حين نتخيل المفترسين المهرة، تتبادر إلى أذهاننا صور الأسود والفهود والنمور، لا خفافيش صغيرة معلّقة في أعالي الغابات المطيرة.
لكن دراسة حديثة نُشرت في دورية "كارنت بيولوجي" قلبت هذه الصورة رأسا على عقب، بعدما اكتشف علماء الأحياء أن نوعا من الخفافيش يطلق عليه "الخفاش ذو الشفة المهدبة" يتّبع في صيده إستراتيجية تشبه إلى حدّ كبير ما تفعله الأسود في السافانا الأفريقية.
ورغم أن وزنه لا يتعدى بضع عشرات من الغرامات، إلا أنه يُظهر ذكاء تكتيكيا وسلوك مفترس كبير، ما جعل العلماء يصفونه بـ "الأسد الصغير".
في ظلال غابة استوائية في أميركا الوسطى، يتدلى الخفاش ذو الشفة المهدبة من غصنٍ رفيع، رأسه إلى الأسفل، وجناحاه مطويان بإحكام. لا يتحرّك، ولا يصدر صوتا تقريبا، لكنّ أذنيه الكبيرتين تعملان كهوائيات فائقة الحساسية تلتقط أدق الذبذبات.
وحين يسمع نداء ضفدع أو حشرة تصدر صوتا مميزا، ينطلق فجأة في حركة خاطفة لا تتجاوز ثواني معدودة، ويعود بعدها إلى مكانه بفريسة توازي حجمه تقريبا.
الدراسة التي أجراها فريق من علماء السلوك الحيواني من جامعة آرهوس في الدانمارك استخدمت حقائب ظهر مصغرة تحتوي على أجهزة استشعار دقيقة تسجل الحركة والصوت، تمّ تثبيتها على ظهور 20 خفاشا بالغا، في بيئتها الطبيعية.
جاءت النتائج لتقول إن 89% من الخفافيش قضت وقتها ساكنة تماما، في وضعية ترقّب وانتظار، أما فترات الطيران الفعلي للصيد فكانت قصيرة جدا، في المتوسط لا تتجاوز 8 ثوانٍ، ونادرا ما تتعدّى 3 دقائق.
المفاجأة الكبرى كانت نسبة النجاح العالية، فنحو 50% من الهجمات انتهت بصيد ناجح، وهي نسبة تفوق بمرتين أو ثلاث معدلات نجاح الأسود والنمور بحسب بيان صحفي رسمي من الجامعة.
تظهر هذه النتائج أن الخفاش لا يعتمد على كثرة الحركة، بل على الذكاء الطاقي، فكل ثانية من الطيران تستهلك طاقة هائلة نظرا لصغر حجمه وسرعة نبضه، لذا فإن أفضل طريقة للبقاء هي تجنب الطيران إلا عند الضرورة القصوى.
هذه الإستراتيجية هي ذاتها التي تتّبعها الأسود الكبيرة، وتتضمن الانتظار بصبر قرب مصدر ماء أو مجموعة فرائس، ثم الانقضاض في اللحظة المناسبة، وفي الحالتين، الخفافيش والأسود، فالنتيجة واحدة، بتحقيق أقصى عائد من الطاقة بأقل تكلفة ممكنة.
الدراسة أثبتت كذلك أن الخفاش المتمرس يستطيع التقاط فرائس تساوي 7% من وزنه في المتوسط، وأحيانا توازيه تماما.
والأكثر إثارة أن الخفافيش الأكبر سنا والأكثر خبرة كانت تختار فرائس أكبر حجما، ما يشير إلى دور الخبرة والتعلم في تحسين الأداء، وهو سلوك يعكس مستوى من الذكاء الإدراكي والتكيّف العصبي نادرا ما يلاحظ في الثدييات الصغيرة.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة