في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
واشنطن- قبل نحو أسبوع، خرج وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في مقابلة تلفزيونية عبر برنامج واجه الأمة على شبكة "سي بي إس"، ليبرر قرار وزارته بوقف إصدار التأشيرات الطبية المؤقتة لعدد من الأطفال الفلسطينيين من قطاع غزة .
وهؤلاء الأطفال، ومعظمهم مبتورو أطراف وضحايا حروق جراء القصف الإسرائيلي، كانوا على موعد للسفر إلى الولايات المتحدة لتلقي رعاية طبية متخصصة وعاجلة. وكان العلاج ممولا بالكامل عبر منظمة خيرية غير ربحية تحمل اسم "هيل فلسطين" (HEAL Palestine)، مما يعني أنه لم يكن يشكل أي عبء مالي على الميزانية الأميركية.
وقال روبيو إن لديه "أدلة على أن بعض المنظمات التي تتباهى بالحصول على هذه التأشيرات على صلة بجماعات إرهابية مثل حركة المقاومة الإسلامية حماس "، مضيفا "لن نكون في شراكة مع جماعات صديقة لحماس"، ومؤكدا أن وقف منح هذه التأشيرات "إجراء مؤقت لحين استكمال تقييم شامل لها".
ويشار إلى أن هؤلاء الأطفال هم ضحايا القصف الإسرائيلي المستمر منذ قرابة عامين على غزة، والذي استخدمت فيه قنابل أميركية الصنع وغيرها من المتفجرات، فدمرت منازلهم وملاجئهم وخيامهم المؤقتة.
لكن خلف هذا المبرر الرسمي، يرى خبراء أنه جاء استجابة لضغوط شخصية من لورا لومر ، الناشطة اليمينية المتطرفة المقربة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب .
وقال خبير الشؤون الدولية في واشنطن آدم شابيرو، للجزيرة نت إن "القرار لم يكن مرتبطا بأسباب أمنية بقدر ما كان انعكاسا لنفوذ لومر، التي تؤثر بشكل مباشر على مواقف ترامب وبعض قرارات إدارته، بما في ذلك التحقيق مع مسؤولين كبار وإقالتهم".
ويضيف شابيرو أن "لومر لا تحمل أي خلفية مؤسسية أو رسمية، لكنها تملك تأثيرا غير عادي داخل التيار اليميني المتطرف المقرب من ترامب، وقد استهدفت هذا البرنامج الطبي تحديدا في منشوراتها الأخيرة، وهو ما جعل وزارة الخارجية تتجنب مواجهتها".
ويصف ترامب الناشطة ذات الـ32 عاما بأنها "وطنية غيورة على بلادها"، ويمنحها ثقته الكاملة. وبحسب مقربين منه، فإن علاقته بها تتجاوز الطابع السياسي إلى صداقة شخصية وثيقة، إذ يتواصل معها هاتفيا باستمرار، ويستضيفها في منتجعه بفلوريدا، وحتى في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض .
وسبق أن دفعت لومر ترامب إلى إقالة عشرات من موظفي مجلس الأمن القومي بعد أن حذرته من "شكوك بشأن ولائهم". كما تباهت بأنها كانت وراء قرار روبيو الأخير، إذ كتبت على منصة "إكس" يوم 15 أغسطس/آب تغريدة حذرت فيها من "غزو إسلامي" للولايات المتحدة، وطالبت بإلغاء التأشيرات الطبية لأطفال غزة، مؤكدة أنها تحدثت شخصيا مع روبيو قبل صدور قراره.
من جانبه، اعتبر أستاذ التاريخ بجامعة سيراكيوز في نيويورك البروفيسور أسامة خليل، أن "منع دخول الأطفال الفلسطينيين الجرحى الذين يسعون للحصول على علاج خيري في الولايات المتحدة، يعكس مجددا أن واشنطن لا ترى الفلسطينيين جديرين بحقوق إنسانية أساسية أو بالكرامة".
وأضاف خليل للجزيرة نت أن "تأييد إدارة ترامب لسياسات الاحتلال الإسرائيلي والمشاركة في مخططات تهجير الفلسطينيين من غزة، تعني فعليا استمرار الإبادة الجماعية ضدهم".
كما أثار القرار جدلا في الكونغرس، حيث سارع النائبان الجمهوريان تشيب روي من تكساس وراندي فاين من فلوريدا إلى شكر لومر علنا على ما وصفاه "إنجازا".
لكن في المقابل، عبر مشرعون ديمقراطيون عن رفضهم الشديد للقرار. وقال النائب رو خانا من كاليفورنيا إن "حرمان الأطفال من الرعاية الطبية عمل غير إنساني، ورعاية الجرحى الفلسطينيين مسألة ضمير".
وأضاف السيناتور كريس فان هولين من ميريلاند أن "أميركا عالجت أطفالا من غزة طوال فترة الحرب دون أن يشكل ذلك أي تهديد لأمننا القومي. من العار أن يوقف وزير الخارجية برنامجا إنسانيا كهذا، ويجب استمراره لحماية أرواح هؤلاء الأطفال".
كما غردت النائبة الجمهورية مارجوري تايلور غرين على منصة "إكس" قائلة "قد أرفض استقبال اللاجئين أو إنفاق أموال دافعي الضرائب، لكن متى أصبح قلب أميركا قاسيا إلى درجة رفض أطفال أبرياء يحتاجون عمليات جراحية ممولة من جهات خيرية؟ ألم نكن لنقبل علاج الأطفال الإسرائيليين لو كانوا مكانهم؟".
وتعرف لورا لومر بعدائها الشديد للإسلام، وفي عام 2017 تم حظرها من تطبيقات "أوبر" و"ليفت" بسبب تصريحات مسيئة عن السائقين المسلمين، كما طردت لاحقا من منصة تويتر بعد هجمات متكررة على النائبة المسلمة إلهان عمر ، قبل أن يعود حسابها للنشاط عقب استحواذ إيلون ماسك على المنصة وإعادة تسميتها إلى "إكس".
وترى أنيل شيلاين، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأميركية والباحثة في معهد كوينسي بواشنطن، أن ما حدث "مروع، إذ لم تكتف الولايات المتحدة بالتوقف عن استقبال الأطفال المصابين بقنابلها، بل إن السياسة الخارجية أصبحت رهينة لمؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي تدفع بأجندة قائمة على التطرف والكراهية".
وأضافت شيلاين للجزيرة نت أن "واجب وزارة الخارجية والوكالات الحكومية الأخرى أن تعكس قراراتها القوانين الأميركية، لا أن تخضع لهواجس أو نزوات شخصية لمؤثرة يمينية، هذا يعكس الطبيعة التعسفية والتمييزية، بل وغير القانونية، التي باتت تطبع عملية صنع القرار في إدارة ترامب".