بدأ عام 2025 بوصفه فصلاً جديداً في عقدٍ بدا طويلاً من الصراعات المتواصلة في الشرق الأوسط. استمرت الحرب في غزة بلا هوادة، وعادت التوترات الطائفية لتُهدِّد بإغراق سوريا في الفوضى مجدداً، وتواصلت الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل على طول الحدود اللبنانية، كما اندلع صراع قصير لكنه عنيف بين إسرائيل وإيران. ومع اقتراب نهاية العام، يجد الإقليم نفسه في لحظة أكثر هدوءاً وإن كانت محفوفة بالشكوك. ومع انحسار حدّة عدد من النزاعات، يتساءل كثيرون اليوم كيف سيتذكرون عام 2025، وماذا سيحمل لهم عام 2026.
في مطلع 2025، أُطيح أخيراً ببشار الأسد بعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً من حرب أهلية دامية. لكن التفاؤل الأولي سرعان ما تراجع مع تجدّد أعمال العنف. ففي مارس، استهدفت مجازر مجتمعاتٍ علوية؛ وفي يوليو، تعرّضت تجمعات درزية في السويداء لهجمات؛ ومؤخرا نفّذ تنظيم داعش تفجيراً انتحارياً في كنيسة أرثوذكسية. ورغم هذه الانتكاسات، حقق قائد المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، اختراقات دبلوماسية لافتة، إذ التقى قادة عالميين، وألقى كلمة أمام الأمم المتحدة، وأجرى محادثات مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ومنذ ذلك الحين، رُفِع معظمُ العقوبات الدولية عن سوريا.
ومع ذلك، لا يزال الغموض مخيّماً. ففي حديثها لقناة الحرة من داخل سوريا، حذّرت فيرا ميرونوفا، الزميلة الزائرة في مركز ديفيس للدراسات الروسية والأوراسية بجامعة هارفارد، من الإفراط في التفاؤل.
وقالت: «الناس على الأرض ليسوا متفائلين كثيراً. هناك تحديات كبيرة تواجه الحكومة. الاقتصاد في وضع سيئ للغاية، والتضخم مرتفع، والبطالة في ازدياد. رُفِعت العقوبات حديثاً فقط، وحتى الأمور الأساسية مثل بطاقات البنوك لن تعمل بشكل طبيعي قبل العام المقبل».
وعن أجواء موسم الأعياد، أشارت ميرونوفا إلى استمرار المخاوف الأمنية. وأضافت: «احتفالات عيد الميلاد مستمرة، لكنها تُقام تحت إجراءات أمنية مشددة. مقاتلون سابقون من جبهة النصرة يحرُسون أشجار الميلاد. تحاول الحكومة إظهار قدرتها على حماية التنوّع الديني، لكنها لا تزال تكافح للسيطرة على بعض مقاتليها، وخصوصاً الأجانب منهم».
وفي العراق، أُجريت انتخابات برلمانية في وقت سابق من هذا العام. وعلى الرغم من عدم تشكيل حكومة جديدة بعد، فإن الانتقال جرى إلى حدّ كبير بصورة سلمية. وقال فلاديمير فان فيلغنبورغ، وهو صحافي مقيم في أربيل، لقناة الحرة إن التوقعات لا تزال حذِرة.
وأضاف: «هنا في كردستان، يأمل الناس على الأقل أن تتمكن الحكومة الجديدة في بغداد من إنهاء الخلافات المتكررة بشأن حجب الرواتب أو تأخيرها».
وعلى الرغم من الإحباط السياسي الأوسع، تحسّنت الحياة اليومية في إقليم كردستان. وقال فان فيلغنبورغ: «الخدمات مثل المياه والكهرباء أفضل بكثير مما كانت عليه سابقاً. فعلى سبيل المثال، بات لدينا كهرباء على مدار الساعة».
وفي يونيو، خاضت إيران وإسرائيل حرباً وإن كانت قصيرة لكنها كانت عنيفة، تركت الطرفين في وضع أضعف. غير أن الأهم من الأضرار العسكرية كان التسارع الواضح في الانهيار الاقتصادي الإيراني. وقال آلان آير، الزميل الدبلوماسي في معهد الشرق الأوسط، لقناة الحرة إن الوضع الداخلي في إيران يتدهور بسرعة.
وأضاف: «شهد العام الماضي ضغوطاً حادة على الموارد المائية في المراكز الحضرية الكبرى، إلى جانب انقطاعات متناوبة للتيار الكهربائي في أنحاء البلاد. والريال الآن عند أضعف مستوى له تاريخياً أمام الدولار».
وشدّد آير على أن جانباً كبيراً من أزمة إيران ناتج عن عوامل بشرية أكثر من كونه بيئياً. وقال: «هناك ما يشبه مافيا مياه تتحكم في التوزيع. والحرس الثوري الإيراني منخرط بقوة في مشاريع إنشائية لتحقيق أرباح، حتى وإن أدت تلك المشاريع إلى تفاقم شحّ المياه. ومع ذلك، قد يخفف موسم الأمطار من حدة الأزمة».
وفي إسرائيل، انحسرت إلى حدّ كبير الحرب في غزة والقتال على الحدود اللبنانية. إلا أن صدمة السابع من أكتوبر لا تزال متجذّرة بعمق في المجتمع الإسرائيلي. ومع استقرار الوضع الأمني نسبياً، عادت الانقسامات السياسية إلى الواجهة.
وبحسب إيال زيسر، أستاذ دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا في جامعة تل أبيب، بات الاستقطاب السمة الأبرز للسياسة الإسرائيلية. وقال: «الجميع مقتنع بأن الطرف الآخر سيُدمّر البلاد». أما منتقدو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فتتركز مخاوفهم على ما يرونه تآكلاً مؤسسياً، بما في ذلك «تدمير الخدمة المدنية، والفساد، والسياسات التي تمنح امتيازات لقطاعات معينة من المجتمع على حساب غيرها»، كما أوضح زيسر.
ويرى كوبي ميخائيل، الباحث الرائد في معهد دراسات الأمن القومي ومعهد ميسغاف، أن عهد نتنياهو قد يقترب من نهايته. وقال: «لست متأكداً من أن نتنياهو سيبقى رئيساً للوزراء بعد الانتخابات المقبلة. أعتقد أنه سيُستبدَل. ومن المرجّح أن تكون الحكومة القادمة موسعة وتضم حزب الليكود، لكن من دون نتنياهو».
وعلى الرغم من وجود تفاؤل حذر حيال تعافي الاقتصاد الإسرائيلي، حذّر ميخائيل من تحديات أعمق تلوح في الأفق، لا سيما في العلاقة مع الولايات المتحدة. وقال: «العلاقة الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة بُنيت على ركيزتين: القيم المشتركة والمصالح الاستراتيجية. واليوم، تتزعزع ركيزة القيم المشتركة بشكل متزايد، خصوصاً في ظل تصاعد معاداة السامية على اليسار واليمين معاً».
ومع إسدال الستار على عام 2025، يجد الشرق الأوسط نفسه في حالة انتظار قلِق، فهو وإن كان لا يشهد حروبا مفتوحة، لكنه يمر بفترة انتقال هشّة، ويشهد صراعات سياسية غير محسومة، ويعاني من شكوك عميقة بشأن ما يحمله المستقبل.
المصدر:
الحرة