في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
ضمن المبادرات المجتمعية الدولية الكبيرة للتضامن مع شعب فلسطين في وجه الإبادة الجماعية التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي ، تأتي قافلة أسطول الصمود العالمي -التي ضمت الكثير من الناشطين والشخصيات الهامة من مختلف أنحاء العالم- لتساهم في مساعي حركة التضامن مع قطاع غزة وكسر الحصار الذي فرضته حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتيناهو المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية .
وينظر إلى أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار عن غزة بأنه حالة ثقافية عابرة للحدود الجغرافية والانتماءات السياسية والأيدلوجية، وهو يساهم في مشروعية المقاومة أخلاقيا وثقافيا دفاعا عن الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته.
وحول القيمة التضامنية والضغط العالمي الذي تشكله قافلة الصمود لكسر الحصار عن قطاع غزة، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية تحت عنوان " أسطول الصمود العالمي: السردية الشارحة الكبرى لمقاومة الإبادة في غزة " للباحث الدكتور محمد الراجي.
وتطرقت الورقة إلى إستراتيجية إسرائيل في المنطقة من خلال النزعة التوسعية التي تهدف إلى إقامة إسرائيل الكبرى، وتجاوزها لكل الخطوط لتشكل نموذجا مطلقا للشر.
وحاولت الورقة أن تقدم قراءة لما وراء تحرك أسطول الصمود العالمي، وكيف يؤثر في تغيير منظور فئات واسعة من الرأي الدولي تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ساهم أسطول الصمود العالمي -الذي انطلق من موانئ عالمية متعددة- في إعادة الزخم العالمي لحركة التضامن الإنساني الدولي مع الشعب الفلسطيني.
ويكشف هذا الزخم التضامني مع غزة تعاظم قوة الرأي العام الدولي طوال فترة الحرب، واتساعَ أنشطته الاحتجاجية لفئات وحركات مختلفة، اجتماعية وحقوقية ونقابية وأكاديمية وفنية، رفضا للإبادة الجماعية المتوحشة.
ولقد بات الرأي العام العالمي يدرك أن النزعة التوسعية لإسرائيل هي المشروع الذي يعتبره قادتها مهمة تاريخية وروحية، ويقوم على إنهاء الوجود الفلسطيني وطمس هويته التاريخية عبر السياسة الاستعمارية التي يتَّبعها الاحتلال في ضمّ الأراضي الفلسطينية، وتَهْوِيد المقدسات الدينية، و التطهير العرقي .
وفي هذا السياق، أصبحت فئات واسعة من الرأي العام الغربي أساسا -ولا سيما الشباب- تُقرّ بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، بل وتُؤيِّد فصائل المقاومة الفلسطينية، ومنها حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) في مواجهة إسرائيل وحرب الإبادة الجماعية التي تشنها ضد الفلسطينيين، وهو ما يُضفي المشروعية المجتمعية والسياسية على المقاومة في صراعها المسلح مع الاحتلال من أجل تحقيق الاستقلال، وإقامة الدولة الفلسطينية.
وقد أظهر استطلاع للرأي، أجراه مركز الدراسات السياسية الأميركية بجامعة هارفارد "سي إيه بي إس" (CAPS) أن الفئة العمرية من الشباب الأميركي، الذين ينتمون للحزب الديمقراطي، يُؤيدون حركة حماس في سياق الصراع مع إسرائيل بنسبة 60%، كما أن 71% من هذه الفئة العمرية لا يُوافقون على سلوك إسرائيل في هذا الصراع.
ويُعارض 57% منهم الدعم العسكري الذي تُقدِّمه الولايات المتحدة لإسرائيل، في حين يقول ما يقرب من نصف البالغين البريطانيين إن إسرائيل تُعامِل الفلسطينيين كما عامل النازيون اليهودَ في "الهولوكوست".
من 44 بلدا، انطلق أسطول الصمود العالمي -الذي يتألف من اتحاد أسطول الحرية، وحركة غزة العالمية، وقافلة الصمود، ومنظمة صمود نوسانتارا الماليزية- ليسرد قصة كبرى عن التضامن الإنساني العابر للحدود والقارات مع قطاع غزة التي تشن عليه إسرائيل حرب إبادة جماعية تجاوزت جميع أشكال الوحشية.
ويعكس هذا التحرك تحولا في وعي الرأي العام العالمي ويقظته تجاه ما يجري من عنف، ولا سيما في ظل استمرار الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في القطاع دون ملاحقة المسؤولين المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية.
ولم يعد الرأي العام الدولي يتحمَّل بشاعة هذه الجرائم، وكذلك عجز المؤسسات الدولية عن وقف الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وبدأ يعرف نمط الاحتلال الإسرائيلي الذي ظل يقدم نفسه على أنه ضحية للهجمات الفلسطينية وأن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن النفس .
ويرى هذا الرأي العام الدولي أن إسرائيل ترتكب اليوم "جريمة الجرائم" على الهواء مباشرة، وهو الوصف الذي كانت أطلقته محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية على أحداث الحرب في يوغسلافيا ورواندا.
لكنه في الواقع تبدو "جريمة الجرائم" أو "أم الجرائم"، التي تُنفِّذها إسرائيل في قطاع غزة أكثر توحشا، إذ لم يُعْرَف مثلها في التاريخ الحديث، فقد اشتملت على جميع أنواع الإبادة (الجسدية، الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية، البيولوجية، الثقافية، الدينية، الأخلاقية، المكانية، الصحية، الإعلامية…).
وأصبحت هذه الإبادة المتوحشة، التي تدمّر في طريقها كل شيء بالقطاع، التمثيل الرمزي المهيمن للشر في الربع الأول من القرن الـ21، وهو ما يسمّيه الفيلسوف طه عبد الرحمن "الشر المطلق".
وفي هذا السياق، جاء أسطول الصمود العالمي ليمثل القوة الأخلاقية لاستعادة قوة القانون بدل قانون القوة، ووضع حد لما تعتقده إسرائيل بأن "ما لا يتحقق بالقوة يتحقق بالمزيد من القوة" (الإبادة المتوحشة).
واستطاع أسطول الصمود العالمي أن يبرز ثنائية "العزلة السياسية والدبلوماسية لإسرائيل" التي أصبحت محاصرة ومنبوذة سياسيا في علاقاتها الخارجية حتى مع بعض حلفائها التقليديين، في الوقت الذي تؤكد فيه حركة التضامن العالمي أن الفلسطينيين ليسوا وحدهم.
وفي سياق حركة التضامن الدولي لكسر الحصار عن غزة، ودعم صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الإبادة، تتحول المقاومة إلى خطاب ثقافي كوني تتشكل مضامينه انطلاقا من قواعد القانون الدولي الإنساني في حماية الشعب الفلسطيني من الإبادة الجماعية، وحقّه في التحرر والاستقلال وإنشاء دولة مستقلة.
ويستمد هذا الخطاب قوته أيضا من الحركات والمظاهرات الاحتجاجية الواسعة في المجتمعات الغربية بالمؤسسات الجامعية والهيئات والجمعيات الأكاديمية، والمهرجانات الفنية الدولية، وكذلك عبر المحتوى الرقمي على منصات التواصل الاجتماعي.
ويخشى مشاركون آخرون في أسطول الصمود من خطر الصهيونية على العالم، والشر الذي تمثله في نزوعها نحو الهيمنة والاستعمار، لذلك تعد مقاومة الصهيونية واجبا -في نظر هؤلاء- مثلما يؤكد الأكاديمي جاريد ساكس الذي يمثل "منظمة يهود جنوب أفريقيا من أجل فلسطين حرة".
وقد تحول إصرار المشاركين في أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار على غزة -رغم المخاطر والتهديدات الإسرائيلية- إلى حالة ثقافية يترسّخ الاعتقاد بفاعليتها وتنتشر بين الناس من خلال المصير المشترك بين حرية الشعوب أمام "شرور الصهيونية والاستعمار".