شفق نيوز/ في مدينة الكوفة العريقة، وتحديداً بين أنامل سيد نعمة حسن الفحام، تتجسد حكاية من حكايات العراق التي لم تغيبها الحداثة الحالية والتي جعلت الناس تتجه نحو كل شيء براق ومستورد من دول العالم.
سيد نعمة الفحام، أبو كرار، تجاوز عمره الستين عامًا، لكن روحه ما زالت شابة وهو يتنقل بين أخشاب الأشجار وأدوات النجارة، مواصلاً مهنة توارثها عن أبيه وجده، إلا وهي "صناعة الزوارق والسفن الخشبية".
من ورشته المتواضعة، في أزقة الكوفة القديمة التي تفوح منها رائحة الخشب، تُولد الزوارق واحدة تلو الأخرى، لتُبحر في أنهار وأهوار العراق، من البصرة حتى الثرثار.
يقول لوكالة شفق نيوز "نشتغل لصيادي الأسماك، وبعض الناس يحبونها للترفيه"، يقول أبو كرار، بينما يشير إلى "بلم (زورق) الطيارة" ما زال تحت الإنجاز، حجمه كبير، ويستغرق تصنيعه أكثر من شهر تقريبا.
أنواع متعددة وأسعار متفاوتة
أعمال الفحام تتنوع بحسب الحاجة: "كعد"، "ريكا"، "كعد أبو الغرافة"، و"كعد كروفي"، ولكل نوع استخدامه، الزوارق الصغيرة التي تُستعمل في المياه الضحلة تُسمى "جلكة"، وتصنع خلال أسبوع واحد فقط، بينما الكبيرة تحتاج إلى جهد وصبر شهر من العمل.
السعر يبدأ من 500 ألف دينار ويصل إلى 7 ملايين، وبعض الزوارق الخاصة بالبحر مثل “مهيلة” قد تصل إلى 25 مليون دينار، وتُستخدم في بحر البصرة.
ورغم تطور الصناعة، ما تزال المواد الأساسية تقليدية: الخشب الجام، السدر، التوث، والخشب الجاوي. الفرق الوحيد أن القير الذي كان يُستخدم لتغليف الزوارق، استُبدل اليوم بالفايبر كلاس، الذي يسهل العمل ويمنح القارب مقاومة أقوى للماء.
من الكوفة إلى كل العراق
ورشة الفحام لا تقتصر على السوق المحلي في النجف والكوفة، بل تصدر زوارقها إلى البصرة، ميسان، الناصرية، الديوانية، الكوت، والثرثار. "نشتري الخشب من الكص، من الناس، أو نجيب مستورد حسب الحاجة، ونفصل حسب القياسات، 6 ذراع، 7 ذراع، حسب الطلب"، يضيف سيد نعمة.
ورغم أن المهنة تراجعت في ظل تطور النقل والآليات، ما يزال سيد نعمة، هو وأخوته يحملون شعلتها، حافظين لحكاية مائية من ذاكرة العراق القديمة.