شفق نيوز/ وسط التحديات البيئية والمناخية التي تعصف بمحافظة الأنبار، وامتداد التصحر الذي يزحف على أراضيها عامًا بعد عام، برزت مبادرة فريدة في قضاء الرمادي، تمثلت بتحوّل تل "المشيهد"، وهو موقع رمزي في الذاكرة الجمعية لسكان المنطقة إلى مساحة خضراء تنمو فيها أشجار مزروعة بأسماء الموتى.
وهذه المبادرة تحمل في طيّاتها رمزية عالية، وذلك ضمن مشروع مجتمعي يهدف إلى التصدي لآثار التصحر، والتوعية بأهمية التشجير في مناخ يتغيّر بوتيرة متسارعة.
ويعتبر تل "المشيهد" في قضاء الرمادي، كموقع دفن رمزي في العقود الماضية، وتحوّل في السنوات الأخيرة إلى مساحة مهمَلة، قبل أن تتبناه مجموعة من شباب المنطقة حيث تم غرس أكثر من 300 شجرة خلال العام الماضي، على أن تكون كل شجرة مزروعة باسم شخص فقيد من أبناء المنطقة، سواء ممن قضوا بسبب الحروب أو الجائحة أو غيرها من الظروف.
وبهذا الصدد، قال عمر أبو عابد، منسق المبادرة لوكالة شفق نيوز، إن "الفكرة بدأت كنوع من الوفاء للموتى، ثم تحولت إلى رسالة بيئية، نحن نواجه صحراء تبتلع أراضينا، لكننا نؤمن أن الشجرة يمكن أن تكون فعل مقاومة، كل شجرة هنا تحمل اسمًا، وتحمل أملاً أيضًا".
ويردف: "نحن لا نزرع فقط من أجل الجمال، بل من أجل الأجيال القادمة، إذا أردنا بيئة قابلة للعيش، لا بد أن نبدأ الآن، وكل شجرة تُزرع اليوم، هي حاجز بوجه التصحر غدًا".
من جانبها، ذكرت الباحثة البيئية رانيا علي، أن "هذه المبادرة نموذج مُلهم لما يمكن أن تفعله المجتمعات المحلية، التصحر ليس مجرد مشكلة بيئية، بل هو تهديد اقتصادي واجتماعي أيضاً، زراعة الأشجار في مناطق مثل تل "المشيهد" يساعد على تثبيت التربة، خفض درجات الحرارة، وتقليل الغبار المنتشر".
وأوضحت الباحثة خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، انها "ليست كافية وحدها، نحتاج إلى خطط أوسع، تشمل التعليم البيئي، وتوفير مصادر مياه مستدامة، ودعم حكومي مباشر لمشاريع التشجير، على الدولة أن تدعم مثل هذه المبادرات، فهي لا تحارب التصحر فقط، بل تعيد صلة الناس بأرضهم".
وفي ظل شح الموارد وتراجع الدعم الرسمي، تبقى المبادرات المجتمعية كهذه بمثابة بذور صغيرة لحل كبير، تنتظر أن تسقى بالاهتمام والرعاية، حيث تعاني الأنبار كما سائر مناطق العراق الغربية والجنوبية من تفاقم مشكلة التصحر نتيجة التغيرات المناخية، وشح المياه، وغياب الغطاء النباتي.
وتشير تقارير وزارة الزراعة العراقية إلى أن أكثر من 50% من أراضي العراق باتت مهددة بالتصحر، فيما يحتاج البلد إلى زراعة ما لا يقل عن 15 مليار شجرة على مدى العقدين المقبلين للحد من التأثيرات المناخية السلبية، مثل العواصف الترابية، وتدهور التربة، وارتفاع درجات الحرارة.