شفق نيوز/ في قضاء المشخاب التابع لمحافظة النجف، تبرز مجرشة الحاج غافل العامري، شاخصة منذ ستينيات القرن الماضي، محافظة على إرث صناعي وزراعي توارثته الأجيال، حتى أصبحت اليوم تُعرف بـ"المجرشة الأم"، كونها كانت منبع انطلاق معظم العاملين في هذا القطاع في المنطقة والمحافظة.
وتأسست المجرشة على يد المرحوم الحاج غافل العامري، ثم واصل أولاده، وعددهم عشرة، هذه المهنة، رغم أن بعضهم يعمل في مجالات الهندسة والتعليم، لكن حبهم لهذا العمل منذ الطفولة جعلهم يستمرون فيه حتى اليوم.
ويقول المهندس منتظر محمد غافل (29 عاماً)، أحد أبناء العائلة، الذي يعمل مع أخيه حيدر، كمهندسين في وزارة النفط: "مجرشتنا تُعد من أقدم المجارش في المشخاب، وهي الأساس لعدد من المجارش التي انتشرت لاحقاً في النجف والسماوة".
ويضيف لوكالة شفق نيوز: "كنا وما زلنا نستقبل الشلب من الفلاحين، ونقوم بعمليات الجرش والتجهيز حتى نصل إلى إنتاج الرز الجاهز، ونسوقه لمحافظات عديدة كالحلة، كربلاء، النجف، والسماوة والناصرية وبغداد والمحافظات الشمالية، وحتى إلى الكويت والإمارات".
ورغم التطور في أدوات التصنيع، حافظت المجرشة على طابعها التراثي، مع إدخال بعض التقنيات الحديثة لدعم الإنتاج دون المساس بهويتها الأصلية، إذ يؤكد منتظر: "أبينا أن نغيّر شكلها القديم، لأننا نؤمن أن روح المهنة مرتبطة بالمكان الذي بدأ فيه كل شيء".
غير أن القطاع يواجه تحديات كبيرة، أبرزها شح المياه، مما أدى إلى تراجع زراعة الشلب في العراق عمومًا، والمشخاب بشكل خاص، خلال السنوات الخمس الماضية، وهذا التراجع انعكس على كمية ونوعية رز العنبر، ورفع أسعاره في الأسواق المحلية.
ووفقا لمنتظر، فإن "الزراعة تأثرت كثيراً بسبب قلة المياه، ما جعل الحكومة تعتذر عن تنفيذ الخطة الزراعية هذا العام، وكنتيجة، لجأ السوق المحلي إلى الاستيراد من دول مثل إيران، ماليزيا، وإندونيسيا، وهو ما أثّر على جودة الأرز المتداول حالياً".
ويلفت إلى أن "رز العنبر العراقي لا يُضاهى من حيث الطعم والرائحة، لكنه اليوم مهدد بفقدان مكانته بسبب الظروف البيئية وغياب الدعم الزراعي".
لتبقى مجرشة الحاج غافل العامري مثالاً حياً للصبر والإصرار، وإحدى علامات الأصالة في صناعة الرز في العراق، وسط آمال بأن تعود الزراعة إلى عافيتها، ليبقى رز العنبر رمزاً للجودة والهوية العراقية.