آخر الأخبار

إيزيديو الشيخان.. من أغلبية حاكمة الى أقلية ضعيفة

شارك الخبر

بغداد اليوم- نينوى

بعد نحو أربعة عقود قضاها في الشيخان، غادرهادي دوباني (57 سنة) البلاد مع عائلته، البلدة الايزيدية الواقعة شمال مدينة الموصل، ليعيش في ألمانيا ويستقر فيها، مثلما فعل العشرات من أهله وأقاربه. يقول بصوت متقطع: "داعش خرب علينا كل شيء، قلب حياتنا، حتى رحلت عن الأرض التي لم أكن أتصور يوما أن أغادرها، أشياء عديدة دفعتنا لذلك، الأمن، الخوف من المستقبل، التمييز وغياب العدالة".

يؤكد دوباني، الذي شغل منصب مدير الوقف الإيزيدي في محافظة دهوك بإقليم كردستان لما يقرب من سبع سنوات، بأن أبواب الهجرة لو فتحت أمام الإيزيديين وتوفرت التسهيلات لذلك "ستزداد معدلات هجرتهم" من مدنهم التاريخية "فوجودهم الحالي فيها بات شكليا مجملا لصورتها". 

في آب/أغسطس سنة 2014 والأسابيع اللاحقة، هاجم تنظيم داعش قضاء سنجار والعديد من المناطق ذات الغالبية الايزيدية والمسيحية بسهل نينوى، وسيطر على مدينة سنجار والقرى المحيطة بها وبلدات عديدة في السهل التأريخي الخصب حيث تنتشر الاقليات الدينية والعرقية منذ قرون.

اختطف التنظيم في هجماته على سنجار والقرى المحيطة بها 6417 إيزيدياً، بينهم نساء وأطفال، وقتل 1,293 إيزيديا، وقام بتدمير 68 مزاراً، وترك خلفه أكثر من 80 مقبرة جماعية للإيزيديين، وفقاً لإحصائيات منظمات محلية. عمليات القتل الواسعة تلك أثارت رعب الايزيديين في سهل نينوى ومناطق انتشارهم باقليم كردستان ودفعتهم للنزوح داخليا والهجرة لاحقا الى خارج البلاد.

في ظل غياب الإحصائيات الرسمية، تقدر مديرية شؤون الإيزيديين في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في حكومة إقليم كردستان، عدد الايزيديين في العراق بنحو 550 الف شخص، نزح نحو 360 ألف منهم خلال هجمات داعش الى مدن اقليم كردستان، وهاجر أكثر من 100 ألف إلى بلدان أخرى.

 

                                               

أغلبية أضحت أقلية

يعد قضاء الشيخان، مثل سنجار، موطنا للإيزيديين، ويقع فيه معبد (لالش) المقدس لديهم، وهو موقع يحج اليه الإيزيديون من داخل البلاد وخارجها. وعلى مدى قرون كان الأيزيديون يشكلون الغالبية الساحقة من سكان المنطقة ومحيطها. 

ويؤكد باحثون ومتخصصون في التاريخ، أن نسبتهم كانت تترواح بين 85% و90%، لكنهم اليوم أصبحوا أقلية، إذ انخفضت نسبتهم إلى نحو 30% بسبب هجرتهم المستمرة منذ ثلاثة عقود من جهة ونزوح مكونات أخرى الى القضاء من جهة ثانية.

كان هادي دوباني في الثالثة من عمره، عندما انتقلت عائلته من بلدة خانكي التابعة لمنطقة سميل في محافظة دهوك، إلى مركز قضاء الشيخان التابع لمحافظة نينوى ليستقر فيه، هناك عاش طفولته وشبابه قبل أن يقرر الهجرة بنحو نهائي في منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2016 الى ألمانيا حيث يعيش الآن.

"كان والدي يخبرنا دائماً ان مركز الشيخان لم يكن يضم للفترة بين 1970 إلى 1975 حيث استقرت عائلتنا، سوى ثلاثة أسر مسلمة، وسبعة أسر مسيحية، وعائلة يهودية واحدة فقط، وكان الآخرون جميعا من الأيزيديين". يقول دوباني مشيراً الى حجم التغيير الديمغرافي الذي حصل في المنطقة خلال عقود قليلة.

يضيف مسترجعاً شريط ذاكرته: "في شبابي وحتى أيام التحاقي بالجامعة للفترة بين 1989-1990 كان معظم أهالي الشيخان من الإيزيديين، كنت تجد نسبة قليلة من أبناء المكونات الأخرى".

يتابع: "بعد قيام حزب البعث ومن خلال قرارات مدروسة، بنقل خدمات عدد من الموظفين المسلمين من مدن أخرى إلى الشيخان، ومع افتتاح عدد من الدوائر الحكومية والمستشفيات والمدارس الجديدة ارتفع عدد المسلمين تدريجيا في الشيخانً".

تأكيداً، للتحولات الديمغرافية التي حصلت في الشيخان والتي غيرت التركيبة السكانية بنحو جوهري، يذكر الكاتب المختص بالآثار والمهتم بتاريخ المنطقة محمد عارف تتر، أن "قضاء الشيخان تأسس في 16-12-1924، وقبلها بنحو عشرين عاماً وتحديدا في العام 1900 نزحت من تركيا 11 عائلة مسلمة لتستقر فيه".

يضيف الكاتب:"حينها استقبل أمير الإيزيديين سعيد بك، المسلمين النازحين وآواهم في منزله، ولاحقا أعطاهم قطعة أرض لبناء مسجد، وساهم الايزيدون مع المسلمين في بنائه، ومازال المسجد قائماً لغاية اليوم".

فلاح حسن (44 ينة) هو مختار لمنطقتين سكنيتين في مركز قضاء الشيخان هما (شيخ ماند) و(شيخ شمس)، يقول أن هجرة الايزيديين لم تستثني بيتاً في الشيخان، فقد ِهاجر أربعة من إخوته الى خارج البلاد والكثير من أقاربه.

ويشير إلى أن أكثر من 100 منزل مغلق الأبواب حالياً في الحيين السكنيين، بعد أن هاجر أصحابها إلى أوروبا"، مبينا أن غالبيتهم  هاجروا بعد العام 2014، في اشارة الى ما خلفه هجوم تنظيم داعش من نتائج سلبية على حياة ووجود الايزيديين، بعد عمليات الخطف والقتل الجماعي التي ارتكبها بحقهم.

ويرى حسن، أن معدلات الهجرة كانت صغيرة قبل هجوم داعش: "من العام 2003 إلى العام 2014 كانت معدلات هجرة السكان تتراوح بيبن 3% إلى 4%، لكن بعد سيطرة داعش على سنجار وسهل نينوى وصلت نسبة المهاجرين والمتطلعين للهجرة الى 70%".

ويلفت إلى أن معظم الايزيديين في الشيخان، خلال فترة سيطرة داعش على نينوى وما بعدها "باعوا أراضيهم بأرخص الأثمان، على أثرها انتقلت عائلات من مكونات أخرى مثل الشبك والغجر والكوران إلى القضاء وسكنت فيه".

على الرغم من أن تنظيم داعش، لم يصل أبداً إلى مركز قضاء الشيخان، لأن قوات البيشمركة الكردية  مدعومة بقوات التحالف الدولي دافعت وبشراسة عن المنطقة، إلا أن الخوف والشك الذي زرعه التنظيم في نفوس الايزيديين بما فيهم أهالي القضاء، كان كفيلا بتسريع معدلات هجرتهم الى خارج البلاد.

يقول ناشطون مدنيون من المكون الايزيدي، أن الناس كانوا يخشون سقوط الشيخان مثل سنجار بالكامل بايدي عناصر داعش، وان يذهب آلاف آخرون من أبناء هذه المناطق ضحايا لتصفيات "التنظيم الإرهابي"، خاصة ان الكثير من أقارب ومعارف الإيزيديين في المنطقة وقعوا في سنجار بين أيدي عناصر التنظيم. الذس وحتى بعد هزيمته لم يكن هناك تفاؤل أو أمل بحصول استقرار دائم.

يوضح فلاح حسن، المشهد بنحو تفصيلي:"قبل وصول داعش كان عدد العائلات المهاجرة يبلغ بضعة عشرات سنوياً، لكن بعد العام 2014 وصل العدد إلى المئات. فقط في الحي الذي أعيش فيه، تم عرض أكثر من 100 منزل للايجار وتركت منازل أخرى".

يتابع:"إذا قمت بتعداد أسماء الذي هاجروا فلن أنتهي خلال ساعات، كان المنزل المقابل لداري يضم 15 فردا هاجروا جميعهم، خمسة من إخوتي الآن يعيشون في خارج البلاد، اثنان منهم هاجرا بين عامي 2007 و2009، والآخرون مع والدتي هاجروا بعد العام 2014". 

جغرافيا تضم الشيخان نواحي، اتروش، قصروك، كلكجي، باعدري، زلكان، وكل من قرية مهات وبتنار التي يسكنها الإيزيديون، دوشيفان وتسقلا كلتاهما يسكنها المسلمون، وسروكانى التي يعيش فيها أبناء الديانتين الإيزيدية والمسلمة.

يبلغ عدد سكان الشيخان، بما في ذلك النازحين، حوالي 130 ألف نسمة، يتواجد 40 الف في وسط المدينة، والباقي في نواحيها وقراها، وهي إداريا تابعة لمحافظة نينوى، لكنها تدار فعليا من محافظة دهوك منذ العام 2003، كونها منطقة متنازع عليها بين حكومتي اربيل وبغداد، ولم يحسم مصيرها لغاية الآن.

ذلك التنازع الاداري بين الحكومتين، أثر على واقعها العمراني والخدمي، فظلت طوال سنوات محرومة من الكثير من الخدمات، بينما تلقي كل حكومة مسؤولية ذلك إلى الأخرى.

متى بدأت الهجرة من الشيخان؟

تنقسم ظاهرة هجرة الإيزيديين في قضاء الشيخان إلى مراحل عدة، المرحلة التي شهدت اعلى معدلات الهجرة كانت بعد سيطرة تنظيم داعش على سنجار واقترابه من الشيخان إثر سيطرته على غالبية بلدات سهل نينوى التي تضم المسيحيين والايزيديين الى جانب الشبك والكرد المسلمين. لكن حتى بعد القضاء على التنظيم وانتهاء خطره في 2017، لم تعد الا نسبة محدودة من العائلات إلى منازلها في مجمل محافظة نينوى.

يؤكد ذلك المسؤول الايزيدي السابق هادي دوباني، قائلا "الهجرة الواضحة من الشيخان جرت على مرحلتين، الأولى كانت بعد العام 2003 حيث ظلت النسبة منخفضة، بمعدل شاب واحد من كل 20 أسرة، لكن المرحلة الثانية بعد العام 2014 كانت مختلفة وشهدت هجرة واسعة ولن تجد عائلة لم يهاجر احد من افرادها نتيجة المخاوف الأمنية والتدهور الاقتصادية وعدم اليقين بشأن مصيرهم".

غالبية المهاجرين الايزيديين يقصدون دول أوربا الغربية، ألمانيا على وجه التحديد حيث توجد الجالية الايزيدية الأكبر على مستوى العالم، بينما هجر بعض الايزيديين الشيخان باتجاه دهوك وضواحيها أو إلى مدن أخرى تتوفر فيها فرص العمل ومستوى أفضل من الخدمات.

يقول محمد عارف، الذي درس الآثار في جامعة الموصل، ويدرس حاليا الدكتوراه في إحدى الجامعات الأمريكية: "إذا قارنا عدد الإيزيديين في مركز الشيخان بين عامي 1900 و2014، نلاحظ حجم التغيير السكاني الذي حصل وحجم التراجع في نسبتهم".

يضيف الباحث:"في بداية القرن الماضي كانت نسبة الإيزيديين تتراوح بين 88 إلى 90 بال ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
شارك الخبر

إقرأ أيضا