق برشلونة انهار بشكل غريب في "الأولمبيكو" في العاصمة الإيطالية.
"نهضت روما من أنقاضها". لخصت تلك العبارة الشهيرة للمعلق بيتر دروي تلك الليلة بعد هدف مدافع روما كوستاس مانولاس، الذي كان هدف التأهل وفوز الفريق الإيطالي بثلاثية نظيفة.
وفي العام التالي، بدا "البلاوغرانا" أكثر تصميماً على الفوز بـ"ذات الأذنين" مستغلاً عاماً مذهلاً للأرجنتيني ليونيل ميسي.
وفي نصف النهائي، أنجز برشلونة نصف المهمة وفاز ذهاباً على ليفربول الإنجليزي بثلاثة أهداف لصفر، لكن "الحمر" حققوا نتيجة لافتة وصادمة بالفوز بأربعة أهداف نظيفة على ملعب "الأنفيلد".
في الأردن، يعتز مشجعو كرة القدم بالميدالية الذهبية التي أحرزها المنتخب الأردني في الدورة العربية التي أُقيمت في عمّان عام 1999، بعد مباراة ماراثونية في النهائي أمام العراق.
حينها، تقدم منتخب "النشامى" على "أسود الرافدين" برباعية نظيفة وبدا وكأن الأردن في الطريق للاحتفاظ بالذهبية قبل 20 دقيقة من نهاية اللقاء.
لكن العراقيون قاوموا، وأمطروا الشباك الأردنية بأربعة أهداف قلبت مزاج الحضور في ملعب عمّان الدولي.
ووصلت المباراة إلى ركلات الترجيح، التي عبر منها الأردن إلى بر الأمان بعد الركلة الأخيرة التي سجلها سفيان عبدالله على وقع تشجيع المعلق محمد المعيدي: "سفيان يا سفيان".
يُعرف لقاء فريقي الدار البيضاء (الوداد والرجاء) في المغرب بندّيته، فكانت المباراة التي جمعت الفريقين في ثمن نهائي البطولة العربية - كأس الأندية الأبطال 2019/2020 انعكاس على ذلك.
إذ انتهى لقاء الذهاب بالتعادل 1-1، وفي الإياب تقدم الوداد 4-1 حتى الدقيقة 73، لتبدأ دقائق مثيرة عادل خلالها الرجاء النتيجة وسجل ثلاثة أهداف في أجواء صاخبة جداً.