الدوحة ـ في مسعى تاريخي يعيد للغة العربية ألقها ويضع حداً لعقود من المحاولات المتعثرة، أعلن معجم الدوحة التاريخي للغة العربية عن اكتماله، ليصبح أول معجم يؤرخ لألفاظ العربية عبر أكثر من عشرين قرنا.
هذا الإنجاز، الذي طالما وُصف بـ"الحلم المستحيل"، وصف بأنه بداية لعهد جديد من البحث اللغوي المتطور، يربط الماضي بالحاضر عبر أدوات رقمية متقدمة ومدونة لغوية ضخمة.
وأكد المدير التنفيذي لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية الدكتور عزالدين البوشيخي، أن إعلان اكتمال المعجم لا يعني التوقف أو إغلاق باب العمل، بل يشير، من الناحية العلمية والفنية، إلى إنجاز البنية التأسيسية الكبرى للمشروع.
وفي حوار مع الجزيرة نت يوضح البوشيخي أن المقصود بالاكتمال هو تحرير جميع مواد الحروف واعتمادها ونشرها وفق منهج تاريخي موحد، يؤرخ المداخل المعجمية عبر أكثر من عشرين قرنا، متتبعا تطورها الدلالي والصرفي من أقدم شاهد موثق إلى أحدث الاستعمالات، بالاعتماد على مدونة لغوية تاريخية محوسبة واسعة.
وكشف البوشيخي عن التخطيط لإصدار معاجم فرعية ضمن الأهداف المرسومة للمرحلة المقبلة، على أن تشكل مدونة معجم الدوحة التاريخي قاعدة انطلاق لمعاجم تخصصية متنوعة.
ويشدد البوشيخي أن هذا الإنجاز وضع حدا لمرحلة طالما وصفت في الثقافة العربية بـ"الحلم المستحيل"، حيث تعثرت المحاولات السابقة لبناء معجم تاريخي للعربية بسبب تشتت الجهود وغياب المدونات الشاملة والاستمرارية المؤسسية.
ويشير إلى أن مشروع الدوحة نجح في تجاوز هذه العوائق عبر عمل مؤسسي جماعي، وتوظيف أدوات رقمية متقدمة، وبناء بنية علمية وتنظيمية ضمنت استمرارية العمل حتى بلوغ مرحلة الاكتمال، ما نقل المعجم التاريخي للعربية من فكرة مؤجلة إلى منجز علمي راسخ وقابل للتطوير.
ويضيف المدير التنفيذي أن معجم الدوحة لا يكتفي بتعريف الألفاظ، بل يسهم في بناء ذاكرة الأمة الفكرية من خلال اللغة، بوصف كل مادة معجمية سجلا لمسار مفهوم وتحولاته في سياقاته المعرفية والثقافية والاجتماعية.
وفيما يلي نص حوار الدكتور عزالدين البوشيخي مع الجزيرة نت الذي يكشف فيه عن تفاصيل هذا المشروع العملاق، وكيف نجح في تجاوز العقبات التي واجهت المحاولات السابقة، ودوره في بناء "ذاكرة الأمة الفكرية" في العصر الرقمي.
استعملت كلمة "اكتمال" لوصف تحرير جميع مواد حروف معجم الدوحة التاريخي واعتمادها ونشرها، وللدلالة على أن المشروع بلغ مراحله النهائية، وأنجز بنيته التأسيسية الكبرى.
ويعني ذلك اكتمال تأريخ المداخل المعجمية الممتدة على مدى عشرين قرنا، وفق منهج موحد يتتبع الوحدة المعجمية منذ أقدم شاهد نصي موثق لها إلى أحدث استعمالاتها مبرزا تطورها الدلالي والصرف عبر العصور، بالاستناد إلى مدونة لغوية محوسبة ضخمة.
ولا يفهم هذا الاكتمال بوصفه توقفا عن العمل، بل انتقالا إلى مرحلة جديدة قوامها التحيين المستمر، ورصد الاستعمالات الحديثة، وتعميق البحث المعجمي، بما يجعل المعجم مشروعا حيا ومتجددا.
اكتمل تأريخ المداخل المعجمية الممتدة على مدى عشرين قرنا، وفق منهج موحد يتتبع الوحدة المعجمية منذ أقدم شاهد نصي موثق لها إلى أحدث استعمالاتها مبرزا تطورها الدلالي والصرف عبر العصور، بالاستناد إلى مدونة لغوية محوسبة ضخمة
ظل بناء معجم تاريخي للعربية متعثرا لعقود بسبب جملة من التحديات، أبرزها غياب المدونة اللغوية الشاملة، وتشتت الجهود، والاقتصار على جهود فردية أو مبادرات جزئية غير مكتملة، وانعدام الاستمرارية المؤسسية.
وقد نجح مشروع الدوحة في تجاوز هذه العوائق من خلال:
وبذلك انتقل المعجم التاريخي للعربية من حيز الفكرة إلى منجز علمي مؤسس وقابل للتطوير.
لا يكتفي معجم الدوحة بتعريف الألفاظ، بل يعمل على تأريخ الفكر العربي ذاته من خلال اللغة.
فكل مادة معجمية تمثل سجلا دقيقا لمسار مفهوم ما، يبين متى نشأ، وكيف استعمل، وكيف تحول دلاليا عبر الزمن، وفي أي سياقات معرفية واجتماعية وثقافية استعمل.
بهذا المعنى، يسهم المعجم في بناء ذاكرة الأمة الفكرية عبر اللغة، بوصفها الأداة التي تشكلت بها العلوم، والآداب، والمفاهيم الدينية والفلسفية والثقافية، وأنماط التفكير الحضاري.
لا يكتفي معجم الدوحة بتعريف الألفاظ، بل يعمل على تأريخ الفكر العربي ذاته من خلال اللغة، وتمثل البوابة الإلكترونية لمعجم الدوحة واجهة رقمية علمية متقدمة، تجمع بين الدقة المنهجية وسهولة الاستخدام
تمثل البوابة الإلكترونية لمعجم الدوحة واجهة رقمية علمية متقدمة، تجمع بين الدقة المنهجية وسهولة الاستخدام، ومن أبرز خدماتها:
اعتمد المعجم على تكامل واع بين الخبرة اللغوية البشرية والتقنيات الحديثة.
فقد أسهمت أدوات المعالجة الآلية في:
غير أن تحرير المداخل المعجمية وصياغة التعريفات واختيار الشواهد وتأريخها ظلت دائما من اختصاص الخبير اللغوي، بما ضمن التوازن بين سرعة الإنجاز ودقته، وجعل التقنيات الرقمية أدوات مساعدة لا بديلا عن المنهج العلمي.
يعكس عقد مؤتمر "الذكاء الاصطناعي وخصائص اللغة العربية" وعيا بأن مستقبل الصناعة المعجمية مرتبط بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
ونخطط لدمج هذه التقنيات في مجالات، منها:
وسيظل الذكاء الاصطناعي أداة معرفية مساعدة، تعمل ضمن الإطار المنهجي الذي يحكم المعجم.
نعم، فمعجم الدوحة التاريخي يوفر قاعدة بيانات لغوية فريدة: مهيكلة وموسمة ومؤرخة، وموثقة، وغنية بالعلاقات الدلالية.
وهذه الخصائص تجعل منه قاعدة بيانات مؤهلة لتغذية النماذج العربية للذكاء الاصطناعي، بما يسهم في تقليص الفجوة الرقمية مع اللغات العالمية، وتمكين العربية من الحضور الفاعل في تقنيات المستقبل.
يحدث المعجم نقلة نوعية في تدريس العربية وفهم نصوص التراث، لأنه يربط اللفظ بسياقه التاريخي الحقيقي، لا باستعماله المعاصر فقط.
وهو ما يتيح:
وبذلك يتحول المعجم إلى أداة تعليمية وبحثية مركزية.
يعد إصدار معاجم فرعية ضمن الأهداف المرسومة للمرحلة المقبلة، على أن تشكل مدونة معجم الدوحة التاريخي قاعدة انطلاق لمعاجم تخصصية متنوعة، تستند إلى المادة المؤرخة والمنهج التاريخي نفسه
نعم، يعد إصدار معاجم فرعية ضمن الأهداف المرسومة للمرحلة المقبلة، على أن تشكل مدونة معجم الدوحة التاريخي قاعدة انطلاق لمعاجم تخصصية متنوعة، تستند إلى المادة المؤرخة والمنهج التاريخي نفسه.
ويجدر التنبيه إلى أن المعجم قد أولى منذ بدايته عناية خاصة بالمصطلحات، إذ جرى توثيقها داخل مواده المعجمية مع تحديد مجالاتها المعرفية وتعريفها تعريفا علميا دقيقا، بما يوفر أساسا راسخا لتطوير هذه المعاجم التخصصية مستقبلا. وبذلك لا يفهم الاكتمال خاتمة للمشروع، بل بداية لأفق معجمي عربي جديد.
يوجه معجم الدوحة التاريخي رسالة واضحة إلى الأجيال الجديدة مفادها أن العربية لغة قابلة للبحث العلمي والتطوير، وأن الاشتغال المنهجي بتاريخها شرط أساس لاستئناف دورها في إنتاج المعرفة.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة