طرح مقال بمجلة لوبوان سؤالا عما إذا كان قمع الأحزاب السياسية هو الحل للأزمة السياسية الحالية في فرنسا ، وهو ما ينسجم مع فكرة الفيلسوفة سيمون فايل.
واختار جوزيف لو كور قراءة فكرة سيمون فايل الثورية التي دعت عام 1950 إلى إلغاء الأحزاب السياسية، معتبرة إياها "سُم الديمقراطية" ومصدر الانحراف عن الحقيقة والعدالة.
وكان النصّ، الذي كتبته الفيلسوفة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية ونُشر بعد وفاتها، يقدم نقدا جذريا لروح التحزب التي تُفسد البحث عن الحقيقة وتحوّل السياسة إلى صراع مصالح، وفقا لرؤيتها.
فايل: الأحزاب السياسية "سُم الديمقراطية" ومصدر الانحراف عن الحقيقة والعدالة.
ففايل ترى أن الأحزاب ليست أدوات ديمقراطية، بل "كيانات منظمة علنا لقتل الإحساس بالحقيقة والعدالة في النفوس"، كما أن الانتماء إلى حزب معين يُجبر الفرد على الكذب، لأنه لا يستطيع أن يكون مخلصا في الوقت نفسه للحقيقة و"لخط الحزب"، مما يعني أن الانضباط الحزبي ينتج عنه الولاء الأعمى، وبالتالي فهو يقضي على التفكير الحر.
وتنتقد فايل ما تسميه "انقلاب العلاقة بين الغاية والوسيلة"، موضحة أن الأحزاب التي وجدت أصلا لخدمة الصالح العام، صارت غايتها الأولى النمو والبقاء في السلطة، وبذلك فإن السياسة تتحول من سعي نحو الحقيقة والعدل إلى مجرد صراع من أجل النفوذ، حيث "الغاية تنسى والوسيلة تُؤلَّه"، وهو ما تعتبره فايل شكلا من الوثنية السياسية.
فايل: الانتماء إلى حزب معين يُجبر الفرد على الكذب، لأنه لا يستطيع أن يكون مخلصا في الوقت نفسه للحقيقة و"لخط الحزب"
لكن طرح فايل يقابله، حسب لو كور، موقف الفيلسوف النمساوي هانس كلسن، الذي يرى في كتابه: (الدمقراطية، طبيعتها وقيمتها 1932) أن "الديمقراطية الحزبية" ضرورة، إذ تتيح للأفراد التأثير في الحكم عبر تنظيم أنفسهم في أحزاب تعبّر عن مصالحهم.
وهذا ما ترفضه فايل، المتأثرة بالفيلسوف وعالم الاجتماع السويسري الفرنسي جان جاك روسو، إذ ترى أنه يخضع لمنطق المصالح في حين تؤمن هي بـ"الإرادة العامة" التي تتجسد في العقل الجماعي لا في الأهواء الجماعية، حسب قول لو كور.
وتدعو الفيلسوفة إلى "المرونة بدل الدوغمائية" التي تعد حالة من التمسك الشديد بأفكار ومعتقدات معينة، لدرجة رفض أي رأي أو فكرة مخالفة، أي أن فايل تدعو إلى تكوين جماعات فكرية غير جامدة، تحافظ على حرية التفكير والحوار، بعيدا عن الانغلاق الحزبي، وكما يوضح الفيلسوف الفرنسي المختص في فكر فايل، روبير شينافييه، فإنّ الديمقراطية الحقيقية لا تقوم على تبادل الشعارات، بل على "ممارسة التفكير" عبر الصمت والوقت والانتباه، على حد تعبيره.
ويُذكّر لو كور بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، الذي أعلن إعجابه بسيمون فايل، حاول في بدايات حكمه تجسيد هذا التصور عبر حركة "إلى الأمام" التي تجاوزت الأحزاب التقليدية، لكنه، مثل غيره، انتهى إلى جعل السلطة غاية بحد ذاتها، متخليا عن مبادئه الإصلاحية، وفقا للكاتب.
وكمثال على ذلك، يقول الكاتب، إن ماكرون اختار التخلي عن إحدى الحقائق القليلة التي آمن بها والتي انتُخب على أساسها عام 2022 وهي إصلاح نظام التقاعد، وهكذا، لم تعد سلطة ماكرون وسيلة لتحقيق غاية، بل أصبحت غاية بحد ذاتها، وفقا للكاتب.
وهنا يلخص الكاتب مقاله بما قاله جاك جوليارد، وهو أحد أبرز المتخصصين في فكر فايل، بأنه يجب فهم دعوة الفيلسوفة إلى أنها تروج لــ "إلغاء الأحزاب" كفكرة تنظيمية مثالية لا كأمر سلطوي، فهي دعوة إلى تجاوز التحزب نحو ديمقراطية روحية وعقلانية يكون فيها التفكير، لا الولاء، هو معيار الفعل السياسي، على حد قول لو كور.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة