شفق نيوز- بغداد
قبل 65 عامًا، اجتمع خمسة وزراء نفط في قاعة متواضعة في بغداد ليضعوا حجر الأساس لمنظمة ستُغيّر وجه صناعة الطاقة في العالم، وهم كل من، طلعت الشيباني من العراق، عبد الله الطريقي من السعودية، خوان بابلو بيريز ألفونسو من فنزويلا، فؤاد روحاني من إيران وأحمد سيد عمر من الكويت.
كانت أوبك، حين وُلدت عام 1960، ردًا على واقع غير متوازن تمحور بين شركات النفط الغربية العملاقة حيث تتحكم بالأسعار والإنتاج، بينما كانت الدول المنتجة تقف على الهامش في سوق تعتمد اقتصاداتها عليه بشكل شبه كامل.
من الهامش إلى قلب السوق
بحسب الأمين العام الحالي هيثم الغيص، لم تكن المنظمة في بداياتها تملك أدوات نفوذ حقيقية، لكنها حملت طموحًا واضحًا صب نحو استعادة القرار السيادي على الموارد النفطية، وتأمين دخل عادل للدول المنتجة، وإمدادات مستقرة للأسواق العالمية.
خلال العقد الأول، أصدرت المنظمة بيانها التوضيحي لسياسات النفط عام 1968، ثم وقّعت دولها اتفاقيات طهران وطرابلس وجنيف في مطلع السبعينيات، التي منحتها لأول مرة قدرة فعلية على تحديد الأسعار.
ثم جاءت أزمة النفط 1973 لتُغيّر قواعد اللعبة، حظر نفطي عربي رفع الأسعار أربعة أضعاف خلال أشهر، وحوّل أوبك من منظمة ناشئة إلى قوة ترسم حدود التوازن في الاقتصاد العالمي.
لم يكن الطريق مستقيمًا. في الثمانينيات، ومع تراجع الطلب وتخمة المعروض، انهارت الأسعار، واندلعت خلافات حادة بين الأعضاء. لجأت أوبك إلى نظام حصص إنتاجية للسيطرة على السوق، لكن التوترات الداخلية أضعفتها، حتى بدأ التنسيق مع منتجين من خارجها لتفادي مزيد من الانهيارات.
وفي 2016، أطلقت أوبك تحالف أوبك+ مع دول أبرزها روسيا، لتنسيق الإنتاج على نطاق أوسع. هذا التحالف كان حاسمًا في مواجهة جائحة كوفيد-19، عندما انهار الطلب في 2020 وانهارت معه الأسعار، فاستجاب التحالف بخفض قياسي للإنتاج بلغ 9.7 مليون برميل يوميًا، ما أنقذ السوق من الانهيار.
طوال تاريخها، كانت أوبك موضع جدل دائم، حيث تُتَّهم أحيانًا باحتكار السوق ورفع الأسعار، بينما يراها آخرون صمام أمان يحمي الاقتصاد العالمي من تقلبات مدمّرة.
لكن دراسة من مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك) قدّرت أن الطاقة الفائضة التي وفّرتها المنظمة وفّرت للاقتصاد العالمي 193 مليار دولار في 2019، فيما خلص معهد أكسفورد لدراسات الطاقة إلى أن غيابها كان سيكبّد الناتج العالمي 185 مليار دولار في 2011.
واليوم تضم أوبك 12 دولة عضوًا، وهي مسجلة رسميًا لدى الأمم المتحدة منذ 1962. وتتوقع أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى 123 مليون برميل يوميًا بحلول 2050، مدفوعًا بالنمو الاقتصادي والسكاني، رغم التحول العالمي نحو الطاقات المتجددة.
وفي ظل معاناة مليارات البشر في الدول النامية من فقر الطاقة، تؤكد المنظمة أنها ستواصل الدفاع عن استقرار السوق وتبني نهج “واقعي ومتوازن”، يشمل جميع أنواع الطاقة والتقنيات، لكنها ترى أن النفط سيظل لعقود "شريان الحياة" للاقتصاد العالمي.
"الحديث عن أفول أوبك مبالغ فيه"، يقول الغيص. "ما زلنا حجر الأساس في استقرار السوق العالمي، وسنظل كذلك لعقود مقبلة".