شفق نيوز - البصرة
تشهد محافظة البصرة أزمة مائية خانقة تهدد أمنها الغذائي وواقعها البيئي، في ظل انخفاض كميات المياه العذبة الواصلة إليها من المحافظات الوسطى، وتصاعد وتيرة الملوحة القادمة من شط العرب.
وبحسب مسؤولين محليين، فإن تجاوزات محافظات مجاورة على الحصص المائية المخصصة للبصرة، أسهمت في تفاقم الوضع وتوقف آلاف "الدونمات" من الزراعة، إلى جانب تراجع الثروة السمكية والحيوانية.
وتُعد البصرة آخر نقطة في ذنائب الأنهار العراقية، ما يجعلها المتأثر الأكبر بأي خلل في توزيع المياه، فيما تشير بيانات رسمية إلى خسارة المحافظة نصف حصتها المقررة، وسط مطالبات بتدخل حكومي عاجل لضمان العدالة في التوزيع وإنقاذ ما تبقى من قطاعاتها المنتجة.
السبب ثلاث محافظات
وفي هذا الصدد قال مدير زراعة البصرة هادي حسين، لوكالة شفق نيوز، إن "المحافظة تشهد تراجعاً كبيراً على مستوى المياه العذبة بسبب قلة التخصيصات المائية للبصرة من وزارة الموارد المائية"، مضيفاً أن "البصرة تُعد آخر محافظة في ذنائب الأنهار، وهذه الكميات لا تصل إليها بشكل كامل".
وأشار إلى أن "هناك تجاوزات واضحة من قبل محافظة واسط، وتجاوزات أخرى من قبل محافظة ميسان، بالإضافة إلى تجاوزات كبيرة عبر محافظة ذي قار على قناة البدعة"، موضحاً أن "هذه القناة تُعد المصدر الرئيسي لتأمين مياه الشرب للمواطنين في البصرة".
وأضاف حسين، أن "عدد البحيرات المجازة في محافظة ميسان يبلغ 367 بحيرة، تتراوح مساحاتها من 5 دونمات إلى 500 دونم"، مبيناً أن "البحيرات المتجاوزة في ذات المحافظة تصل إلى أكثر من 2000 بحيرة، وبمساحات تبدأ من 50 دونماً وتصل إلى 1000 دونم".
وأوضح أن "هذه البحيرات تستهلك كميات ضخمة من المياه كان من المفترض أن تصل إلى البصرة، الأمر الذي أثّر بشكل واقعي وملموس على حياة المواطنين داخل المحافظة"، لافتاً إلى أن "تلك الكميات الضائعة هي واحدة من أبرز أسباب التراجع الحاصل في مناسيب المياه".
البصرة تخسر 50 متراً مكعباً في الثانية
كما أشار إلى أن "الكميات التي صرحت بها وزارة الموارد المائية كمعدل مخصص لمحافظة البصرة هي 107 أمتار مكعبة بالثانية"، لافتاً إلى أن "ما يصل فعلياً من خلال ناظم قلعة صالح لا يتجاوز 57 متراً مكعباً بالثانية".
وأوضح أن "هذا يعني أن هناك أكثر من 50 متراً مكعباً يُفقد في الطريق، وتحديداً في ميسان، وهو ما يتسبب بخسارة مباشرة للبصرة"، محذراً من أن "هذا النقص في الإمدادات يزيد من حدة الملوحة، ويقود إلى تدهور مستمر في نوعية المياه".
وتابع حسين، قائلاً إن "المحافظات القريبة من البصرة لها تأثير مباشر على أزمة الملوحة، ولو كانت الكميات التي خُصصت للبصرة تصل بشكل كامل، لما تعرضت لهذه الشحة الحادة ولا للامتداد الملحي المحيطي القادم من شط العرب".
وأوضح أن "البصرة كان فيها 64 بحيرة متجاوزة بمساحات مختلفة، تتوزع بين مناطق كتيبان والمسحب ضمن قضاء الهارثة"، مشيراً إلى أن "أمراً ديوانياً صدر منذ نهاية عام 2023 بإزالة هذه البحيرات".
وبيّن أن "مديرية الزراعة قامت بالتنسيق مع الإدارات المحلية وقيادة الشرطة وقيادة العمليات لإزالة كل هذه البحيرات، ولم تُسجل حالياً أي بحيرة متجاوزة حسب تقارير الشعب الزراعية الموجودة في المناطق المعنية"، لافتاً إلى أنه "لدينا 44 بحيرة مجازة متوقفة بالكامل، وتوقفت بفعل المد الملحي الذي اجتاح مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في البصرة".
ولفت إلى أن "توقف هذه المزارع أثّر على مستوى إنتاج الأسماك في المحافظة، الأمر الذي سينعكس على السوق المحلي من حيث الكمية والأسعار، في حال استمرار الأزمة الحالية".
منع الموافقات يدفع المستثمرين للتجاوز
وبيّن حسين أن "الإجراءات الإدارية والقانونية لإنشاء بحيرات أسماك هي إجراءات روتينية بسيطة"، مضيفاً أن "هناك توجيهات من وزارة الموارد المائية بعدم إعطاء موافقات رسمية على إنشاء هذه المزارع".
وأوضح أن "هذا المنع دفع البعض إلى اللجوء لإنشاء بحيرات بشكل متجاوز، وهو ما أدى إلى الضغط على الحصة المائية المخصصة للبصرة"، مشدداً على أن "هذا النوع من التجاوزات يمثل أزمة حقيقية تتطلب المعالجة".
كما قال إن "الثروة السمكية في محافظة البصرة بدأت تتأثر بشكل كبير نتيجة انخفاض المياه وارتفاع نسبة الملوحة"، مشيراً إلى أن "استمرار هذا التراجع سيؤدي إلى تناقص في الكميات المعروضة وارتفاع كبير في الأسعار".
ولفت إلى أن "البصرة كانت تنتج كميات كبيرة من الأسماك سابقاً، لكن هذه الكميات بدأت تتناقص"، مؤكداً أن "المشكلة لا تتعلق بالطلب، بل بتوفر الماء الكافي لتشغيل مشاريع الإنتاج".
نجاة الثروة الحيوانية من الهلاك
وتحدث حسين عن الثروة الحيوانية قائلاً إن "المد الملحي أثّر أيضاً على مصادر المياه المخصصة للمواشي"، مبيناً أن "رغم ذلك، لم تُسجل لدينا أي هلاكات، بسبب توفير أصحاب المواشي للمياه العذبة من مصادر خاصة".
وأشار إلى أن "استمرار الأزمة قد يؤثر لاحقاً على هذا القطاع، في حال عدم تأمين المياه اللازمة بشكل مستمر"، محذراً من "نتائج بيئية واقتصادية إذا بقي الوضع على ما هو عليه".
الزراعة الصيفية متوقفة
وأضاف أن "هناك توجيهاً من وزارة الموارد المائية بالتنسيق مع وزارة الزراعة بوقف تنفيذ الخطة الزراعية الصيفية لهذا العام في البصرة"، مؤكداً أن "شح المياه وعدم توفر كميات كافية للري كان السبب الرئيسي".
وختم حديثه بالقول إن "البصرة كانت تزرع سنوياً خلال الصيف أكثر من 2000 دونم من الرقي في منطقة مطبخ اللحيس، وأكثر من 1700 دونم من البطيخ، بالإضافة إلى البامية والخضروات الأخرى"، مشيراً إلى أن "هذه المساحات لن تزرع هذا العام بسبب إيقاف الخطة".