آخر الأخبار

طالبات مدارس المخيمات في شباك استغلال الكوادر التعليمية

شارك الخبر

بغداد اليوم- نينوى

"طلب مني علاقة حميمة وعندما رفضت جعلني أرسب في صفي"، بهذه العبارة تختصر الفتاة إيناس، أسم مستعار (16سنة) من قضاء سنجار غربي نينوى، قصة تعرضها للإبتزاز الجنسي في مدرستها الواقعة باحدى مخيمات النازحين الإيزيديين في محافظة دهوك باقليم كردستان، ولم تجد من يقف إلى جانبها على الرغم من شكوى تقول انها تقدمت بها للإدارة.    

هي فقدت والدها خلال هجوم تنظيم داعش على سنجار في الثالث من آب/أغسطس2014، وعاشت مع خالها في مخيم جنوبي محافظة دهوك بإقليم كردستان، إثر زواج والدتها سنة 2016. 

تردد كل ذلك وهي تحرك يديها بإنفعال ثم تصمت برهة قبل أن تضيف بحرقة:"مع كل الذي مررت به لم أفقد أملي بإكمال دراستي الإعدادية والوصول إلى الجامعة، كانت تلك رغبة والدي، غير أن ذلك التدريسي حرمني من تحقيق حلمي".

بادئ الأمر، ظنت إيناس أن المدرس الذي بلغ عقده الرابع ويدرس احدى المواد العلمية، يريد مساعدتها بسبب ظروفها العائلية، فتقبلت اهتمامه بها وسؤاله المستمر عنها، لكنه يوماً بعد يوم، أخذ يرسل إليها رسائل عبر تطبيق واتساب، وباتت نواياه تتضح بمحاولته إدخالها في علاقة حب معه،  وفقاً لتعبيرها. 

تقول:"كنت أرفض دائما، لكنه بدلاً من التوقف أصبح يضغط علي، ومع اقتراب الإمتحانات النهائية تمادى أكثر وكان يسمعني كلمات تهديد ومنحني درجة متدنية مع أنني لست سيئة في المادة، وإزاء رفضي المستمر للرضوخ إليه، منحني نهاية السنة درجة 35 من مئة، وتوجب علي المشاركة في امتحانات الدور الثاني".

تمتلئ عيناها بالدموع وهي تتذكر:"خوفي على مستقبلي جعلني الجأ إليه لطلب مساعدته، لكنه قالها لي بوضوح، بأنه يريد جسدي مقابل درجة النجاح، فشعرت بالإشمئزاز وعبرت له عن رفضي القاطع، فكانت النتيجة أنني رسبت مجددا وخسرت تلك السنة الدراسية لرفضي لرغباته".

وتتحدث إيناس عن محاولاتها للحصول على المساعدة:"بعد تردد طويل قررت التوجه إلى مدير المدرسة بشكوى. ظننت أنه سيستمع إلي ويساعدني. لكن ما حدث كان عكس ذلك، شكك وماطل، لأنه هو ايضاً كان قد طلب مني الدخول في علاقة حب مع أبن عمه، ولأنني كنت قد رفضت طلبه، قرر أن يتجاهل شكواي" على حد قولها. 

نتيجة لتجربتها الصادمة تلك ولأنها لم تجد من يساعدها، فقدت ايناس شغفها بالدراسة: "كنت فقط اريد حقي في التعليم، لأحسن وضعي، لكنهم سلبوه مني، فتركت المدرسة دون رجعة".

انعكس ذلك على مجمل حياة الفتاة، التي تقول بأنها باتت مطوقة بالعجز "لا يزال قلبي مليئاً بالألم والخوف، أشعر بأنني وحيدة ومغلوبة على أمري. لكنني أردت مشاركة قصتي حتى أكشف ما يحصل من استغلال، ولا يتكرر الأمر مع فتيات أخريات، ينبغي أن يجدن من يقف إلى جانبهن".

إيناس ليست الإيزيدية الوحيدة التي تعرضت إلى الإبتزاز الجنسي، فهنالك العديد ممن قابلهن فريق التحقيق سواءً في قضاء سنجار أو مخيمات النازحين الإيزيديين بأقليم كردستان، تعرضن لذات الأمر.

وأكدن بأن الأمر شائع بسبب الظروف المعقدة في المخيمات والقضاء الذي لم يستعد أوضاعه الطبيعية منذ سيطرة داعش عليه في 2014 وحتى بعد تحريره، ويعتقدن أن لاخيارات أمامهن، لذا تفضل معظمهن الصمت بسبب الطبيعة المجتمعية المغلقة والخشية من ردود فعل ذويهن ونظرة الناس لهن.

هذا التحقيق، يكشف اللثام عن تفاصيل عدد من تلك القصص المسكوت عنها، ومحاولة معرفة الأسباب التي تكمن وراء حدوثها وما يتوجب القيام به من أجل منع تكرارها.

إقرار ولكن....!

فريق التحقيق حصل من إيناس، على رقم هاتف المدرس الذي قام بابتزازها وصور محادثاتها معه عبر تطبيق واتساب، وقابله في مجمع للنازحين قرب دهوك. انقبضت ملامحه عندما تمت مواجهته بالأمر، التوتر بدا على حركة أطرافه، حرك يديه سريعاً وضمهما بإنفعال، ثم أنكر الأمر برمته: "لم أفعل شيئاً خاطئاً، علاقتي بطالباتي دائماً في حدود المهنية"، قال بنبرة صوت متقطعة.

وعندما تم عرض صورة من محادثة أجراها مع إيناس أمامه، تغيرت ملامح وجهه، وفقد أعصابه واخذ يهدد ويتوعد:"إذا نشرتِ هذا الموضوع وذكرت أسمي، سأقاضيك... سأفقد وظيفتي، ستكبر المشكلة كثيراً جداً".

فريق التحقيق، أصر على معرفة التفاصيل، وأخبره بأنه لن يذكر أسمه بشرط ان يتعاون ويذكر الحقيقة، لكي تنتبه إدارات المدارس لما يحدث. 

بعد محاولات عدة، رضخ التدريسي، وأقر بما فعله، وشيئاً فشيء تغير من شخص غاضب إلى آخر يجثم تأنيب الضمير على صدره. 

أخرج علبة سكائر، ووضع سيكارة في جانب فمه، ثم قال بعد تردد:"أدرك بأنني ارتكبت خطأً جسيماً بحق الطالبة وبحق وظيفتي. لم يكن من المفترض أن يحدث هذا أبداً"، قال ذلك وعيناه تدوران في محجريهما يميناً ويساراً.

أشعل سيكارته ومج منها نفساً عميقاً قبل أن يطلق الدخان من أنفه وتابع:"أرى الحقيقة بوضوح تام الآن، لا أستطيع سوى أن أطلب المغفرة وأتعهد بأن لا يتكرر هذا أبداً".

لا ينكر المدرس بأن غياب الرقابة في المدرسة، وشعوره بأن الفتاة وحيدة ويمكن أن تكون فريسة سهلة لنزواته، لعلمه بظروف حياتها الاجتماعية وعدم وجود رجل يمكن أن تستند اليه، هي من بين الأشياء التي جعلته يتمادى معها. 

إقراره واعلان شعوره بالندم، لم يكونا كافيين لإقناع ايناس بالعودة إلى مقعد الدراسة، ليصبح سبباً في تغيير مسارها الحياتي، مع أن الباحث الأجتماعي سلوان عزيز، يقول معلقاً على ما تعرضت له ايناس وموقفها، بأنها كانت ربما محظوظة، وقوية برفضها ما أراده منها التدريسي الذي وصفه بالمريض نفسياً.

ويذكر بأن هنالك فتيات غيرها رضخن بالفعل، وكان ذلك سبباً في تدمير حياتهن لاحقاً :"إما وجدن أنفسهم في النهاية أمام فضيحة وقُتلن غسلاً للعار أو أصبحن هدفاً للمجتمع الذي يحاسبهن ولايحاسب من يبتزهن، وقسم منهن أصبحن بنات ليل، ولو سألنا الفتيات في الملاهي الليلية عن ماضيهن سنجد أن معظمهن وقعن بأيدي أشخاص استغلوهن وهن في بداية مشوارهن بالحياة".

ويستدرك منتقدا طبيعة المجتمع وتمييزه بين الجنسين:"هو لا يتعامل مطلقا مع الفتاة التي تُبتز جنسياً على أنها ضحية، بل على أنها مدانة".                       

واقع مسكوت عنه

فريق التحقيق حاول الحصول على احصائيات أو اية أرقام مسجلة لحالات الاستغلال الجنسي من مديريتي التربية الكردية والعربية في قضاء سنجار (إحداهما تابعة لاقليم كردستان والأخرى تابعة للحكومة المركزية في بغداد)، إلا أنه لم يحصل على إجابات رسمية من المسؤولين فيهما بهذا الخصوص.

وظهر من خلال حوارات أجراها مع موظفين فيهما، أن إدارات المدارس لا تقوم بتوثيق الشكاوى التي تصلها بشأن حالات الاستغلال الجنسي، او لا ترفعها إلى مراجعها لتبقى حبيسة أدراج المكاتب، وهذا النقص في التوثيق وإخفاء المعلومات كان التحدي الأبرز لتتبع حالات الاستغلال الجنسي في المدارس بقضاء سنجار والمخيمات.

وتواجه العملية التعليمية في سنجار ومخيمات النزوح البالغ عددها 22 مخيماً، مشاكل عديدة، فهناك مشكلة مزمنة في انقطاع عشرات آلاف الطلاب والطالبات بشكل خاص عن مواصلة الدراسة. 

وتظهر إحصائية بشأن أعداد الطلاب العائدين إلى مقاعد الدراسة في سنجار، صادرة عن قسم التربية للدراسة الكردية في نهاية العام الدراسي 2023/2024، عودة ما يقرب من 13,500 طالب وطالبة، وهم من أصل 33,500 طالب وطالبة مسجلاً لمختلف المراحل الأولية والإعدادية، أي بلغت نسبة العائدين 40% في حين ظل نحو 20,000 طالب وطالبة غير قادرين على العودة.

أما الإحصائيات المتعلقة  بقسم التربية للدراسة العربية، فتشير إلى أن عدد الطلاب العائدين إلى المدارس قد بلغ نحو 32,000 طالب وطالبة، وهم من أصل 72 ألفاً أي ان العائدين لايشكلون سوى 44% فقط وبقي نحو 40,000 طالب وطالبة بعيدين عن مقاعد الدراسة.

هذا العدد الكبير من المنقطعين عن الدراسة، لا يرتبط بمشكلة النزوح وتداعيات الفقر، أو بعودة آلاف العائلات الى مناطقها السابقة دون ان تجد مدارس قريبة تلتحق بها، بل هنالك ما يتعلق بعدم استقرار البيئة المدرسية وشكوك بجدوى التعليم، الى جانب عدم الشعور بالأمان في المدارس بسبب ما تتعرض له بعض الطالبات من مضايقات أخطرها تلك التي يكون مصدرها الكادر التدريسي.

هذا ما يفصح عنه الباحث الإجتماعي خليل زياد، الذي يؤكد بأن عدم الاستقرار الإداري وتعدد السلطات المسؤولة في سنجار "أفرزت ظواهر  سلبية لم تكن موجودة هناك قبل 2014، ومنها ظاهرة التحرش والاستغلال الجنسي للطالبات في المدارس".

ويعني تعدد السلطات الذي يشير إليه الباحث، نشوء سلطتين محليتين في سنجار بعد تحريرها من داعش سنة 2015، واحدة موالية لإقليم كردستان وهي تدير في الغالب مدارسا التعليم فيها باللغة الكردية، والأخرى للحكومة المركزية في بغداد وتدير مدارساً التعليم فيها باللغة العربية.  

الباحث زياد، يقول بأن الطالبات العائدات من رحلة النزوح المليئة بـ"المآسي"على حد وصفه، وقبلها "ما تعرضن اليه هن وذويهم من انتهاكات وجرائم بأيدي عناصر داعش، جعلهن غير واثقات بمحيطهن ويعشن أصلا في قلق إجتماعي وخوف من تكرار التجارب السابقة، وبدلاً من أن تمنح المدارس بعضهن الأمان، أصبحن يشعرن بالخوف والقلق ووقعن تحت ضغط ابتزاز قلة من غير التربويين، كانوا سبباً في تركهن مقاعد الدراسة".

في مدرسة بقضاء سنجار للدراسة العربية، كانت ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
شارك الخبر

إقرأ أيضا