وزير النقل كامل الوزير يقول خلال مؤتمر صحفي إن إعادة إعمار قطاع غزة مسؤولية إنسانية وأخوية pic.twitter.com/oynxh0fh0a
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) October 16, 2025
القاهرة- يتنفس الناجون الصعداء وسط ملايين الأطنان من الركام، هكذا بدا المشهد في غزة مع إعلان وقف الحرب التي استمرت طيلة عامين وأسفرت عن سقوط عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، فضلا عن تدمير غالبية بيوت السكان والبنى التحتية للقطاع.
ذلك الكم الهائل من الدمار جعل التطرق لإعمار غزة أمرا ملحا خلال قمة السلام التي انعقدت في مدينة شرم الشيخ المصرية قبل أيام، لتوقيع وثيقة دعم اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع.
ودعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نظيره الأميركي دونالد ترامب لرعاية ودعم بلاده المؤتمر الدولي المزمع عقده في القاهرة لإعادة إعمار قطاع غزة.
من جانبه، تطرق ترامب للحديث عن الدمار والإعمار خلال كلمته التي ألقاها في قمة السلام، وأثناء رده على أسئلة الصحفيين على متن طائرة الرئاسة الأميركية ، واصفا قطاع غزة بـ"موقع هدم"، مضيفا أن عمليات إزالة ركام المباني المدمرة "ستبدأ فعليا على الفور تقريبا".
وأشار ترامب إلى تدفق كبير للأموال من بلدان وصفها بالغنية والقوية لدعم جهود إعادة إعمار القطاع.
ومن المقرر أن تستضيف القاهرة مؤتمرا دوليا يهدف لإعادة الإعمار والتنمية بالقطاع، في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ويتوقع أن تستكمل القوى الدولية التي ضمنت اتفاق وقف العدوان دورها في خطط الإعمار.
ووفق المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، دمَّرت إسرائيل 300 ألف وحدة سكنية بشكل كلي و200 ألف جزئيا، وأخرجت 25 مستشفى عن الخدمة من أصل 38 مؤسسة علاجية، إضافة لتدمير 103 مراكز للرعاية الصحية الأولية، كما تضررت 95% من مدارس القطاع، فضلا عن خروج 85% من مرافق المياه والصرف الصحي عن الخدمة.
وقال المسؤول في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، جاكو سيلييرس، إن التقديرات تشير إلى أن العدوان الإسرائيلي خلَّف وراءه ما لا يقل عن 55 مليون طن من الأنقاض في القطاع تم إزالة 81 ألف طن منها.
وأضاف سيلييرس، خلال مؤتمر صحفي عقد في جنيف في اليوم التالي لقمة شرم الشيخ، أن هناك دولا، بينها أميركا و كندا ، أعطت إشارات واعدة على استعدادها للمساهمة في تكلفة إعادة إعمار غزة المقدرة بنحو 70 مليار دولار، متوقعا أن يستغرق الإعمار عقدا أو عقودا من الزمن.
وفي فبراير/شباط الماضي، قدّر تقرير مشترك بين الاتحاد الأوروبي و البنك الدولي و الأمم المتحدة ، تكلفة الإعمار بنحو 53 مليار دولار.
وتوقع التقرير أن تستلزم الاحتياجات قصيرة الأجل لعملية الإعمار في السنوات الثلاث الأولى نحو 20 مليار دولار، بينما تتطلب 53.2 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة، ويضاف إليها 19.1 مليار دولار أخرى لتعويض الخسائر الاجتماعية والاقتصادية.
إلى ذلك، اعتمدت جامعة الدول العربية و منظمة التعاون الإسلامي ، في مارس/آذار الماضي، خطة تهدف لإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين منها، ويستغرق تنفيذها 5 سنوات، بتكلفة نحو 53 مليار دولار.
بالتزامن مع قمة السلام بمدينة شرم الشيخ المصرية، كانت مقاطعة ويست سوسكس البريطانية تشهد انعقاد مؤتمر لبحث آليات التمويل المبتكرة لإعمار غزة.
وشارك في المؤتمر-الذي عقد الاثنين الماضي واستمر 3 أيام- مسؤولون من دول عدة، بينها مصر و السعودية و الأردن و ألمانيا و إيطاليا و السلطة الفلسطينية ، فضلا عن ممثلين لمؤسسات مالية عالمية منها البنك الدولي والبنك الأوروبي.
وذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية أن المخرجات الفنية للمؤتمر المنعقد في بريطانيا تساهم في إثراء مؤتمر القاهرة الذي سيعقد الشهر المقبل.
وفي بيان له، قال وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط بالخارجية البريطانية هاميش فالكونر "يجب أن نكون مستعدين للتحرك، لإزالة الركام، وإعادة بناء المنازل، وإنشاء البنى التحتية، واستعادة إمكانية الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية"، متوقعا أن تستغرق المهمة سنوات وتكلّف مليارات الدولارات.
وتوقعت صحيفة التايمز البريطانية أن تستثمر قطر مبالغ ضخمة في غزة، سواء عبر مؤسسات الدولة أو صناديق الاستثمار الخاصة، فضلا عن استثمارات إماراتية بشراكة مصرية.
وأشارت الصحيفة -في تقرير لها- إلى الدور المتوقع من قبل بريطانيا و الولايات المتحدة في الإعمار إلى جانب تركيا التي لديها خبرة في إعادة إعمار سراييفو .
من جانبه، ربط أستاذ العلوم السياسية، خيري عمر، بين الاستقرار الأمني والسياسي بقطاع غزة وإنجاز عمليات الإعمار، وقال للجزيرة نت إن من الضروري ضمان الترتيبات الانتقالية لإدارة القطاع، لافتا إلى خلاف بين واشنطن من جانب والوسطاء العرب وتركيا من جانب آخر حول شكل الإدارة المستقبلية لغزة.
وأوضح عمر أن عملية إعمار القطاع تستلزم تحقيق السلام الإقليمي وتسارع مشروع إقامة الدولة الفلسطينية وضمان حقوق الفلسطينيين بما تشمله من حق العودة ووضع القدس ومسألة الحدود.
ويرى أن ضمانات حماية الإعمار مسألة في غاية الأهمية، قائلا "من حق الأطراف المانحة أن تضمن عدم اندلاع حرب أخرى على المدى القصير لأن ذلك يطيح بسياسة الإعمار"، معتبرا أن المؤتمر خطوة لتهيئة مناخ وضمانات الإعمار.
وعن نماذج مشابهة لمدن تعرضت للدمار وتم إعمارها، قال عمر إن أبرز نموذج بهذا الصدد هو مشروع مارشال الأميركي الذي استهدف إعادة إعمار مدن أوروبية عقب الحرب العالمية الثانية .
وأضاف "كان هناك تعاون أميركي أوروبي لنجاح المشروع، بينما الوضع في غزة معقد ويرتبط بصراع حضاري وتداخل سكاني، فضلا عن كون أطراف المشكلة خارج حدود المنطقة وغير متوافقة على شكل الإدارة".
"من المنصف أن يتحمل الطرف المسؤول عن الهدم إعادة البناء"، يقول أستاذ الاقتصاد السياسي والتنمية المستدامة، مصطفى يوسف، مجيبا عن تساؤل حول الموضوع، ويستدرك "لكن الأمور مع الأسف تسير بشكل غير منصف".
وأوضح يوسف للجزيرة نت، أن دول الخليج ستتحمل غالبية تكلفة الإعمار بفعل ضغوط من الرئيس الأميركي، متوقعا أن يحتاج القطاع لنحو 10 مليارات دولار كمرحلة أولية لاستعادة جزئية للبنى التحتية، بينما تتطلب باقي المراحل نحو 50 مليار دولار.
ورجَّح أن تستغل واشنطن عملية الإعمار لمنح شركات بناء أميركية عقودا كما فعلت في العراق ، متوقعا أن تكون هناك محاولات سياسية من جانب الدوحة و أنقرة لضمان الشفافية.
بلدية غزة بالتعاون مع اللجنة القطرية لإعادة الإعمار تشرع في إزالة الركام وفتح الطرقات الرئيسة شرقي مدينة غزة.. مراسل الجزيرة شادي شامية يرصد لنا العملية
#الأخبار pic.twitter.com/3uOMdsTqt9— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 14, 2025
وتابع يوسف "لو جرت مناقصات بشفافية فلن يقع الاختيار على شركات أوروبية أو أميركية؛ لأنها دائما ما تقدم عروضا باهظة التكلفة في المقابل تطرح الصين عادة عروضا أرخص".
وأشار إلى دور مصر والأردن في ضخ العمالة اللازمة للإعمار، واستنكر في الوقت نفسه أن تشارك دول في الإعمار رغم ضلوعها في عمليات الإبادة داخل القطاع مثل ألمانيا.
واختتم الخبير الاقتصادي حديثه بأهمية أن يحصل المانحون على تعهدات وضمانات بعدم عودة الحرب "فمن غير المعقول أن تدفع دول مليارات الدولارات ثمنا للبناء ثم تقوم آلة الحرب الإسرائيلية بالهدم".