شفق نيوز - اسطنبول
بعد أن أَحزمت حنين حقائب سفرها، ألقت نظرة وداع أخيرة على الشارع الذي سكنت فيه في تركيا، حيث قررت العودة إلى العراق.
منذ عام 2015 تعيش حنين جبار بمدينة إسطنبول بهدوء، لكن دفعتها ظروف غلاء المعيشة إلى العودة، تقول حنين: "الوضع في تركيا أصبح مختلفاً عن السابق، إذ ظهرت صعوبات عديدة من ناحية الإقامة والإيجار والسكن".
وتضيف لوكالة شفق نيوز: “أصبح الوضع المادي صعباً للغاية، ولم يعد ما نحصل عليه يكفي لسد الحاجات الأساسية، لقد أصبح غلاء المعيشة في تركيا يُقارن بدبي المعروفة بارتفاع الأسعار، لكن الخدمات قليلة مقابل هذا الغلاء، عكس دبي".
وفي عام 2023، عاد آلاف العراقيين إلى بلدهم بعد أن استقروا في تركيا لعدة أعوام بسبب تعقيدات في منح السلطات التركية الإقامة أو تجديدها، على الرغم من أن كثيرين منهم يملكون عقارات وأعمالاً تجارية هناك، وما تزال العودة مستمرة حتى يومنا هذا.
توقف الزمن
بدورها تؤكد تمارا فائق، بأنها "عاشت في تركيا منذ 6 سنوات، دون أن تحقق ما تصبو إليه بسبب التعقيدات، فقررت السفر إلى أمريكا".
وتضيف: "في أمريكا يستطيع الشخص الدراسة والعمل والحصول على الجنسية، أما في تركيا فلا يمكن للمهاجر أن يتطور، ويمضي الزمن دون جدوى".
وتشير إلى أن "هناك مصاعب أخرى غير غلاء المعيشة، منها معرقلات الحصول على إقامة، حيث إن كثيراً من العراقيين قضوا سنوات عديدة في تركيا من أجل الحصول على إقامة، لكن قوبلت ملفاتهم بالرفض، و تستمر تركيا في رفض الإقامات بنسبة 99%".
وكانت آلاف العائلات قد اضطرت إلى مغادرة العراق والتوجّه إلى تركيا خلال الفترات التي أعقبت عام 2003، وضاعفت سيطرة عصابات داعش على بعض المناطق أعداد النازحين من تلك المناطق.
وبهذا الصدد يقول الصحفي العراقي المقيم في إسطنبول مصطفى الواسطي للوكالة: "أعمل في أنقرة مراسلاً لإحدى القنوات العراقية مقابل 1500 دولار يتم تحويلها شهرياً لحسابي في البنك، وكان هذا المبلغ جيداً خلال السنة الأولى من إقامتي، ولكن الوضع تغيّر كثيراً خلال السنوات القليلة الماضية في تركيا وأصبح الوضع المادي عسيراً للغاية".
ويزيد بالقول: "عملت لأكثر من جهة إعلامية وأرهقني التعب كي أتمكن من دفع أجور السكن وفواتير الماء والاتصالات والخدمات الأخرى"، منوهاً الى أن "الشقة التي كان قد استأجرها بادئ الأمر بـ200 دولار أصبحت بـ500 دولار، كما ارتفعت أسعار جميع المواد والخدمات، وهو ما جعلني في وضع حرج للغاية من الناحية المادية".
ويؤكد الواسطي، أن "ارتباطه بالعمل وظروف الحياة التي اعتاد عليها في تركيا تمنعه من العودة"، موضحاً أن "المبالغ التي يحصل عليها تعد كبيرة في العراق، لكنها لا تكفي لسداد الضروريات في تركيا بسبب الغلاء".
ويوضح ان "تركيا الآن أصبحت خالية من العراقيين إلا نسبة قليلة هم مجبرون على البقاء، لكنهم رغم ذلك يبحثون عن بدائل أخرى كالسفر إلى أمريكا وغيرها".
أما المواطن المقيم في تركيا مازن المعموري فيقول: "كانت تصلني من العراق حوالة مالية تتراوح بين 700 إلى 800 دولار شهرياً، وكان هذا المبلغ كافياً بالنسبة لي".
ويضيف في حديث لشفق نيوز: "في مطلع هذا العام حصلت زيادة على رواتب العمال، ولكن بالمقابل ارتفعت الأسعار، أجور السكن والقطارات والمواد الغذائية كلها ارتفعت بشكل عجيب، ما دفع بكثير من العائلات العراقية للعودة".
وعلى الرغم من الصعوبات المالية وغلاء المعيشة الذي يعاني منه العراقيون المقيمون في تركيا، إلا أن ثمة العديد منهم يفضّل البقاء على العودة للوطن لأسباب شتى.
لا يستطيعون العودة
يقول أحمد ماجد، المقيم في تركيا: "لا يوجد في اليد حيلة، فأنا مهدد عشائرياً بالقتل في العراق، وعودتي تشكل خطراً عليّ وعلى عائلتي".
ويضيف في حديث لشفق نيوز: "أحاول أن أعمل أنا وزوجتي لسد حاجة السكن والمستلزمات الأخرى".
أما الباحث الأكاديمي مشتاق الحلو، المقيم في تركيا، فيقول: إن "طفلي وُلد في أنقرة ولا يعرف التكلم باللغة العربية، لأنه عاش وترعرع في تركيا، لذا فأنا مضطر للبقاء".
ويؤكد في حديثه للوكالة، أن "عودته إلى العراق تعني فقدان ابنه لسنوات من التعليم، وهو يخشى عليه من الصدمة جراء التفاوت الثقافي والاجتماعي بين العراق وتركيا".
بدوره يشير الخبير الاقتصادي التركي جلال البكار، إلى أن "أحد أسباب الهجرة من تركيا هو موضوع ضبط الإقامات والتأشيرات السياحية، حيث أدى إلى نزوح بعض الجاليات المستقرة منذ زمن طويل، خاصة أنه بدأ فرض قيود على الإقامة السياحية، ويجب أن تكون هناك استثناءات للإقامة السياحية وشروط للإقامة العقارية، حيث أصبحت بتكاليف مالية أخرى".
ويلفت في حديثه لوكالة شفق نيوز إلى أن “هبوط قيمة الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية أيضاً كان له أثر على صعيد الأسعار، خاصة وأن العراقيين ولغاية عام 2023 هم أكثر الجاليات شراءً للعقارات في تركيا، لكن مع شراء العقار وعدم الحصول على الإقامة، أصبح وجودهم محفوفاً بالمخاطر".
ويؤكد البكار أن "الاقتصاد التركي تعرض للعديد من الأزمات، منها طبيعية مثل الزلزال في تركيا عام 2023، وأيضاً الانتخابات الرئاسية والبلدية التي بدورها أثّرت على الاقتصاد، حيث انخفضت قيمة العملة التركية وارتفعت تكاليف المعيشة".
ويتابع: "كما أن الحرب الروسية الأوكرانية انعكست سلباً على أسعار المواد الأولية، خاصة وأن تركيا كانت من المستوردين للغاز الروسي، وهناك مصالح اقتصادية لتركيا مع أوكرانيا، كل هذه العوامل أثّرت سلباً على الاقتصاد التركي".
وقد دفعت الظروف القاهرة خلال السنوات الماضية آلاف العراقيين لمغادرة بلدهم والنزوح إلى الدول المجاورة، وتعد تركيا واحدة من دول الجوار التي استقطبت أعداداً كبيرة من المهاجرين العراقيين، بيد أن صعوبة الأوضاع المادية هناك وتحسن الأوضاع الأمنية وتوفّر فرص العمل شجعت كثيرين على العودة، فيما لا يزال عراقيون كثيرون في تركيا ينتظرون فرصة الحصول على لجوء في دولة أوروبية.