آخر الأخبار

هل ترمم عودة توت قلواك الثقة وتوازن السلطة بجنوب السودان؟

شارك

أجرى رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت الأسبوع الماضي تعديلات واسعة في حكومته شملت مواقع قيادية حساسة، أبرزها إعادة تعيين مستشاره السابق للشؤون الأمنية الجنرال توت قلواك بعد نحو عامين من إقالته.

وتأتي هذه الخطوة في توقيت داخلي وإقليمي دقيق، إذ خلّف غياب قلواك فراغا انعكس على أداء الحكومة وعلاقاتها الخارجية، مما جعل عودته تُقرأ كمحاولة لترميم الثقة وإعادة التوازن داخل هرم السلطة.

إقالة قلواك آنذاك جاءت نتيجة ضغوط سياسية من دوائر سعت لتوسيع نفوذها داخل الحكومة، لكنها عجزت عن سد الفراغ أو متابعة الملفات الحرجة التي كان يشرف عليها الرجل.

وخلال فترة عمله السابقة تولى ملفات بالغة الحساسية، أبرزها تنفيذ اتفاق السلام الموقع عام 2018 بين الحكومة والمعارضة المسلحة في الخرطوم، وهو ملف شهد تراجعا ملحوظا خلال غيابه، بما في ذلك اعتقال النائب الأول للرئيس رياك مشار وعدد من قياداته، ما أعاد التوتر وهدد بانهيار اتفاق أُبرم بوساطة إقليمية ودعم دولي واسع.

مصدر الصورة توت قلواك ونائب رئيس مجلس السيادة آنذاك محمد حمدان دقلو (الجزيرة)

ويُعد قلواك أحد مهندسي اتفاق سلام جوبا بين الحكومة السودانية وحركات الكفاح المسلح عام 2020، وهو إنجاز منح جنوب السودان مكانة إقليمية بارزة كوسيط فاعل في قضايا الاستقرار.

وتستند خبرته الطويلة في الخرطوم قبيل الانفصال، حين كان من القيادات السياسية والأمنية في حزب المؤتمر الوطني ، إلى قدرته على إدارة الملفات المشتركة بين البلدين، خصوصا العلاقات الثنائية المعقدة والمتشابكة أمنيا واقتصاديا.

وقد تزامن غيابه مع تدهور في العلاقات بين جوبا والخرطوم، بلغ ذروته بتوقف صادرات النفط وتبادل الاتهامات، ما يجعل عودته اليوم محاولة لإعادة فتح خطوط الحوار وإحياء دوره كقناة تواصل رئيسية بين العاصمتين.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي جنوب لام أن عودة قلواك تتجاوز كونها قرارا إداريا، فهي خطوة سياسية ذات أبعاد إقليمية واضحة، خاصة في ظل الحرب الدائرة في السودان واشتداد التنافس بين القوى الإقليمية، وعلى رأسها دول الخليج المهتمة بالنفط الجنوبي.

إعلان

وأضاف أن قلواك يمتلك شبكة علاقات تمتد بين الخرطوم وجوبا وبين قيادات متصارعة في السودان، ما يجعله "رجل التوازنات الصعبة وصانع الجسور بين الدولتين".

ويشير لام إلى أن الرئيس سلفاكير يعتمد على خبرة قلواك لإعادة فتح القنوات المغلقة مع الخرطوم وضمان استمرار تدفق النفط الذي تعتمد عليه البلاد اقتصاديا، مع الحفاظ على علاقات متوازنة مع الخليج.

لكنه حذر من أن "تشابك علاقات قلواك قد يثير حساسيات في الخرطوم إذا فُسرت تحركاته على أنها ميل نحو أحد أطراف الصراع"، معتبرا أن عودته "عودة لنهج التوازن الدقيق الذي ميز سياسة جوبا منذ تأسيس الدولة".

مصدر الصورة الهادي إدريس أحد قادة الحركات المسلحة يكرم المستشار توت قلواك لدوره في اتفاق سلام جوبا (الجزيرة)

ويؤكد مراقبون في جوبا أن إقالة قلواك قبل عامين لم تكن معزولة عن صراع التيارات داخل الحكومة والحزب الحاكم، حيث برزت دعوات لإبعاد الشخصيات المرتبطة بالإسلاميين أو بحزب المؤتمر الوطني.

كما ساهمت ملفات متشابكة داخل مؤسسة الرئاسة والأجهزة الأمنية في تعزيز هذا الصراع، ما أدى إلى إقصائه رغم علاقته الوثيقة بالرئيس سلفاكير.

بيد أن فشل من خلفوه في إدارة الملفات الحساسة دفع القيادة إلى إعادة النظر في القرار، لتجد في عودته الخيار العملي لاستعادة التوازن وإنعاش الملفات المتعثرة.

وقال ستيفن لوال نقور، عضو لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان القومي الانتقالي للجزيرة نت إن "إعادة تعيين توت قلواك مستشارا للشؤون الأمنية قرار إستراتيجي يعزز قدرة الدولة على توحيد القرار في هذا التوقيت الحرج".

وأضاف أن "كفاءته في إدارة الملفات التفاوضية وصناعة مسارات التهدئة ظهرت بوضوح في اتفاق سلام جوبا، ما يجعل عودته تجديدا لثقة القيادة السياسية في أدواتها الوطنية".

ورغم خبرته الطويلة، يواجه قلواك تحديات كبيرة في ظل تصاعد الحرب في السودان، إذ تعتبر بعض الدوائر أن علاقاته السابقة مع الإسلاميين قد تؤثر على حياده، كما تتزامن هذه المخاوف مع اتهامات متصاعدة حول دعم جوبا السري لقوات الدعم السريع ، ما يزيد الضغط عليه.

نجاح مهمة الرجل يتطلب إدارة دقيقة لهذه المخاوف، والحفاظ على ثقة الرئيس سلفاكير، واستثمار شبكة علاقاته مع الخرطوم لتفادي أي تصعيد يضر بالاستقرار السياسي والاقتصادي.

مصدر الصورة الرئيس كير يتوسط حمدوك والبرهان خلال انطلاق جولات التفاوض بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح بجوبا (الجزيرة)

وعليه، تأتي عودة توت قلواك في توقيت مفصلي كمحاولة لإعادة التوازن الداخلي والخارجي لجوبا، وتعزيز قدرة جنوب السودان على إدارة ملفات حساسة تتقاطع فيها المصالح الوطنية والإقليمية، بما في ذلك الأمن والاقتصاد وعلاقات النفط مع الخرطوم والدول الخليجية.

وبينما تترقب الأوساط السياسية والإقليمية خطواته المقبلة، يبقى الملف الأمني والسياسي في جنوب السودان مرتبطا بقدرته على التوفيق بين الضغوط المحلية والتحديات الإقليمية، بما يضمن استمرار الاستقرار النسبي وتحقيق أهداف السلام.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا