شفق نيوز/ في ظل انقطاع متكرر للكهرباء مع بدء فصل الصيف، يواجه العراق أزمة طاقة خانقة تتفاقم بفعل القيود الأميركية على استيراد الغاز الإيراني، مما يضع البلاد أمام تحد بالغ التعقيد لتحقيق أمن الطاقة، لا سيما في مجال الغاز الطبيعي الذي يعتمد عليه بشكل أساسي في تشغيل محطات الكهرباء.
وفي مقابلة خاصة مع أستاذ أمن الطاقة في جامعة جونز هوبكنز الأميركية، بول سوليفان، قال إن العراق يمتلك "احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي"، لكنها "مرتبطة إلى حد كبير بإنتاج النفط"، ما يزيد من تعقيد استخراجها وتطويرها.
ويعتبر سوليفان في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "البنية التحتية لنقل ومعالجة الغاز في العراق ما تزال متخلفة"، مؤكداً أن "الحل يكمن في تطوير الموارد الداخلية وبناء البنية التحتية، لكن ذلك سيستغرق وقتاً".
ويعتمد العراق على الغاز المستورد من إيران لتشغيل محطات الكهرباء. لكن بعد إلغاء الإعفاءات الأميركية، باتت بغداد "محاصرة"، بحسب وصف سوليفان. فمحاولات الحصول على استثناء جديد من إدارة ترامب قوبلت بالصمت، في وقت تتزايد فيه الضغوط على الحكومة العراقية لتأمين بدائل سريعة.
ويشير أستاذ الاقتصاد السابق في جامعة نورث ويسترن في شيكاغو، محي الدين قصار، في حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد يغير رأيه، ويمنح العراق استثناء، لكن المؤكد أنه يريد أقصى ضغط على إيران خلال مفاوضاته بشأن برنامج طهران النووي.
وكان مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز، قد أكد خلال اتصال مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في العاشر من آذار/ مارس الماضي عدم تجديد الإعفاء من العقوبات على صادرات الكهرباء الإيرانية يأتي ضمن إستراتيجية "الضغط الأقصى" التي يتبعها الرئيس دونالد ترامب ضد إيران، محذراً من تصاعد الضغوط إذا استمرت طهران في تطوير قدراتها النووية ودعم الإرهاب في المنطقة، بما في ذلك العراق.
ويستورد العراق من إيران "50 مليون قدم مكعب وتشكل ثلثا من إنتاج الطاقة الإيرانية"، بحسب المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي.
وانتهت صلاحية الإعفاءات الأخيرة من العقوبات الأميركية التي منحتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن في السابع من آذار/ مارس الماضي، أي بعد مرور 120 يوماً على سريانها.
ووفقاً لوزارة الكهرباء العراقية، يحتاج البلد إلى نحو 50 ألف ميغاواط لسد حاجته من الطاقة في فصل الصيف، في حين ينتج حالياً نحو 28 ميغاواط، بحسب الأرقام الرسمية.
ويشدد قصار على أنه لا خيار في المقابل أمام العراق غير فصل نفسه تماما عن مسار إيران، بالرغم أنه هذا غير ممكن بين ليلة وضحاها، خاصة أن البرلمان العراقي مخترق من الموالين لطهران.
وقال سوليفان "العراق يبحث الآن في استيراد الغاز المسال (LNG) من عمان وقطر، ويفكر في استيراد الغاز عبر أنابيب من تركمانستان"، لكنه أشار إلى أن "خط الأنابيب من تركمانستان سيمر عبر إيران، وهذا ليس خياراً واقعياً في الوقت الراهن".
وأضاف "هناك العديد من الحقول الغازية في العراق يمكن تطويرها"، مشيراً إلى أن "الوصول إلى الاكتفاء الذاتي ممكن على المدى البعيد إذا تم الاستثمار الجاد في البنية التحتية"، لكنه حذر من أن "كل الخيارات البديلة، بما فيها استيراد الغاز المسال، تتطلب وقتا وجهدا وتخطيطا سريعاً".
وتابع "حتى تشغيل محطات الغاز الطبيعي العائمة (FLNG) وتوفير مرافق التخزينوالربط بالأنابيب يستغرق وقتاً"، مشيراً إلى تجربة ألمانيا التي استطاعت بناء منشآت (FLNG ) بسرعة قياسية عقب قطع الغاز الروسي عنه.
الوضع في العراق يزداد سوءاً مع ارتفاع درجات الحرارة وبدء انقطاعات الكهرباء، مما يهدد بتكرار مأساة الشتاء الماضي، حيث وصف سوليفان الوضع بأنه "صعب للغاية"، مضيفاً "استخدام النفط لتوليد الكهرباء ممكن، لكن قد يؤدي إلى تعطيل المولدات، لأنها مصممة للعمل بالغاز".
ولم يستبعد سوليفان حلولاً بديلة على المدى الطويل مثل توليد الطاقة من النفايات أو من الحرارة الجوفية (geothermal) ، لكنه شدد مجدداً على أن "كل هذه الحلول تحتاج إلى وقت، والعراق بحاجة إلى التحرك بسرعة".
ووصف أستاذ أمن الطاقة وضع العراق بأنه "بين المطرقة والسندان"، محذراً من أن "الفراغ الناتج عن أزمة الطاقة قد تستغله قوى داخلية وخارجية لأغراض خبيثة".
وقال "العراق بحاجة إلى السلام والازدهار، وأي فوضى جديدة فيه ستؤثر سلباً على المنطقة بأسرها"، متوقعاً أن تظهر بوادر انفراج بعد الاجتماعات الخليجية- الأميركية المقبلة، لأن "المنطقة بحاجة إلى عراق مستقر، والقيادات تدرك ذلك".
لشفق نيوز من واشنطن/ مصطفى هاشم