شفق نيوز– الشرقاط
بعد أكثر من مئة عام من الصمت تحت مياه نهر دجلة، كشفت الطبيعة عن سفينة حربية تعود للجيش العثماني كانت قد غرقت أثناء المواجهات مع القوات البريطانية في بدايات القرن الماضي، في مشهد أثار اهتمام الأهالي والباحثين على حد سواء.
وأثار مقطع فيديو نشره المغامر العراقي علي حمد، اهتماماً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما وثّق من خلاله ظهور السفينة العملاقة الغارقة قرب قضاء الشرقاط شمال محافظة صلاح الدين، والتي يُعتقد أنها جزء من أسطول عثماني دُمر خلال الحرب العالمية الأولى.
ويقول إبراهيم الموسى أحد معمري ووجهاء المنطقة لوكالة شفق نيوز، إن "هذا المركب قديم جداً، ويُقال إنه يعود إلى الجيش العثماني وقد قُصف من قبل طائرات الجيش البريطاني أثناء الحرب، وهذا ما تناقله الآباء والأجداد منذ عقود طويلة".
وأضاف: "اليوم ننقل صورة أوضح عن هذا المكان، وسنستمر باكتشاف وتوثيق الأشياء الجميلة من تراثنا وأرضنا".
فيما قال حسن الجبوري وهو أحد سكان المنطقة، أن "المركب ظلّ غارقاً لعشرات السنين، وكان يظهر جزء منه أحياناً عند انخفاض منسوب المياه في النهر، ما أثار دهشة الأهالي والباحثين"، مشيراً إلى أن كبار السن كانوا يروون قصصاً عن معدات حربية وجنود رافقوا السفينة".
وأوضح الحماد أن "الموقع الذي غرق فيه المركب معروف لأهالي الشرقاط منذ القدم، ويُعد من العلامات التراثية المميزة على ضفاف دجلة"، مشيراً إلى أن تفاصيل قصته بقيت شفهية ولم تُوثق رسمياً.
وفي السياق، أرجع الخبير المائي جاسم عطية ظهور أجزاء السفينة إلى "الانخفاض الكبير في مناسيب نهر دجلة خلال الأسابيع الأخيرة"، مؤكداً أن "تراجع الإطلاقات المائية من تركيا وسوريا أدى إلى انحسار غير مسبوق للمياه، ما كشف عن معالم وأجسام كانت مغمورة بالكامل لعقود طويلة".
وأضاف عطية أن "الانخفاض الحالي يفتح المجال أمام اكتشاف معالم تاريخية غارقة، لكنه يشير أيضاً إلى أزمة مائية متنامية تهدد الزراعة والمجتمعات المحلية".
أما الباحث التاريخي في صلاح الدين، عبدالله عثمان، فقال إن "منطقة تكريت والشرقاط شهدت خلال عامي 1917 و1918 معارك شرسة بين الجيش العثماني والقوات البريطانية المتقدمة من الجنوب باتجاه الموصل"، موضحاً أن "نهر دجلة كان مسرحاً لهذه المواجهات، حيث اعتمد العثمانيون على سفن نقل جنود وإمدادات عسكرية، بينما كان البريطانيون يشنون غارات جوية ومدفعية لإضعاف خطوطهم".
وأضاف عثمان أن "السفن النهرية العثمانية كانت جزءاً أساسياً من الاستراتيجية الدفاعية، وتم استخدامها لنقل المؤن والذخائر عبر الأنهار، ما جعل أي قصف لها يعيق حركة الجيش ويؤثر مباشرة على مجريات الحرب".
وأكد أن ظهور السفينة اليوم يشكل "دليلاً مادياً على تلك الحقبة العسكرية، ويتيح فرصة لإجراء دراسات أثرية وتاريخية دقيقة لفهم العمليات العسكرية في شمال العراق خلال الحرب العالمية الأولى".
ودعا عطية إلى "الاستفادة من هذه الظاهرة في توثيق التراث الغارق وإجراء مسوحات علمية لتحديد المواقع التاريخية التي قد تظهر نتيجة انخفاض المياه"، مؤكداً أن "التراث النهري جزء من ذاكرة العراق العسكرية والاقتصادية".
من جهتهم، دعا عدد من سكان المنطقة الجهات المتخصصة إلى إجراء دراسة أثرية وتاريخية للموقع لتحديد عمر السفينة وظروف غرقها بدقة، معتبرين أن هذا الاكتشاف "يشكل جزءاً مهماً من الذاكرة التاريخية لمحافظة صلاح الدين".
وتشهد مناطق عدة من ضفاف نهر دجلة في صلاح الدين وديالى وواسط، بين الحين والآخر، ظهور بقايا آثار ومعالم قديمة تعود لفترات مختلفة من التاريخ العراقي، ما يعكس غنى هذه المناطق بالإرث الحضاري والعسكري الممتد عبر العصور.
ويقول الخبير المائي حسين علي في تصريح لوكالة شفق نيوز، إن انخفاض منسوب نهر دجلة خلال الأسابيع الأخيرة يُعد من أخطر المؤشرات المائية التي تشهدها البلاد منذ سنوات، موضحاً أن الإطلاقات المائية القادمة من الجانب التركي تراجعت بشكل كبير، ما أدى إلى تقلص كميات المياه الواصلة إلى السدود العراقية.
وأضاف أن "الانخفاض الملحوظ في دجلة لم يكن مفاجئاً، إذ حذّرنا مراراً من تأثير المشاريع المائية التركية والسورية على الحصة العراقية، فضلاً عن ضعف الاجراءات الحكومية في تنظيم الموارد الداخلية وترشيد الاستهلاك".
وأشار علي إلى أن "تراجع المنسوب تسبب بظهور جزر طينية في بعض مناطق النهر، خصوصاً بين محافظتي صلاح الدين وواسط، وانخفاض قدرة محطات الضخ على إيصال المياه إلى مشاريع الري، ما انعكس سلباً على المزارعين وخطط وزارة الزراعة للموسم الشتوي".
وبيّن أن "استمرار هذا الانخفاض سيؤثر أيضاً على إنتاج الطاقة الكهربائية من السدود، مثل سدة سامراء وسد الموصل، إضافة إلى زيادة نسب الملوحة في شط العرب بسبب ضعف الإمداد العذب من دجلة والفرات".
ودعا الخبير الحكومة إلى "التحرك الدبلوماسي العاجل مع دول الجوار، وتفعيل اتفاقيات تقاسم المياه، مع وضع خطة وطنية لإدارة الموارد المائية تعتمد على تقنيات الري الحديثة وتقليل الهدر في الاستخدام الزراعي والمنزلي".
فيديو 1
المصدر:
شفق نيوز