آخر الأخبار

نهر كونر.. عنوان جديد للتوتر بين باكستان وأفغانستان

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

أعلنت وزارة الطاقة والمياه في أفغانستان أن زعيم حركة طالبان الملا هبة الله آخوند زاده أصدر توجيها ببدء بناء سدود على نهر كونر، وذلك في ظل توتر حدودي مسلح مع باكستان .

وأثار الإعلان قلقا واسعا في باكستان لارتباط مياه كونر بالنظام المائي الذي يصل إلى البلاد عبر نهر كابل ثم إلى حوض السند، بينما أعادت الهند تأكيد استعدادها للدعم الفني والسياسي لمشروعات إدارة المياه الأفغانية، وتحول هذه التطورات ملف المياه إلى أداة نفوذ محتملة في معادلة إقليمية حساسة.

وقد جاء الإعلان بعد أيام فقط من اشتباكات حدودية دامية بين الجيشين الأفغاني والباكستاني، ليمنح المشروع طابعا سياسيا يتجاوز كونه مجرد خطوة تنموية.

مصدر الصورة (الجزيرة)

الأهمية الإستراتيجية لنهر كونر

ينبع نهر كونر من منطقة شيترال في باكستان، ويجري لمسافة 482 كيلومترا عبر ولاية كونر الأفغانية، ثم ينضم إلى نهر كابل قبل أن يعود إلى باكستان ويغذي نهر كابل الذي يتصل بحوض السند، لذا له دور حيوي ومهم في الري والتوليد الكهرومائي في شمال غرب باكستان.

ويمكن أن يؤثر احتياطي تدفق هذا النهر -رغم أنه أقل من روافد السند الكبرى- على حصص محلية مهمة لزراعات ومصانع في المناطق الحدودية الباكستانية، خاصة في فترات الشحّ والمواسم الحرجة.

وحسب مصادر باكستانية، فإن ما يقرب من 80% من الزراعة في إقليم خيبر بختونخوا الباكستاني يعتمد على هذا النظام النهري. وتستخدم أفغانستان حاليا حوالي 1.8 مليون قدم من المياه المشتركة، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم إلى 3.6 ملايين قدم بحلول عام 2030 مع مشاريع السدود الجديدة.

ووفقا لصحيفة باكستان أبزورفر، فإنه "إذا مضت أفغانستان قدما في بناء سدود رئيسية أعلى النهر، فقد ينخفض تدفق مياه حوض نهر السند في باكستان بنسبة تصل إلى 5%، مما يُؤثر سلبا على محاصيل الربيع والخريف".

وتضيف الصحيفة أنه "خلافا لمعاهدة مياه نهر السند (1960) بين الهند وباكستان، لا توجد اتفاقية رسمية لتقاسم المياه بين إسلام آباد وكابل، على الرغم من جولات المحادثات العديدة بين عامي 2003 و2014".

إعلان

وجدير بالذكر أن أفغانستان تواجه حاليا نقصا حادا في الكهرباء، وخاصة في فصل الشتاء، وتعتمد اعتمادا كبيرا على الدول المجاورة مثل إيران وأوزبكستان وطاجيكستان في توفير الكهرباء.

ويُعد سد نهر كونر أحد المشاريع الإستراتيجية للحكومة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة وتقليل الاعتماد على واردات الكهرباء.

مصدر الصورة نهر كونر يمر بالقرب من ممر لواري بمقاطعة خيبر بختونخوا في باكستان (شترستوك)

المياه بين التنمية والسيادة

ويقدم مشروع سد كونر في كابل بوصفه "تجسيدا لحق أفغانستان في استخدام مواردها الطبيعية"، وفرصة لإنهاء عقود من التبعية في مجال الطاقة. فالمسؤولون يرونه وسيلة لتوليد الكهرباء وري آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية في شرق البلاد، مؤكدين أن "أفغانستان لن تبقى بعد اليوم مجرد دولة منبع تُغذي جيرانها بالمياه بينما يعيش شعبها بين العتمة والعطش".

ويقول مراقبون إن دوافع المشروع تجمع بين "حسابات التنمية الداخلية" من جهة، و"الاعتبارات السيادية في مواجهة الضغوط الإقليمية" من جهة أخرى، في ظل التوتر المتصاعد مع الجوار الباكستاني.

وقد كشف وزير الطاقة والمياه في الحكومة الأفغانية عبد اللطيف منصور أن وزارته أجرت محادثات مع شركة صينية أبدت اهتماما بالاستثمار في سدود شال وساغي وسرتاق بولاية كونر، مشيرا إلى أن الجانب الصيني أعرب عن استعداده لتوقيع اتفاقية تعاون في أقرب وقت والبدء الفعلي في تنفيذ المشاريع.

وأوضح منصور أن "نهر كونر يمتلك كميات كافية من المياه لتوليد الطاقة الكهربائية" وأن بلاده "بحاجة ماسة لهذه الطاقة لدعم الاقتصاد الوطني"، مضيفا أن "بناء هذه السدود سيتيح لأفغانستان حتى تصدير الكهرباء إلى الدول المجاورة".

وشدد الوزير على أن "مياه نهر كونر ملك للشعب الأفغاني" وستُستخدم "لمصلحة البلاد"، مؤكدا أن المشروع "لن يضرّ أحدا، لأن المياه ستعود إلى مجراها الطبيعي بعد إعادة استخدامها، ولن تُحول عن مسارها".

ومن جانبه، يرى الخبير الاقتصادي أميد الله قاسم زاي أن بناء سد كهرومائي على نهر كونر "قد يُنهي اعتماد أفغانستان على واردات الطاقة، ويفتح الباب أمام استثمارات أوسع في قطاعات أخرى".

أما الدبلوماسي الأفغاني السابق لدى باكستان أحمد سعيدي فاعتبر في حديث لإذاعة دويتشه فيله الألمانية أن "الصين لن تُغامر بتنفيذ مشروع يضر بمصالح باكستان"، مشيرا إلى أن "حسابات بكين غالبا ما تراعي التوازن في علاقاتها مع الطرفين".

لكن الخبير الأمني نثار أحمد شيرزاي قدم قراءة مختلفة، إذ يرى أن "الصين تتحرك بدافع مصالحها الإستراتيجية" ولا تُعير التوترات بين كابل وإسلام آباد بشأن المياه اهتماما كبيرا، معتبرا أن "الملف المائي بالنسبة لبكين شأن اقتصادي أكثر منه سياسي".

مصدر الصورة عبد اللطيف منصور: نهر كونر يمتلك كميات كافية من المياه لتوليد الطاقة الكهربائية وأفغانستان بحاجة ماسة لهذه الطاقة (وكالات)

القلق الباكستاني

في المقابل، تنظر إسلام آباد إلى مشروع سد كونر بوصفه تهديدا مباشرا لأمنها المائي والغذائي، إذ تخشى أن يؤدي تخزين المياه في أعالي النهر إلى تقليص كميات التدفق نحو أراضيها الزراعية.

إعلان

ويزداد القلق في مقاطعة خيبر بختونخوا تحديدا حيث تعتمد أنظمة الري ومياه الشرب بدرجة كبيرة على تدفقات نهر كونر.

وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نشرت صحيفة "ذي نيشن" الباكستانية تقريرا حذرت فيه من "الآثار المدمرة المحتملة" لخطة أفغانستان الرامية إلى بناء سدود على أنهارها الشرقية، مشيرة إلى أن ذلك "قد ينعكس سلبا على إمدادات المياه والطاقة في باكستان".

ويُعقد الموقف غياب أي معاهدة رسمية تنظم تقاسم المياه بين البلدين، وذلك ما يجعل الملف مفتوحا أمام احتمالات التوتر، فكل سد يُقام في أعالي نهر كونر يعني بالضرورة "تدفقا أقل" نحو باكستان، ومن ثم نحو روافد نهر السند الذي تمثل مياهه شريان الزراعة الباكستانية.

وفي أول تعليق رسمي، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية طاهر أندرابي إن بلاده "تتابع عن كثب تفاصيل المشروع"، مؤكدا أن "الأنهار العابرة للحدود تخضع للقانون الدولي، وأن باكستان ستتعامل مع القضية وفق هذا الإطار".

وأضاف خلال مؤتمر صحفي في إسلام آباد أن موضوع سد نهر كونر ليس جديدا، بل يعود إلى عهد الملك ظاهر شاه والرئيس داود، مرورا بحكومتي الرئيسين حامد كرزاي و أشرف غني ، "ونحن نراقب التطورات المستجدة باهتمام".

وفي الداخل الباكستاني، تصاعدت التحذيرات الإعلامية، إذ وصفت بعض الصحف المحلية المشروع بأنه "قنبلة مائية موقوتة" قد تهدد حياة ملايين المزارعين، ودعت إلى فتح قنوات حوار عاجلة قبل أن "تتحول أزمة المياه إلى شرارة صراع جديد".

ويوضح الدكتور محمود خان، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد، أن القانون الدولي للمياه يقوم على مبادئ الاستخدام العادل والمعقول وعدم التسبب في ضرر جسيم، والتعاون المتبادل، مشددا على أنه "لا يمكن لأفغانستان بناء سدود كبيرة من طرف واحد على أنهار عابرة للحدود مثل نهر كونر".

أما التحليلات المحلية فتشير إلى أن إنشاء خزانات في أعالي المنبع قد يؤدي إلى تراجع التدفقات الموسمية التي تعتمد عليها مناطق زراعية شاسعة، وذلك ينعكس على الحصص المائية السنوية ومواسم الحراثة، بل حتى على الأمن الغذائي في البلاد.

وتقدر تقارير باكستانية أن التأثيرات المحتملة قد توازي خسارة مئات الآلاف من الأفدنة من المياه سنويا في فترات الجفاف وهي أزمة تتفاقم في ظل "غياب اتفاق مائي ثنائي" شامل بين كابل وإسلام آباد.

مصدر الصورة القلق في مقاطعة خيبر بختونخوا تحديدا يزداد حيث تعتمد أنظمة الري ومياه الشرب بدرجة كبيرة على تدفقات نهر كونر (شترستوك)

الهند على الخط

من جهتها، أبدت نيودلهي على لسان المتحدث الرسمي باسم خارجيتها راندهير جايسوال دعما غير مباشر لحق أفغانستان في استغلال مواردها المائية، مذكرة بسجل تعاونها السابق في بناء سد سلمى في هرات.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندي راندهير جايسوال إنه خلال زيارة وزير خارجية أفغانستان للهند مؤخرا، أصدر البلدان بيانا مشتركا أكد استعداد الهند لدعم جميع جهود أفغانستان الرامية إلى الإدارة المستدامة للموارد المائية، بما في ذلك مشاريع الطاقة الكهرومائية.

ورغم أن التصريحات الهندية اتسمت بالحذر الدبلوماسي، فإن إشاراتها كانت واضحة بأن الهند حاضرة ومستعدة لتقديم المساعدة التقنية والتمويلية إذا طلبت كابل ذلك.

لكن هذا الدعم الذي وصفته وسائل الإعلام الأفغانية بأنه "تنموي" قرأته باكستان على نحو مختلف تماما كإنذار جديد بأن النزاع على المياه قد يتحول إلى ساحة أخرى لتصفية الحسابات الجيوسياسية.

فالهند، التي طالما سعت لتوسيع نفوذها في أفغانستان عبر مشاريع مدنية وتعليمية، ترى في التعاون المائي فرصة لتعزيز حضورها في منطقة طالما شكلت ساحة نفوذ لباكستان.

أما إسلام آباد، فتنظر إلى كل دعم هندي لكابل كجزء من "سياسة تطويق" تحاصرها من الشمال والغرب، وتُضعف قدرتها على التحكم في محيطها الحيوي.

إعلان

ويرى الكاتب والأكاديمي الباكستاني الدكتور محمود خان أن قرار أفغانستان بخصوص بناء السد على نهر كونر ذو دوافع انتقامية وشبهه بالقرار الهندي باستخدام المياه وسيلة ضغط على باكستان بعد التوترات الحدودية.

ويقول الكاتب الأفغاني محمد مصعب -لموقع الجزيرة نت- إن الهند تدرك أن كل مشروع في أفغانستان تدعمه نيودلهي يحمل وزنا سياسيا مضاعفا، فالمياه مثل الجغرافيا ليست محايدة. ومن خلال دعم محسوب كهذا، تحاول الهند أن تؤكد حضورها كلاعب إقليمي لا يمكن تجاوزه.

بين التحديات والتفاهم

وفي خلفية هذا المشهد المائي المعقد، تتقاطع 3 عوامل أساسية ستحدد وجه الأزمة في المرحلة المقبلة:


* أولها، قدرة أفغانستان الفنية والمالية على تحويل القرار السياسي إلى واقع هندسي لأن نجاح كابل في إنجاز المشروع بقدرات محلية سيعزز صورتها كدولة قادرة على إدارة مواردها من دون الاعتماد الكامل على الخارج، أما إذا اضطرت إلى البحث عن تمويل خارجي، فقد تفتح الباب لتجاذبات سياسية جديدة مع الدول المانحة أو المجاورة.
* العامل الثاني، هو المناخ المتقلب في منطقة الهيمالايا وهندوكوش، حيث تتغير أنماط الأمطار وتذوب الكتل الجليدية بوتيرة مقلقة. وهذه التحولات تجعل كل مشروع مائي مخاطرة محسوبة، إذ قد يتحول التخزين المفرط أو سوء التشغيل إلى كارثة بيئية أو فيضانات عابرة للحدود.
* أما العامل الثالث، فهو غياب الإطار القانوني المنظم لتقاسم مياه الأنهار بين أفغانستان وباكستان. فحتى اليوم لا توجد معاهدة واضحة تحدد حقوق الطرفين في روافد نهر كابل ومنها نهر كونر، وذلك ما يجعل أي خلاف على المياه عالقا في منطقة رمادية لا تحكمها سوى الأعراف والنيات الحسنة، وهي عملة نادرة في الجغرافيا السياسية لجنوب آسيا.

وأمام هذه التحديات، يرى الخبراء أن الطريق ليس مغلقا تماما، بل يحتاج إلى شجاعة سياسية ورؤية إقليمية تتجاوز منطق الشكوك والتوترات التاريخية.

ويرسم المحللون سيناريوهين محتملين لمستقبل الأزمة، فإما أن يتحول مشروع سد كونر إلى عنوان جديد للمواجهة بين كابل وإسلام آباد، أو أن تدرك الدولتان أن لا منتصر في حروب المياه، فيشرعان في حوار جاد يضمن تقاسم الموارد بطريقة عادلة ومستدامة"، كما يقول الباحث الأفغاني عبد الغفار وطنمل.

ويضيف أنه إذا استثمرت شركات أجنبية في بناء سد كهرومائي على نهر كونر، فإن التوترات بين أفغانستان وباكستان ستزداد.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا دونالد ترامب أمريكا سوريا

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا