شفق نيوز – كربلاء / بغداد / تحليل خاص
يشكل المنبر الحسيني ابرز ركائز الشعائر الحسينية، وهو في الاساس خطاب يسلط الضوء على حادثة كربلاء، ووفق المصادر التاريخية تأسس المنبر في عهد الأئمة المعصومين، وازدهر خصوصاً في زمن الامام جعفر الصادق عليه السلام، الذي كان يدعو الشعراء لإلقاء قصائد في رثاء جده الحسين عليه السلام.
وبهذا الصدد يقول الشيخ الدكتور فيصل الكاظمي، ان "المنبر الحسيني لعب دورا بارزا في فضح الطغاة وترسيخ الثورة الحسينية على مختلف مراحل التاريخ الاسلامي".
ويوضح في حديث لشفق نيوز، انه "رغم الاجواء المشحونة في العهدين الاموي والعباسي، الا ان المنبر كان يزخر بقصائد الرثاء لشعراء برعوا في وصف واقعة الطف بقصائد تثير الوجدان، ومنهم الكميت بن زيد الأسدي الذي تناولت قصائده "الهاشميات" احداث الطف بشكل موجع، والطرماح بن عدي الذي ترك قصائد عصماء في رثاء الامام الحسين عليه السلام"، مؤكدا، ان "الشاعر دعبل الخزاعي يعد من أبرز شعراء الطف".
ويواصل، ان "البويهيين لم يؤسسوا المجالس الحسينية بل اعلنوها، لانها في الاصل كانت موجودة في بغداد وغيرها، وكانت هناك نائحة تدور على البيوت في بغداد وتنعى الامام الحسين، وتمت تصفيتها من قبل السلطات انذاك، وتعد هذه المرأة اول شهيدة من شهداء المنبر".
ويلفت الكاظمي الى ان "المنبر الحسيني ازدهر بشكل كبير خلال العهد البويهي واصبحت مراسيم عاشوراء رسمية تتم اقامتها على نطاق واسع، وتلقى القصائد والخطب في المجالس الحسينية"، منوها الى ان "المنبر شهد محاولات عديدة لتسييسه والقفز على مضامينه في الرثاء والتوعية، الا ان تلك المحاولات فشلت لارتباط المنبر ارتباطا وثيقا بالامام الحسين عليه السلام".
وقد بدأ المنبر بقصائد الرثاء وأخذ بالتطور التدريجي، واخذ يستعرض مفاهيم فكرية واجتماعية وتغيرت أساليب الخطباء لتشمل طروحات فكرية تتناول بمختلف جوانب الحياة، وانتشر المنبر في بلدان عديدة كالعراق والسعودية والبحرين ولبنان وغيرها.
من جهته قال الشيخ حيدر الشمري، للوكالة، إن "الحديث عن تاريخ المنبر الحسيني يقودنا إلى لحظة تأسيسه الأولى، بعد واقعة كربلاء الأليمة، حينما اعتلى الإمام زين العابدين عليه السلام والسيدة زينب عليها السلام وبنات الإمام الحسين عليه السلام المنابر، وشرعوا في فضح ممارسات بني أمية وكشف مظلومية الحسين عليه السلام وطغيان يزيد وظلمه، لتكون تلك اللحظة بمثابة الشرارة الأولى لانطلاق هذا المنبر المبارك".
وأوضح أن "هذه البداية العفوية تحوّلت تدريجياً إلى ممارسة شعائرية منتظمة، بدأت ملامحها تتبلور في القرن الثاني الهجري، ومرت عبر مراحل مختلفة، ففي العصور الإسلامية الأولى، كانت المجالس تُعقد سراً داخل البيوت خوفاً من بطش السلطات، ثم بدأ العلماء بتدوين النصوص والروايات الخاصة بالمصاب الحسيني".
وأشار إلى، أن "المنبر تطور بشكل لافت خلال العهد الصوفي، حيث اكتسب طابعاً علنياً وشعبياً، وشهد دعماً واسعاً من المجتمع، سواء للمنبر ذاته أو لخطبائه، مما أسهم في ترسيخ حضوره في الوجدان الإسلامي".
وفي العصر الحديث، أكد الشمري أن "المنبر الحسيني أصبح يمثل منصة إعلامية متكاملة، تنقل مضامينها عبر القنوات الفضائية والمنصات الرقمية، وتصل إلى جمهور واسع داخل العراق وخارجه".
وحول البُعد النفسي والعقائدي للمنبر الحسيني، شدد الشمري على، أن "هذا المنبر لم يكن يوماً مجرد وسيلة للعزاء أو البكاء، بل هو مدرسة فكرية وروحية متكاملة، ووسيلة جوهرية لغرس الولاء والارتباط بأهل البيت عليهم السلام، وتعزيز المفاهيم العقائدية كالتوحيد والإمامة".
ونوه الى أن "المنبر شغل مساحة واسعة في بث الوعي بمواجهة الظلم والطغيان، حيث لعب دوراً محورياً في تحفيز الجماهير ضد الاستبداد، لا سيما في ثورة العشرين في العراق، ودعم الثورات التحررية كما في الثورة الإسلامية في إيران".
ولم يغفل الشمري التحديات التي واجهها خطباء المنبر الحسيني، خصوصاً في حقب الأنظمة القمعية"، مشيراً إلى أن "العديد منهم كانوا يُقتادون من المنبر إلى السجون، وبعضهم واجه الإعدام بسبب خطاباتهم التي دافعت عن المظلومين وتصدّت للظالمين".
وشدد الشيخ على "أهمية بقاء المنبر الحسيني صوتاً حراً يعبر عن قضايا الأمة وآلامها، بعيداً عن التوظيف السياسي الضيق أو التحزّب، ويتحدث المنبر عن السياسة، لكن بمعناها الأوسع، الذي يمس هموم الناس ومشكلاتهم، لا بمعنى التحول إلى أداة حزبية"، معتبرا ان "جوهر الثورة الحسينية هو الرفض السياسي للسلطة الجائرة، لذا يجب أن يبقى المنبر الحسيني وفياً لشعار "هيهات منا الذلة"، وأن يظل منبراً للحرية والحق، كما كان الحسين عليه السلام رمزاً للحرية في كربلاء".
وواجه المنبر الحسيني بعد عام 2003 تحديات كثيرة، منها الارهاب والطائفية والفساد والصراعات السياسية وانعدام فرص العمل وضعف الخدمات المقدمة للمواطنين وغيرها من التحديات.
الخطيب الحسيني السيد عبادي الموسوي، أشار إلى "تعامل المنبر الحسيني مع مختلف التحديات بعقلانية وحكمة مستندًا بذلك الى توجيهات المرجعية العليا".
واوضح الموسوي، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، "تحول خطاب المنبر الى النقد والتحذير والتشديد على خدمة العراقيين بمختلف مكوناتهم، وحث في خطابه على حماية الوطن والتصدي للارهاب ولكل المؤامرات او الصفقات السياسية الداخلية والخارجية".
وأضاف: "كان للمنبر الحسيني دور بارز في اسناد التظاهرات التي تنادي بالاصلاح والخدمات وحذر من استغلالها"، منوها الى ان "المنبر الحسيني وعلى وفق توجيهات المرجعية يقرأ الاحداث السياسية المحلية والاوضاع في المنطقة ويصبها في قالب من الوعي لتجنب المكاره والاخطار".
وتابع: "لم يخلو المنبر من خطابات وقصائد طائفية تهدد الوحدة الوطنية، لكن هؤلاء هم استثناء من القاعدة ولايمثلون سوى انفسهم، لان قاعدة المنبر هي الدعوة الى الوحدة والسلام والاصلاح وتفعيل الخدمات ونشر العدل المساواة، لان الاسلام في جوهره هو دعوة للسلام والحرية والانعتاق وتكافؤ الفرص".
وشكل المنبر الحسيني منذ تأسيسه ولايزال احد ابرز وسائل التوعية الاجتماعية ولعب دورا بمعالجة مختلف القضايا وصمد امام المتغيرات والتيارات، مايجعل الحفاظ عليه من خطر المتطفلين ضرورة ملحة لما له من تاثير مباشر على المجتمع.