شفق نيوز/ مع صباح كل عيد فطر في بغداد، لا تكتمل فرحة العيد دون "الكاهي" الساخن و"القيمر الطازج"، في طقس صباحي متوارث يشكّل جزءاً من ذاكرة البغداديين الجمعية.
فمهما تغيّرت الأزمنة وتبدّلت العادات، يبقى "الكاهي بالقيمر" هو أول ما يُزيّن موائد العيد، بل وأكثر من مجرد فطور، إنه رمز للفرح، وذكرى الطفولة، ومذاق لا يُشبهه شيء.
وعلى بعد مئات الكيلومترات، وفي مدينة هيت بمحافظة الأنبار تحديداً، يشهد صباح العيد طقساً اجتماعياً مختلفاً لكنه يحمل الروح ذاتها من الدفء والانتماء، بين الأزقّة القديمة ومع نسمات الفجر الأولى، تفوح رائحة الأرز المطهو بالسمن البلدي، وتتصاعد أبخرة مرق الفاصوليا البيضاء، لتعلن عن بداية فطور العيد الهيتي الذي ظلّ محافظًا على نكهته وأصالته رغم تغيّر مظاهر الحياة.
تبدأ المائدة الهيتية في أول أيام العيد بطبق بسيط في مكوّناته، لكنه غني بالدلالة، الرز الأبيض مع مرق الفاصوليا، يُضاف إليه اللحم أو الدجاج المحلي، ويُحضّر هذا الطبق بكميات وفيرة، ليكفي الجميع أهل البيت، الضيوف، بل والجيران أيضاً.
ويقول الحاج سامي الهيتي، أحد وجهاء المدينة: "نحن وعينا على الدنيا، والرز ومرق الفاصوليا هما مائدة كل صباح عيد".
ويضيف أن هذا الطقس ليس مجرد عادة بل "رمز للّمة والبركة"، يعبّر عن روح التآلف والتكافل في المجتمع الهيتي.
من جهتها، تقول السيدة أم عبيدة، ربة بيت وأم لخمسة أبناء: "ممكن نغيّر كليچة أو نوع الحلويات، بس رز وفاصوليا، مستحيل جميع الأطفال يسألون قبل العيد بيوم هل حضرتي الفاصوليا؟".
وتتابع مبتسمة: "هو فطور، بس طعمه مثل الغدا، ثقيل شوي، بس نرتبط بيه نفسياً، نعتبره بشارة خير وبداية طيبة للعيد".
ورغم تشابه المكوّنات، تحتفظ كل أسرة هيتية بلمستها الخاصة حيث يفضل بعضهم اللحم، وآخرون الدجاج البلدي، هناك من يُضفي نكهات مثل الهيل والدارسين (القرفة)، وآخرون يفضلون الطعم الخفيف، لكن يبقى الجوهر واحداً "طبق يُعبّر عن الانتماء والجذور".
إلى ذلك، يصف الباحث الاجتماعي أحمد فرحان فطور العيد في هيت بأنه "نموذج حيّ على تمسك المجتمعات المحلية بعناصر هويتها، حتى في أدق التفاصيل"، مضيفًا أن "الأرز ومرق الفاصوليا ليست مجرد وجبة، بل لحظة جماعية تتجلى فيها قيم الكرم، والترابط، والوفاء للتقاليد".
وعن الجيل الجديد، يوضح الشاب علي الجميلي، أنه "رغم انتشار وجبات العيد الغربية، لكن الجيل الجديد لا يزال يحب هذه العادة، يمكن طلب البيتزا في أي يوم، إلا أن الفاصوليا طقس متواصل في أول أيام العيد".
ما بين "الكاهي والقيمر" في بغداد، والرز ومرق الفاصوليا في هيت، تتجلّى خصوصية العيد في العراق، وتُروى حكايات الناس عبر أطباق بسيطة لكنها مشبعة بالحب والتقاليد.