إذا كان بإمكان ألمانيا اختيار معلمة أجنبية ذات مؤهلات عالية، فمن المرجّح أن تكون شخصية مثل إنجي بيزارو كراوزه. فهذه الشابة التشيلية البالغة من العمر 33 عاماً تتمتع بخبرة قوية بفضل دراستها التي استمرت ثماني سنوات، إضافة إلى عامين من العمل كمعلمة في مدينة فينيا ديل مار. وهي اليوم على وشك الإسهام في معالجة النقص الحاد في عدد المعلمين في ألمانيا .
منذ أغسطس، تدرس بيزارو كراوزه اللغة الألمانية وعلوم التربية في برنامج "Lehrkräfte PLUS" في كولونيا، وقد بدأت بالفعل بالتعرّف على مدرسة مهنية هناك .
وتقول لـ DW : "عندما جئت إلى ألمانيا شعرت بأنني مضطرة للبدء من الصفر مجدداً، وكان ذلك محبطاً للغاية. لقد درست، وعملت كمعلمة، وترغبين في العودة مباشرة إلى العمل، فتبحثين يائسة عن برنامج يعرّفك بطريقة ما على نظام التعليم الألماني. كان برنامج Lehrkräfte PLUS تماماً ما كنت بحاجة إليه".
في غضون اثني عشر شهراً فقط، سيتم إعداد بيزارو كراوزه و23 مشاركاً آخر من البوسنة وقيرغيزستان وأوكرانيا بشكل مكثّف، ومن خلال خبرة عملية واسعة، ليكونوا مؤهلين للعمل كمدرسين في المدارس الألمانية. ويُقدَّم البرنامج أيضاً في أربع جامعات أخرى بولاية شمال الراين وستفاليا، في إطار استجابة من كولونيا للنقص المتزايد في أعداد المعلمين في ألمانيا .
اليوم، تعاني البلاد من نقص يقدَّر بعشرات الآلاف من المعلمين والمعلمات، والاتجاه في ازدياد. وفي المقابل، يُضطر كثير من المهاجرين ذوي الخبرة المهنية الطويلة إلى العمل في وظائف مؤقتة بدلاً من الوقوف أمام الطلاب في الفصول الدراسية. وتقول بيزارو كراوزه: "تتساءل عن المغزى من ذلك: ألمانيا بحاجة ماسة إلى معلمين، وفي الوقت نفسه نواجه عقبات بيروقراطية هائلة. يجب على الدولة أن تعمل على نظام يسرّع عملية الاندماج ".
لهذا الغرض، هناك حاجة إلى أشخاص متفانين مثل سيمرا كريغ وأريان إلشوف، اللذين أطلقا برنامج التأهيل "Lehrkräfte PLUS" في كولونيا عام 2018 وواصلا تطويره منذ ذلك الحين. وكان الشعار آنذاك: "نحن قادرون على ذلك"، تماماً كما قالت المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل عندما حثّت الشعب الألماني بهذه الكلمات على مواجهة تحدي دمج اللاجئين، كما تتذكر إلشوف .
وتضيف: "في البداية كان لدينا العديد من المعلمين والمعلمات المؤهلين من تركيا وسوريا، أما الآن فإن معظمهم يأتون من أوكرانيا. ومع ذلك، نتلقى أيضاً طلبات من البرازيل وحتى تنزانيا. لا يمكن لألمانيا أن تتخلى عن مثل هذه الطاقات في ظل نقص المعلمين. هؤلاء معلمون بكل معنى الكلمة، ويضعون كل قلوبهم في عملهم ".
وقد أجرت جامعة بوتسدام مؤخراً دراسة تفصيلية حول برنامج " Lehrkräfte PLUS "، وأظهرت النتائج أن المشاركين يشعرون بثقة أكبر في مهامهم المستقبلية، ويتحدثون الألمانية بشكل أفضل بكثير، ويتمتعون بحماس كبير للعمل كمعلمين في ألمانيا على المدى الطويل. والأهم من ذلك أن الغالبية العظمى منهم ستنصح مهاجرين آخرين بالالتحاق بالبرنامج.
ووفقاً لما ذكرته كريغ لـ DW ، لا يترك البرنامج في المتوسط سوى مشارك واحد في كل دفعة. وقد تراكم بالفعل نحو 50 طلباً على مكتبها للالتحاق بالبرنامج ابتداءً من أغسطس المقبل، فيما تنتهي مهلة تقديم الطلبات خلال أسبوعين. ورغم قصة النجاح هذه، فإن تمويل البرنامج مضمون فقط حتى نهاية عام 2027. كما انتهى تمويل برنامج "Refugee Teachers Program" الرائد على مستوى ألمانيا، والذي أطلقته جامعة بوتسدام عام 2016 .
وتقول سيمرا كريغ: "لدينا الكثير من التعليقات الإيجابية. برنامج Lehrkräfte PLUS يشكّل نقطة انطلاق، لكنه في الوقت نفسه يمثل تحدياً للمشاركين، إذ يصل المرء أحياناً إلى حدود طاقته خلال برنامج يمتد لعام كامل وبدوام كامل. اللغة عامل مهم للنجاح في الاندماج داخل المدرسة، إلى جانب الانفتاح والمثابرة والإصرار، فهي عوامل حاسمة أيضاً".
كانت ناتاليا زيمليانسكايا مثابرة بما يكفي: فقد شاركت الأوكرانية قبل عامين في برنامج "Lehrkräfte PLUS" (المعلمون زائد)، حيث أكملت تدريباً في مدرسة مهنية في بون، ثم جرى توظيفها مباشرة من قبل المدرسة نفسها. هذه المعلمة، الحاصلة على درجة الدكتوراه في اللغة الإنجليزية، درّست في أوديسا لأكثر من 20 عاماً، وهي الآن تدرّس اللغة الأجنبية في وطنها الجديد، كما تُدرّس اللغة الألمانية للشباب من غينيا وسوريا وتركيا بصفتها معلمة للصف الدولي .
وتقول: "عندما وصلت إلى هنا في عام 2022 كنت أعلم أنني أريد الاستمرار في العمل كمعلمة. في البداية حضرت العديد من دورات اللغة الألمانية، ثم عثرت بالصدفة على برنامج Lehrkräfte PLUS . أفضل ما في البرنامج هو دورات اللغة الألمانية والتدريب العملي، حيث يتم إلقاؤك في الماء البارد دون أن تكون لغتك الألمانية مثالية بعد".
إذن، ما الذي تحتاجه المعلمة المهاجرة لتتأقلم مع الحياة المدرسية اليومية في ألمانيا؟ لا تحتاج السيدة البالغة من العمر 47 عاماً إلى وقت طويل للتفكير: يجب أن تستوعبي كل ما يدور في المدرسة الجديدة بشكل استباقي لتفهمي كيف تعمل هذه المؤسسة التعليمية، وخاصة كيفية التعامل مع الطلاب. كما ينبغي أن يكون لديك مرشدون وزملاء يتقبلونك ويدعمونك ويقفون إلى جانبك في حالات الطوارئ. وتؤكد أيضاً ضرورة إنشاء المزيد من البرامج مثل "Lehrkräfte PLUS" ، ليس فقط في عدد محدود من المدن، بل مع توسيع نطاقها والترويج لها بشكل أكبر .
أريان إلشوف وسيمرا كريغ، منسقتا برنامج LehrkräftePLUSصورة من: privatوتضيف: "يجب أن يعرف كل معلم مهاجر أن مثل هذه المؤهلات متاحة. ويجب أن يكون هناك المزيد من الأماكن التي تقدم هذه البرامج: ففي الدورة التي شاركت فيها كان هناك متدرب من بريمن يسافر يومياً، وبعضهم كان يقيم في فندق طوال الأسبوع". كما ناشدت زيمليانسكايا السياسيين الألمان الإسراع في دمج هؤلاء المتخصصين في نظام التعليم الألماني، قائلة: "يجب أن يصبح الاعتراف بالشهادات الأجنبية أسهل. أنا لست مبتدئة، بل معلمة ذات خبرة ".
أعده للعربية: م.أ.م
المصدر:
DW