قال مراقبون إن التحولات الميدانية الأخيرة وسيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور، وتقدمها في عدد من محاور اقليم كردفان المجاور، ستقود إلى واقع جديد في السودان الذي يعيش حربا مدمرة منذ منتصف أبريل 2023.
ووفقا للمراقبين فإن الأهمية الاستراتيجية لإقليمي دارفور وكردفان اللذان يشكلان قرابة نصف مساحة السودان ونحو 30 بالمئة من سكانه، ويستحوذان على 35 بالمئة من موارده الاقتصادية، ستنقل الصراع إلى 3 جبهات متوازية لخصوها في الجانب العسكري والسياسي والمجتمعي.
ورسم المراقبون 3 سيناريوهات لمستقبل السودان في ظل التفاعلات السياسية والأمنية والاجتماعية المحتملة. وربطوا تلك السيناريوهات بمصير المساعي الدولية الحالية الرامية للوصول إلى حل سلمي للأزمة التي أدت إلى مقتل نحو 150 ألف شخص وتشريد 15 مليونا وأحدثت دمارا واسعا ببنية البلاد الاقتصادية والاجتماعية.
سيناريو التصعيد
يرجح مراقبون، أن تغذي التطورات الأخيرة في الفاشر المزيد من التصعيد العملياتي من الجانبين، وهو ما يعني اطالة أمد الحرب أكثر، وزيادة المعاناة الإنسانية في ظل تقارير أكدت أن أكثر من 30 مليون من سكان البلاد البالغ تعدادهم 48 مليون نسمة يحتاجون الى مساعدات انسانية عاجلة.
وبعد ساعات قليلة من سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، الأحد، ارتفعت النبرة التصعيدية في خطاب طرفي القتال.
وقال نائب قائد قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، في مقطع فيديو، نشرته قواته عقب السيطرة على مقر قيادة الجيش بالفاشر الأحد "تحريرنا للفاشر هو تحرير السودان، وصولاً إلى بورتسودان، نحن قادمون بزخم كبير".
وفي أول خطاب له بعد سقوط الفاشر، تعهد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الإثنين بـ"الاقتصاص" واستعادة المناطق التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع، وقال: "القوات المسلحة والقوات التي تساندها قادرة على تحقيق النصر.. التجارب التي خضناها في هذه الحرب مؤخرا تؤكد أننا نستطيع أن نقلب الطاولة في كل مرة ونستطيع أن نعيد كل أرض".
ويعبر آلان بوسويل، مدير قسم القرن الإفريقي في مجموعة الأزمات الدولية عن المخاوف التي ترجح احتمال التصعيد، بالقول: "لم نر أي مؤشر على أن قيادة قوات الدعم السريع راضية عن غرب السودان فقط.. لا يزالون يبدون وكأنهم يواصلون تصعيد هذه الحرب".
وبعد سقوط الفاشر بيوم واحد أعلنت قوات الدعم السريع الأحد السيطرة على منطقتين جديدتين على بعد بضع كيلومترات من مدينة الأبيض عاصمة إقليم كردفان والرابطة بين العاصمة الخرطوم والجزء الغربي من البلاد.
وقبل السيطرة على الفاشر بساعات حققت قوات الدعم السريع مكاسب في مدينة بارا الاستراتيجية، شمال كردفان، مما يجعلها على بعد ساعات من مدينة ام درمان الضلع الثالث للعاصمة السودانية.
ويتفق الباحث السياسي عماد أونسة مع ما ذهب إليه بوسويل ويقول لموقع "سكاي نيوز عربية": "الذي حدث في الفاشر يفتح شهية قوات الدعم السريع والمجموعات المسلحة المتحالفة معها في تحالف تاسيس للانفتاح شمالا وشرقا لان تجميع أكبر عدد من قواتها في الفاشر كان يعيق التقدم نحو المناطق الأخرى".
ويتوقع أونسة في الجانب الآخر، تصعيدا مماثلا من الجيش، ويوضح: "ليس بمقدور الجيش التراجع عن استعاده الفاشر وسيعمل على تحشيد محركاته لمحاصرة قوات الدعم السريع في المناطق الغربية ومنع تمددها نحو مناطق أخرى".
الاستجابة لدعوات الحل
في خضم التصعيد العملياتي الأخير، تزايد التفاؤل في أوساط السودانيين بإمكانية الوصول إلى وقف لإطلاق النار وهدنة إنسانية لمدة 3 أشهر يتم الدخول بعدها في عملية سياسية تفضي إلى حل نهائي بناء على الخطة التي أعلنتها المجموعة الرباعية في واشنطن في 12 سبتمبر.
وتراجعت حدة التفاؤل بعد تسريبات أشارت الى توقيع وشيك على اتفاق بين الطرفين، وهو ما اعاد إلى الأذهان سيناريو المحاولات الدولية العشر الفاشلة التي جرت منذ اندلاع الحرب.
لكن الكاتبة الصحفية صباح محمد الحسن تبدي تفاؤلها بإمكانية نجاح الجهود الدولية الحالية، وتقول إن تصريحات المسؤولين الأميركيين خلال الساعات الماضية، أكدت أن الولايات المتحدة ستمضي في اتجاه تنفيذ خطة الحل المطروحة من قبل المجموعة الرباعية التي تشارك فيها وتضم أيضا دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر.
وأوضحت الحسن لموقع "سكاي نيوز عربية": "استمرار قادة الجيش في الانصياع لرغبة تنظيم الإخوان الرافضة لوقف الحرب سيدفع أميركا نحو خيارات أخرى كشف عنها مستشار ترامب للشؤون الإفريقية والعربية، مسعد بولس، في تصريحات إعلامية عندما أكد أنه في حال أي رفض لخطة الرباعية من أيا من طرفي الصراع فإن أميركا لن تتأخر في اتخاذ الإجراءات المتاحة".
خطر التقسيم
يعبر مراقبون عن مخاوفهم من أن يؤدي رفض جهود الحل السلمي إلى الحاق اضرار كبيرة بالبلاد، ويقود إلى تقسيم جديد، بعد انفصال الجنوب في عام 2011، خصوصا في ظل انسدادا الأفق السياسي وتزايد خطاب الكراهية في بلد تعيش فيه أكثر من 220 اثنية.
وفي هذا السياق، ينبه الكاتب الصحفي ماهر أبو الجوخ إلى أن المدنيين كانوا دوما ضحايا للحرب منذ بدايتها، في إشارة إلى ما حدث من قبل في الجزيرة والخرطوم على يد مقاتلين من الجيش والقوات المتحالفة معه.
ويقول إن ما تكرر مجدداً في الفاشر وبارا على يد مقاتلين من الدعم السريع سيستمر طالما استمرت الحرب.
وتتزايد المخاوف أكثر في ظل اتهام كل طرف من طرفي الحرب للآخر بارتكاب انتهاكات على اساس عرقي وجهوي.
وبالتزامن من انتشار مقاطع فيديو تعزي ارتكاب قوات الدعم السريع لانتهاكات كبيرة ضد المدنيين في الفاشر وفي بارا يومي السبت والأحد، نشرت منصات أخرى خلال الساعات الماضية العديد من مقاطع الفيديو والصور التي تشير الى انتهاكات عرقية وجهوية مرتكبة من مقاتلين في الجيش منذ بداية الحرب.
المصدر:
سكاي نيوز