في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
ربط رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني نزع سلاح الفصائل المسلحة في البلاد بانسحاب كامل لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ، في تصريحات جاءت قبل أيام من الانتخابات البرلمانية، كاشفاً في الوقت ذاته عن توقيع عقود مع شركات أميركية كبرى في قطاعات الطاقة والنفط واستثمار الغاز.
وقد أثارت تصريحات السوداني تساؤلات عدة: هل تمثل أجندة انتخابية أم سياسة مستقبلية للحكومة في حال التمديد له؟ وما الرسائل التي تحملها هذه التصريحات للداخل والخارج، خصوصاً فيما يتعلق بحصر السلاح بيد الدولة؟ وما دلالة توقيع عقود مع شركات أميركية في توقيت تتحدث فيه واشنطن عن انسحاب قواتها من العراق ؟
وتأتي التصريحات في توقيت حساس، حيث تفصل أيام قليلة العراق عن انتخابات تشريعية تتشابك فيها قضايا محلية وإقليمية، ولا ينفصل عنها البعد الدولي.
ووصف الكاتب الصحفي المتخصص بالشؤون الأميركية حسين جرادي المرحلة الحالية بأنها "صراع الولاية الثانية" وأكد أن الصراع الانتخابي ليس بشأن عدد المقاعد بمقدار ما يدور حول مرحلة ما بعد الانتخابات.
وبناء على هذا الفهم، أعرب جرادي -في تصريحات لبرنامج ما وراء الخبر- عن قناعته بأن السوداني يسعى لولاية ثانية، وللبقاء في منصبه لا بد له أن يحظى برضا واشنطن وطهران رغم تراجع الدور الإيراني واندفاع الدور الأميركي. وبالتالي، يحاول طمأنة الطرفين عبر التصريحات المتوازنة.
وألا يستفز رئيس الحكومة -حسب جرادي- الفصائل حينما يدعو القوات الأميركية إلى الانسحاب، وفي الوقت ذاته لا يستفز واشنطن حينما يشير إلى أن ثمة طريقاً إلى السيادة يقتضي انسحاباً كاملاً للقوات الأميركية.
وأكد السوداني أن العراق تعهد بوضع جميع الأسلحة تحت سيطرة الدولة، لكن شدد على أن ذلك لن ينجح إذا بقي التحالف بقيادة الولايات المتحدة في البلاد، وشدد على أن خطة خروج التحالف الدولي لا تزال قائمة.
من جانبه، أوضح عميد كلية العلوم السياسية بجامعة النهرين الدكتور أسامة السعيدي أن رئيس الوزراء يبعث برسالة مفادها أن العراق وصل مرحلة متقدمة، وبالتالي فإن الأسباب التي أدت إلى وجود السلاح انتفت بزوال التنظيمات الإرهابية والقضاء عليها، وجدولة انسحاب القوات الأميركية.
ولفت إلى أن هذه الجهات ستكون منضوية ضمن مؤسسة الحشد الشعبي المعتمدة والرسمية والمشرّعة بموجب القانون، بما يعني أنها ستكون ضمن سقف الدولة والقانون وتأتمر بإجراءات العمليات المشتركة.
واستشهد السعيدي بما حدث عام 2014 حين اندفعت فصائل المقاومة لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية قبل فتوى "الجهاد الكفائي" ثم جاءت إجراءات الحكومة لتوحيد الجهود تحت سقف واحد، مما أسهم في تحرير الأراضي في أقل من 3 سنوات.
وعلى الجانب الآخر، حدد الكاتب والباحث في الشأن السياسي كاظم الحاج عوامل عديدة تدعو فصائل المقاومة إلى التمسك بسلاحها، وعدم الانخراط في حوار سياسي حول حصر السلاح بيد الدولة.
ومن هذه العوامل -وفقا للحاج- فإن الفصائل تعتبر استمرار وجود قوات أميركية على الأراضي العراقية على أنها قوات محتلة "إضافة إلى استمرار عمليات إرهابية والخطاب التحريضي ضد العراق من الداخل والخارج".
وحسب رأي الحاج، تستند الفصائل -في موقفها الرافض للتخلي عن سلاحها- إلى طبيعة الموقف العراقي الرافض للكيان الإسرائيلي الذي يُنظر إليه باعتباره كياناً مغتصباً لأرض فلسطين المحتلة، فضلاً عن التهديدات المستمرة التي تصل إلى العراقيين من هذا الكيان.
ويرى الحاج أن الواقعية السياسية التي تعاملت بها حكومة السوداني مع ملف وجود القوات الأميركية خلفت جواً إيجابياً بين فصائل المقاومة والحكومة، وانعكس على طبيعة الاستقرار خلال الفترة الماضية، خاصة في ظل المتغيرات التي شهدتها المنطقة.
وفي حال انسحاب القوات الأميركية المقرر نهاية سبتمبر/أيلول 2026 "سيكون هناك متغير كبير في رؤية فصائل المقاومة لكيفية التعامل مع سلاحها، لكن ذلك مرتبط بانتفاء كل الأسباب التي تدعو لبقائه" كما يقول الحاج.
وبالتزامن مع مطالبته بانسحاب القوات الأميركية، كشف السوداني عن توقيع عقود مع شركات أميركية في مجالات الطاقة وإنتاج النفط واستثمار الغاز، تزامناً مع توجيهه بإيقاف استيراد وقود البنزين والغاز والنفط الأبيض.
ومن وجهة نظر جرادي فإن السوداني يراهن على أن تتلقف واشنطن هذه الإشارة الاقتصادية بطريقة إيجابية "فهذا الانفتاح على الشركات الأميركية يسهم في تمكين وضعه لدى واشنطن ويطمئن الداخل العراقي بوجود فرص اقتصادية واعدة".
كما أن هذه العقود تعتبر رسائل واضحة إلى واشنطن بأن بغداد منفتحة اقتصادياً "رغم ما تُتهم به من ارتباطات وثيقة بالمحور الشرقي" وهي تندرج في سياق ما يسعى إليه رئيس الوزراء من توازن دقيق بين واشنطن وطهران.
ويتفق الأكاديمي السعيدي مع وجهة النظر هذه، مشيرا إلى أن فكرة رئيس الوزراء منذ توليه منصبه الحالي تتمثل في تحول العلاقة مع الولايات المتحدة من عسكرية أمنية مثيرة للجدل إلى اقتصادية وتجارية.
وتنسجم هذه الفلسفة مع عقلية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يبحث عن الاستثمار والمصالح الاقتصادية.
وفي السياق ذاته، يلفت الحاج إلى أن هذه العقود يجب أن تعتبرها الولايات المتحدة بوابة لإعادة تعريف العلاقة الاقتصادية مع العراق بما يخدم المصالح المشتركة.
وفي الوقت الذي تسعى فيه واشنطن لقطع أي إمداد مالي أو علاقات تجارية مع الجانب الإيراني، تأتي المشاريع العراقية مع الولايات المتحدة لتقليص اعتماد بغداد على الغاز الإيراني. ويلفت الحاج إلى أن الهدف العراقي النهائي هو الوصول إلى اكتفاء ذاتي في مجال الطاقة، وليس مجرد الاستبدال بين شريك وآخر.
المصدر:
الجزيرة