شفق نيوز/ "فرض عقوبات على خمسة مصارف أهلية عراقية قد تؤدي إلى أزمة اقتصادية حقيقية، خصوصاً أن أغلب هذه المصارف تلعب دوراً رئيسياً في تمويل التجارة والاستيراد وتحويل الأموال"، هكذا يحذر الخبير الاقتصادي، مصطفى الفرج، من تداعيات العقوبات الأمريكية الأخيرة على القطاع المصرفي العراقي.
ويضيف الفرج لوكالة شفق نيوز "كما أن هذه العقوبات قد تؤثر على سيولة الدولار في السوق، مما يؤدي إلى ارتفاع سعر الصرف، وهذا بدوره يزيد من تكلفة المعيشة ويضعف القدرة الشرائية للمواطنين".
ويرى الفرج، أنه "إذا استمرت هذه الحالة، فقد نشهد المزيد من الدولرة في الاقتصاد، أي اعتماد أكبر على الدولار بدلاً من العملة المحلية، وهذا يضعف السياسة النقدية للبنك المركزي، ويقلل من فعالية أي إجراءات للسيطرة على التضخم أو استقرار الأسعار".
عقوبات أمريكية جديدة
وتأتي تحذيرات الفرج هذه، بعد يوم من كشف مصدر حكومي عراقي مسؤول، لوكالة شفق نيوز، بتلقي الجهات الحكومية العراقية بلاغاً رسمياً بفرض عقوبات أمريكية على مصارف عراقية جديدة، كمرحلة أولى، إضافة إلى شركات صرافة، لتورطها بتهريب الدولار إلى جهات محظورة ومعاقبة أمريكياً، وعلى رأسها الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وبحسب المصدر، فإن العراق تلقى أيضاً بلاغاً بصدور قرار أمريكي بمنع استخدام بطاقات الدفع الإلكتروني كافة في الخارج، خلال الشهرين المقبلين، كخطوة لمنع تهريب العملة إلى الخارج عبر تلك البطاقات بعد رصد تحركات مالية مشبوهة من قبل الفريق الأمريكي المتخصص في متابعة التحركات المالية داخل العراق.
وأشار المصدر إلى أن البلاغ الأمريكي للعراق، أكد، بأن تلك العقوبات لن تكون الأخيرة على المصارف وبعض الشركات، فهناك متابعة لعمل بعض المصارف الأخرى، وربما تصدر بحقها عقوبات خلال المرحلة المقبلة.
ونقلت وكالة "رويترز" الأمريكية، عن مصدرين مطلعين قولهما، أمس الأحد، إن "البنك المركزي العراقي سيمنع 5 بنوك محلية من التعامل بالدولار، فضلاً عن 3 شركات لخدمة الدفع الإلكتروني، في خطوة تأتي عقب اجتماعات مع مسؤولين من وزارة الخزانة الأمريكية ضمن جهود مكافحة غسل الأموال وتهريب الدولار والانتهاكات الأخرى".
وكشفت الوكالة، أن "البنوك الخمسة هي، مصرف المشرق العربي الإسلامي، والمصرف المتحد للاستثمار، ومصرف السنام الإسلامي، ومصرف مسك الإسلامي، ومصرف أمين العراق للاستثمار والتمويل الإسلامي".
وتابعت، أن "قرار الحظر شمل أيضاً ثلاث شركات لخدمات الدفع الإلكتروني، وهي شركة أموال، وشركة الساقي، وشركة الأقصى".
وفي هذا السياق، يقول الباحث المختص بالجانب المالي والمصرفي، مصطفى أكرم حنتوش، إن "البنك المركزي العراقي يعاني من خلل في سياسات الحوالات الخارجية، ما يؤكد الحاجة إلى معالجتها من خلال ربط الجمارك بالمنافذ لسد باب غسيل الأموال المتهم المركزي به".
وعن التجارة مع إيران، يوضح حنتوش لوكالة شفق نيوز، أن "هناك حاجة أيضاً لإيجاد منصة رسمية للتحويل التجاري سواء بإعطاء ذهب أو حوالات أو اعتمادات كما في عمان وغيرها، أو مثل اتحاد المقاصة الذي يعطي عملات أخرى، لإيجاد منفذ لهذه التجارة مع إيران".
ويتابع، "أما في حال عدم حل الإشكالية والانشغال بالدولار وأرباحه وبعمليات أخرى، فهذا قد يؤدي بالنتيجة إلى معاقبات أخرى، ما يحتم ضرورة معالجة السياسات النقدية لعبور هذه الأزمة".
ويشير الباحث المختص بالجانب المالي والمصرفي، إلى أن "معاقبة مصرف الرافدين مستبعدة، لأنه مصرف حكومي، وكان قد تعرض لعقوبات منذ تسعينيات القرن الماضي".
تلويح بمعاقبة "الرافدين"
وكان النائب عن الحزب الجمهوري الأمريكي، جو ويلسون، قد طالب في 30 كانون الثاني/ يناير 2025، بفرض عقوبات على مصرف الرافدين الحكومي العراقي، متهماً إياه بأنه "آلة" لغسيل أموال النظام الإيراني وعملائه للحصول على الدولار.
وأثارت تلك المطالب مخاوف مختصين في الشأن المالي والمصرفي من تداعيات هذا التوجه في حال تم تنفيذه على المصارف الحكومية العراقية.
وقال أستاذ الاقتصاد الدولي، نوار السعدي، في حديث سابق لوكالة شفق نيوز، إن هذا القرار حال فرضه على العراق سيؤدي إلى شحة وارتفاع في الدولار بالبلاد، وكذلك إلى عزلة العراق عن النظام المصرفي العالمي وتضرر القطاع الخاص، أما السيناريو الأسوأ، فهو سيكون في حال كانت العقوبات شاملة وقاسية، والتي قد تؤدي إلى أزمة في تمويل الرواتب والمشاريع.
تأثير العقوبات على الاقتصاد
من جهته، يقول رئيس مؤسسة "عراق المستقبل" للدراسات الاقتصادية، منار العبيدي، إن "معاقبة خمسة بنوك عراقية هي أنباء متداولة فقط، وإن صحت فإن هذه البنوك ليس لها تأثير كبير على الاقتصاد العراقي، فهي في غالبها غير معروفة للجمهور العراقي".
ويؤكد العبيدي لوكالة شفق نيوز، أن "البنوك المتبقية قادرة على إدارة الاقتصاد العراقي، فهي بنوك كبيرة ومعروفة، وحجم تعاملاتها كبير، لذلك لا توجد إشكالية في القطاع المصرفي كما يحاول البعض تصورها بأن هناك انهياراً للقطاع المصرفي، لذلك لا يوجد تأثر إذا لم تشمل العقوبات البنوك الكبيرة".
ويرى، أن "لا داعي لوجود هذا الحجم الكبير من البنوك العاملة في العراق، نعم قد يكون تأثيرها على المستوى النفسي للمواطن، لكن وجود بحدود 20 إلى 25 بنكاً هي كافية لإدارة ملف القطاع المصرفي في العراق".
وعن تأثير ذلك على الدولار، يتوقع العبيدي، "ارتفاع الدولار نتيجة التخوف من عدم القدرة على تحويل الأموال إلى الخارج، خاصة في ظل وجود عاملين يؤثر أحدهما على الآخر، وهو عامل موضوع البنوك، والفترة الذي ذُكر فيها، فهي الفترة نفسها التي استؤنفت فيها العمليات التجارية مع الصين".
ويوضح، أن "التجارة مع الصين كانت متوقفة خلال الشهرين الماضيين نتيجة الأعياد الصينية، وهذه عادة تؤثر بشكل كبير على حجم التجارة والاستيراد، وبالتالي على حجم الحوالات، لذلك شهدنا في الفترة الماضية نوعاً ما انخفاضاً بسعر صرف الدينار أمام الدولار، لكن حالياً ومع عودة الصين ووجود هذه الأنباء، من المتوقع صعود الدولار".
المركزي واجتماع "الخزانة والفيدرالي"
وكان البنك المركزي العراقي، أعلن أمس الأحد، عن خروج اجتماعاته الفصلية مع الجانب الأمريكي وشركات التدقيق الدولية، بنتائج إيجابية، نافياً تعرض بعض المصارف العراقية لعقوبات دولية.
وذكر البنك في بيان ورد لوكالة شفق نيوز، أن الاجتماعات الفصلية الأولى للعام 2025 مع وزارة الخزانة الأمريكية، والبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، التي عقدت في الإمارات العربية المتحدة بمشاركة شركات التدقيق والاستشارات الدولية (EY، وK2 Integrity، وOliver Wyman)، تكلّلت بإشادة للخطوات التي اتخذها البنك المركزي العراقي والحكومة العراقية في إصلاح القطاع المصرفي.
وبين أن أهم تلك الإصلاحات هي:
1- تطور نظام التوزيع النقدي للدولار الأمريكي في العراق والذي اعتبروه النظام الأكثر رقابة وسيطرة في العالم بما يحدّ من التلاعب وعمليات تهريب الدولار الأمريكي.
2- النقلة النوعية في عمليات التحويلات الخارجية والخطوات التي قام بها البنك المركزي العراقي لمعالجة المخاطر المترتبة على هذه العمليات والتي أصبحت ترتقي لمستويات عمليات التحويل المنفذة من قبل البنوك العالمية.
3- استعرضت الشركات الاستشارية (EY، وOliver Wyman) خطتي إصلاح القطاع المصرفي الحكومي والخاص والارتقاء بها بما ينسجم والمعايير الدولية وبما يسهل انخراط المصارف العراقية في شبكة العلاقات المالية دولياً.
وأضاف البنك "ولكون أن العمليات المنفذة من قبل المصارف العاملة في العراق تعتمد بشكل كبير على ثقة المصارف المراسلة العالمية بالقطاع المصرفي العراقي، نؤكد ضرورة الحرص على اعتماد القنوات الرسمية لهذا البنك لمعرفة آخر الأخبار وعدم مناقلة الأخبار غير الصحيحة مثل تعرض بعض المصارف العراقية للعقوبات الدولية وغيرها".
عقوبات متواصلة
جدير بالذكر أن وزارة الخزانة الأمريكية، فرضت في 19 من شهر تموز/ يوليو من العام 2023، عقوبات على 14 مصرفاً عراقياً في حملة على تعاملات إيران بالدولار.
وعلمت وكالة شفق نيوز في حينها، أن العقوبات طالت "مصارف المستشار الإسلامي للاستثمار والتمويل، والقرطاس الإسلامي للاستثمار والتمويل، وكذلك الطيف الإسلامي، ومصرف إيلاف، ومصرف أربيل للاستثمار والتمويل، والبنك الإسلامي الدولي، ومصرف عبر العراق، ومصرف الموصل للتنمية والاستثمار، ومصرف الراجحي، ومصرف سومر التجاري، ومصرف الثقة الدولي الإسلامي، ومصرف أور الإسلامي، ومصرف العالم الإسلامي للاستثمار والتمويل، ومصرف زين العراق الإسلامي للاستثمار والتمويل".
ومنعت وزارة الخزانة الأميركية أربعة بنوك عراقية أخرى من الوصول إلى الدولار في كانون الثاني/ نوفمبر من العام 2023، وكذلك فرضت بالتعاون مع البنك المركزي العراقي ضوابط أكثر صرامة على التحويلات المالية في البلاد بشكل عام.
وكان البنك المركزي العراقي قد استبعد آنذاك 4 مصارف عراقية أهلية من مزاد بيع العملة (وهي: الأنصاري، والشرق الأوسط، والقابض، وآسيا) إثر توجيهات وتحذيرات من وزارة الخزانة الأميركية من هذه المصارف المتهمة بتهريب العملة.
وسبق أن فرضت الولايات المتحدة في مناسباتٍ سابقة متعددة، عقوبات على مصارف عراقية، معللة الأسباب الموجبة بشكلٍ أساسي إلى قضايا غسيل الأموال وتهريب العملة.
ووضع العراق تحت الوصاية الأمريكية بعد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003، وعلى إثر ذلك، أُودِعت عائداته النفطية التي تمثّل أكثر من 90% من مصادر العملة الصعبة في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، حمايةً لها من مطالبات التعويض التي رفعتها بعض الدول المتضرّرة من سياسات النظام السابق قبل عام 2003.
وللاستفادة من تلك الأموال، تتقدّم وزارة المالية العراقية بطلبٍ إلى الجانب الأمريكي تُرفق به توضيحاً يبيّن أوجه الصرف، ثم يُدقَّق الطلب في بنك الاحتياطي الفيدرالي ويُصدِر توصية بصرف المبلغ المطلوب.
بعد الموافقة، تُحوَّل الأموال إلى البنك المركزي العراقي الذي يُقدِّمها للحكومة بالدولار أو بالدينار العراقي بحسب الحاجة. وينظّم البنك المركزي مزاداً يوميّاً يبيع فيه الدولار للمصارف العراقية، لتوفيره للتجار الذين يشترون واردات البلاد من السلع والخدمات، وكذلك للأفراد المحتاجين للدولار.
وتشترط المصارف على مَن يرغب بشراء الدولار تقديم مستندات تثبت حاجته الفعلية للعملة، ثم ترفع هذه الوثائق إلى البنك المركزي كي يسمح لها بالاستمرار في المشاركة في المزاد.