منذ منتصف سبتمبر/أيلول 2025، بدأت حسابات شبابية في المغرب على منصّتي تيك توك وإنستغرام نشر مقاطع قصيرة تحمل عبارات مثل: "جيلنا ما يسكتش"، مرفقة بصور مولَّدة بالذكاء الاصطناعي تُظهر جموعاً من الشباب يرفعون لافتات رقمية.
وخلال أيام قليلة، انتشر وسم #GenZ212 وتحول إلى شعار لجيل كامل يطالب بأن يُسمع صوته. وسرعان ما انضمت صفحة Morocco Youth Voice، التي تضم عشرات الآلاف من المتابعين، لتعلن عن "يوم غضب وطني" في 27 سبتمبر/أيلول، داعيةً الشباب للنزول إلى الشارع بشكل سلمي في مختلف المدن المغربية.
اللافت أن الاستجابة لم تقتصر على شباب الرباط أو الدار البيضاء، بل امتدت سريعاً إلى مدن أصغر حيث أعاد طلاب الثانويات والجامعات نشر المقاطع والدعوات عبر مجموعات ديسكورد وواتساب.
وهكذا، وجد المغاربة أنفسهم أمام حركة احتجاجية لا تقودها أحزاب ولا تُنظِّمها نقابات، بل وُلدت من رحم الهواتف والشاشات، وانتقلت بسرعة البرق من العالم الرقمي إلى الشارع.
في البداية، بدت الدعوات أشبه بموجة رقمية عابرة، لكنها سرعان ما تحولت إلى واقع ملموس. ففي الدار البيضاء، تداول طلاب الجامعات مقاطع فيديو صادرة عن حسابات شبابية مجهولة، تحدد مواعيد وتوقيت التجمعات، مرفقة بخرائط بسيطة توضّح أماكن الانطلاق.
وفي مراكش، أعاد ناشطون محليون نشر تصاميم رقمية تحمل شعارات لافتة مثل "مستقبلنا مش للبيع" و "فلوسنا للمدارس مش للملاعب". في إشارة إلى استضافة البلاد إلى بطولتي كأس الأمم الأفريقية في نهاية العام الجاري وكأس العالم 2030.
أما في إنزكان وأيت عميرة، فقد لعبت مجموعات واتساب المدرسية دورًا رئيسيًا، حيث تداول التلاميذ الدعوات كما لو كانت رسائل يومية عادية بين الحصص، حتى إن بعض الأساتذة فوجئوا بانتشارها داخل الصفوف.
اللافت أن التجاوب لم يقتصر على المراهقين أو طلاب الجامعات، بل شمل أيضًا عائلات فقدت ثقتها في وعود الإصلاح. فقد شارك آباء وأمهات أبناءهم في إعادة نشر المقاطع، مؤكدين استعدادهم للنزول معهم إلى الشارع، ليس بدافع التضامن فحسب، بل لأنهم هم أيضًا يعانون من تداعيات تردي الخدمات الصحية والتعليمية.
وهكذا، وفي غضون أيام قليلة، لم تعد الحركة مجرد صرخة على الإنترنت، بل تحولت إلى موعد جماعي يترقبه الشارع المغربي بأكمله.
لم يكن نزول جيل Z المغربي إلى الشوارع وليد لحظة عابرة، بل نتيجة تراكم طويل من الإحباطات بلغ ذروته مع ما عُرف بـ"مأساة أغادير"، حين فقدت ثماني نساء حياتهن أثناء الولادة في مستشفى عمومي.
على تويتر كتب أحدهم: «ثماني نساء يمتن في مستشفى عمومي؟! هذا مش بلد، هذا عار»، فيما علّقت أم على فيسبوك: «لو بنتي مرضت غدوة، واش نديها للمونديال باش يداويوها؟».
وعلى إنستغرام، تداول الطلاب صورة لمدرسة آيلة للسقوط مرفقة بتعليق ساخر: «مستقبلنا ينهار».
وسرعان ما انتشر على وسائل التواصل شعار ساخر بمرارة: «الملاعب موجودة.. لكن فين السبيطار(المستشفى)؟».
ففي قلب الشعارات التي رفعتها مظاهرات جيل Z يبرز سؤال واحد: "أين تُصرف أموال المغاربة؟ فبينما تنهار المستشفيات وتكتظ المدارس، تتجه مليارات الدراهم نحو مشاريع الملاعب والتحضيرات الرياضية".
فقد أعلن المغرب عن خطة إنفاق ضخمة استعدادًا لكأس الأمم الأفريقية 2025 وكأس العالم 2030، إذ تُقدَّر الاستثمارات الحالية لتجديد الملاعب وتطويرها بما يزيد على 9.5 مليار درهم. وتذهب التقديرات أبعد من ذلك، إذ تشير مقترحات حكومية إلى تعبئة ما يقارب 25 مليار درهم لبناء ملاعب جديدة ومراكز تدريب، بتمويل جزئي عبر الديون أو شراكات خاصة.
ومع الإعلان عن استثمارات بمليارات الدراهم في الملاعب استعدادًا للمونديال، انتشر هاشتاغ #فين_السبيطار. وجاء أحد التعليقات الغاضبة: «ملايين الدراهم لملعب جديد، بينما مستشفى المدينة ما فيه حتى سرير إنعاش واحد». وعلى تيك توك، راج ميم لملعب ضخم فوقه لافتة «قسم الولادة» مع تعليق ساخر: «هنا تولدوا أولادكم في 2030».
وبين السخرية والغضب، دوّن أحدهم تعليقًا أكثر اعتدالًا على تويتر: «أنا مش ضد الكورة، لكن قبل ما نفكر نربح كأس العالم، لازم نربح كرامة المواطن».
رغم الطابع السلمي الغالب، تحولت بعض المسيرات إلى مواجهات. على إنستغرام نشرت فتاة مقطعاً من قلب المسيرة تقول فيه: "إحنا نزلنا نهتف ونغني، اللي يرمي حجر ما يمثلناش". في المقابل، كتب شاب آخر: «العنف يولّد العنف، لكن بصراحة الضغط خلى الناس ينفجروا". وعلّق ناشط حقوقي على تويتر: "السلطة نفسها اللي تدفع الناس للعنف، ومع ذلك الشباب متشبتين بالسلمية".
لاقت احتجاجات شباب المغرب تفاعلاً واسعًا داخل البلاد وخارجها.
وكان لافتًا حجم الدعم الذي أبداه كثيرون للمتظاهرين ومطالبهم، التي وصفها المعلقون بأنها "شرعية"، إذ إن محاربة الفساد وتوفير بنية تحتية آدمية تُعَدّ مطالب طبيعية، على حد تعبير فريق من المعلقين الذين أثنوا على "النضج المبكر" للشباب.
كما وجّه فريق آخر انتقادات حادة إلى تعامل قوات الأمن مع المحتجين، حيث نددت تغريدات عديدة بما وصفته بـ"وحشية قوات الأمن"، محذّرة من أنها قد "تجر البلاد إلى دوامة من العنف".
ولم تقتصر ردود الفعل على الداخل المغربي، بل أثارت المظاهرات اهتمام متابعين من خارج البلاد. فقد تساءل البعض عمّا إذا كانت هذه الاحتجاجات قد تشكل الشرارة لربيع عربي جديد، فيما شبّه آخرون مظاهرات المغرب بالاحتجاجات التي شهدتها نيبال. ورأى معلقون أن ما يحدث في المغرب "ليس استثناءً، بل جزء من موجة عالمية يقودها جيل Z، جيل تربى على الشبكات الرقمية ويرفض أن يُترك على الهامش".
وانتشر ميم عالمي يصور شبابًا من دول مختلفة تحت شعار: «Different flags, same fight» (أعلام مختلفة، ومعركة واحدة).
في المقابل، برز فريق من المعلقين عارض المظاهرات بحجة "ما قد تسببه من فوضى"، رغم إقرارهم في الوقت نفسه بـ"تدهور الأوضاع المعيشية في المغرب".