شفق نيوز/ في زاوية من البيت السياحي في محافظة بابل، وتحديدًا بين خيوط الخوص وألوان الأصباغ الطبيعية، تجلس أم علي، ذات الـ52 عامًا، تنسج بيديها حكاية عمرها أكثر من أربعة عقود، حكاية بدأت منذ كانت فتاة في السبعينيات من القرن الماضي، حيث ورثت المهنة عن أمها وأبيها، لتصبح اليوم واحدة من أبرز النساء المحافظات على فن صناعة "الطِبَق" أو ما يعرف بـ(الطبك) وأدوات الخوص التراثية في العراق.
"المهنة تعلمتها من أمي، وتمكنا من تطويرها"، تقول أم علي بابتسامة يفوح منها فخر السنين، وهي تشير إلى طبق مصنوع بدقة من قلب النخلة، الجزء الوحيد القابل للنسج بحسب ما توضحه.
و لا تقتصر أعمال أم علي على الطبق التقليدي فقط، بل توسعت لتشمل قطعًا فلكلورية تُستخدم في الأعراس والمناسبات، مثل: المَهر، الگدر (القدر)، الماعون للتمر (الصحن)، صينية التقديم، الطاسة (طاسة زكريا او صينية زكريا)، المهمفة (مروحة يدوية)، فضلا عن أعمال مخصصة على الطلب.
وكل قطعة تُنسج يدوياً، بألوان ثابتة وتقنية عالية، حيث تقول أم علي: "صناعتنا وصلت لمحافظات العراق كلها، من الجمعيات إلى أقصى الجنوب والشمال، الزبائن يطلبون عبر الإنترنت، ويرسلون لنا النماذج، ونحن ننفذها بإتقان".
إعالة أكثر من 5 آلاف عائلة
بحسب أم علي، فإن هذه الحرفة تُعد مصدر دخل رئيسي لأكثر من 5 آلاف عائلة عراقية، معظمهن من النساء: "المهنة نسائية، لكن الرجال يشجعون ويدعمون، وأنا شجعت باقي النساء بالقرية وصرن يعملن معي. كل واحدة تعمل حسب طلبات الزبائن".
تراث لا يندثر
ومن أهم ما يميز عمل أم علي، أنه يحافظ على الهوية العراقية الشعبية، لكنها أيضاً تطور التصاميم لتلائم العصر، دون أن تمس جوهر التراث: "الحمد لله والشكر، حافظنا على فلكلورنا، وعملنا مرتب. اليوم حتى الأجانب مهتمين، وتصلنا طلبات من مؤسسات وقنوات إعلامية".
أم علي، ليست مجرد صانعة "طبق"، بل حارسة لذاكرة شعب، في كل خوصة تجد قصة، وفي كل لون نَفَس بيئة، وفي كل قطعة تُعرض تُكتب سطور من تراث العراق.
وتختم أم علي حديثها، وهي ترفع عينيها إلى السماء، ممتنة لمهنة أعطتها الكرامة، والفخر، ومكانًا في ذاكرة وطن.