شفق نيوز/ في شوارع مدينة القاسم جنوبي محافظة بابل، وسط العراق، ومع حلول شهر رمضان يتجول جاسم القاسمي (55 عاماً)، المعروف بـ"أبو محمد"، ليوقظ الصائمين في الساعات الأخيرة من الليل لتناول وجبة "السحور" استعداداً لصيام نهار اليوم التالي، وهو مستمر في مهنته هذه التي توارثها عن أجداده رغم تغير الزمن وتطور الوسائل التكنولوجية.
وبدأ القاسمي هذه المهنة منذ كانون الثاني/ يناير 1995، ولم يتوقف رغم الضغوط التي واجهها في زمن النظام السابق، حيث كان يُمنع من التجوال لإيقاظ الناس.
لكنه واصل أداء مهمته الشعبية، مستخدماً الطبل الكبير "الدمام"، مردداً عبارات مألوفة مثل: "سحور يا عباد الله، أيها الصائم سحور، أثابكم الله سحور"، وأحياناً، عندما يمر بأزقة مغلقة، يردد مازحاً: "اكعد يا صايم خلي المفطر نايم (استيقظ أيها الصائم ودع من لا يصوم نائم)، أكعدي يا خاتونة لا تاكل سحورج البزونة (استيقظي يا سيدة كي لا تأكل طعام سحورك القطة)".
وعلى مدار العقود التي عمل فيها جاسم القاسمي، تغير الزمن، وأصبحت الهواتف والتلفزيونات والمساجد توفر المنبهات للسحور، لكن "أبو محمد" بقي محافظاً على هذا التقليد، بل يعتبر نفسه آخر "مسحر ﭽ ـي" في المدينة.
ويقول عن مشاعره أثناء جولته الليلية "ما كان لله ينمو، أشعر بالراحة والطمأنينة، والناس تقدم لي الماء والطعام أثناء تجوالي".
ويضيف القاسمي "حب الناس لهذه العادة لم يتغير، بل يزداد مع مرور السنين، خاصة بين كبار السن والأطفال الذين ينتظرون صوتي وأهازيجي كل فجر".
ويتابع "في إحدى الليالي، جاءني طفل صغير وقدم لي جزءاً من سحورهم، وهذا يجعلني أشعر بالسعادة والامتنان".
اليوم، يتحرك القاسمي بحرية، دون مضايقات، ويجوب شوارع القاسم يومياً من الساعة الثالثة فجراً حتى وقت الإمساك (الساعة الخامسة فجراً تقريباً)، مستمراً في مهنته التراثية، التي يعتبرها "جزءاً من التقاليد والموروث الشعبي".
وبرغم أن الكثيرين تركوا هذه المهنة، إلا أن القاسمي يصرّ على الاستمرار فيها، قائلاً "أنا آخر المسحر ﭽ ية في المدينة، وسأبقى ما دمت قادراً على ذلك".