آخر الأخبار

زيارة باراك إلى لبنان.. إنذار أميركي أخير أم مناورة تفاوضية؟

شارك
المبعوث الأميركي توماس باراك

تحمل الزيارة الثالثة للمبعوث الأميركي توماس باراك إلى بيروت منذ يونيو الماضي طابعا مختلفا، ليس فقط من حيث توقيتها المفاجئ، بل أيضا من حيث طبيعة الرسائل التي تحملها، والتي بدت للبعض أقرب إلى "الإنذار الأخير" الموجه إلى الدولة اللبنانية بشأن سلاح حزب الله.

وما بين مشروع نزع السلاح مقابل انسحاب إسرائيلي، وتوجّس لبناني من غياب الضمانات، تتصاعد الضغوط الأميركية والإسرائيلية في وقت يشهد الإقليم تقلبات متسارعة، لا سيما بعد أحداث السويداء ومخاوف التهديدات عبر الحدود السورية.

باراك في بيروت: تحرّك مستعجل في لحظة مفصلية

زيارة باراك لم تكن مدرجة على جدول الثلاثاء المقبل كما كان متوقعا، لكن سفر الرئيس اللبناني جوزيف عون إلى البحرين عجّل بقدومه.

بحسب الكاتب والباحث السياسي رضوان عقيل، فإن باراك وصل وبدأ سلسلة من اللقاءات والاتصالات "غير المرئية" التي تتجاوز الرؤساء الثلاثة لتطال مجموعة من النواب والجهات السياسية من داخل وخارج الحكومة.

هذا الطابع "الطارئ" للزيارة يعكس رغبة أميركية واضحة في تسريع التفاوض وإبلاغ لبنان بموقف حاسم، خصوصا أن واشنطن تبدو قاب قوسين أو أدنى من إغلاق هذا الملف دبلوماسيا أو الذهاب إلى خيارات أكثر صرامة.

الرد اللبناني: تفاهم داخلي وتحفّظ سيادي

يؤكد عقيل خلال حديثه إلى "غرفة الأخبار" على "سكاي نيوز عربية" أن الرد اللبناني بات جاهزا وتم تسليمه فعليا للمبعوث الأميركي حتى قبل لقاءاته الرسمية، وهو نتيجة توافق بين الرؤساء الثلاثة، جوزيف عون، نواف سلام، ونبيه بري.

هذا الرد، وفق عقيل، رغم قبوله مبدأ البحث في سلاح حزب الله، مشروط بضمانات أميركية صارمة تقضي بانسحاب إسرائيلي حقيقي من الجنوب ومنع تكرار الاعتداءات.

وأضاف عقيل: "بكلمات أخرى، الدولة اللبنانية لا تمانع النقاش في مستقبل سلاح الحزب، لكنها لا تنوي تقديم أي التزام حاسم ما لم تحصل على مقابل ملموس يضمن أمن لبنان وسيادته. بهذا المنطق، تنسج بيروت مقاربتها السياسية، واضعة مسؤولية الخطوة الأولى على واشنطن وتل أبيب".

حزب الله: من سلاح المقاومة إلى معركة الوجود

في المقابل، لا يظهر حزب الله أي استعداد للتخلي عن سلاحه في الظرف الراهن، إذ يربط بقائه بعدم التزام إسرائيل بأي من تعهداتها السابقة، خصوصا ما يتعلق بوقف إطلاق النار، ويعتبر أن "تجارب الماضي" لا تشجع على الوثوق بأي ضمانات أميركية أو إسرائيلية.

لكن الأهم أن الحزب – وفق تحليل عقيل – لم يعد يقدّم نفسه فقط كمقاومة ضد إسرائيل، بل كطرف يخوض "معركة وجودية" لحماية الطائفة الشيعية، خاصة في الجنوب.

ويشير عقيل إلى أن هناك تخوّفا فعليا داخل الحزب من سيناريو يشمل ليس فقط نزع السلاح بل تهجير الشيعة من مناطقهم، وتحويل الجنوب إلى منطقة عازلة مكشوفة أمام نيران إسرائيل.

هذا الخطاب يساهم في تعبئة القاعدة الشعبية للحزب، ويربط أمنها ببقاء السلاح، مع استثمار الوقائع الإقليمية، وتحديدا ما يجري في السويداء، لتغذية سردية "التهديد القادم من الشرق" – أي من الجماعات المسلحة في سوريا – وليس فقط من إسرائيل.

أحداث السويداء: ذريعة أمنية إضافية؟

يُبرز حزب الله ما يجري في السويداء كعنصر إضافي في ملف الأمن اللبناني، إذ يشير إلى احتمال تسلل جماعات مسلحة من سوريا عبر الحدود الشرقية نحو البقاع.

وقد دفع هذا التخوّف وفق عقيل بالحزب وأهالي بعض القرى المسيحية والشيعية إلى تنظيم حراسات ليلية على امتداد السلسلة الشرقية.

وتأتي هذه الوقائع لتقوي حجج الحزب أمام أي محاولة نزع سلاح، إذ يقول: إذا لم تكن الدولة السورية قادرة على ضبط مناطقها، وإذا لم يتلقَ النظام نفسه ضمانات أميركية، فكيف يمكن للبنان الاعتماد على التزامات واشنطن وتل أبيب؟

اجتماع بري – باراك: محطة حاسمة في مسار التفاوض

يلفت عقيل إلى أن اللقاء الأهم لباراك في زيارته الحالية سيكون مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يُتوقع أن يقدّم موقفا مفصلا يحمل بين طياته رفضا للضغوط الأميركية، مدعوما بجملة معطيات تهدف إلى التشكيك في صدقية "الضمانات" التي تقدمها إدارة الرئيس دونالد ترامب.

أبرز ما سيثيره بري في هذا اللقاء يتعلق بمستقبل قوات "اليونيفيل"، خاصة بعد أن خفض الكونغرس الأميركي المساهمة المالية المخصصة لها.

وفي ظل هذا التراجع، يصبح القرار 1701 مهددا، ويبدو من وجهة نظر بري أن الضمانات الأميركية غير مكتملة، ما يعني أن أي خطوة لبنانية بنزع سلاح الحزب ستكون مخاطرة غير محسوبة.

واشنطن تضغط.. ولكن إلى أين؟

المعطيات التي بحوزة باراك واضحة: واشنطن تطلب من بيروت التزامات جدية بضبط سلاح حزب الله – على الأقل ما يتعلق بالصواريخ والمسيرات – مقابل التزام إسرائيلي بالانسحاب ومنع الاعتداءات.

لكن الطرف اللبناني، بوساطته الرئاسية وبمباركة الثنائي الشيعي، يطالب بضمانات ملموسة ومكتوبة، لا مجرد وعود سياسية.

ومن هنا، يرى عقيل أن باراك قد يغادر بيروت وقد حمّلها "الإنذار الأخير": عليكم أن تضبطوا سلاح حزب الله، وإلا فإن تداعيات الفشل ستتحملها الدولة اللبنانية.

بين واشنطن وبيروت: حوار غير متكافئ؟

يبدو أن واشنطن تتحرك وكأنها في سباق مع الزمن، ربما لأن الإدارة الحالية تريد تحقيق إنجاز ملموس في هذا الملف قبل الانتخابات، أو قبل تصاعد التوتر إلى حدود الحرب.

وفي المقابل، يعاني الموقف اللبناني من انقسام داخلي وتردد سيادي، فضلا عن شعور عام بعدم الثقة بالنوايا الغربية.

وما بين حذر بيروت، وتمسك حزب الله بسلاحه، تتعقد خيوط المعادلة السياسية، ويبدو أن أي انفراج لن يحدث إلا إذا ضمنت واشنطن – قولا وفعلا – انسحابا إسرائيليا حقيقيا والتزاما بعدم التصعيد.

هل نحن أمام لحظة حاسمة؟

زيارة باراك ليست كسابقاتها، فهي تحمل في طياتها مؤشرات على أن واشنطن قد تكون وصلت إلى "نهاية صبرها"، لكن التحديات اللبنانية – من هشاشة الدولة إلى سلاح الحزب وتوترات الحدود – تجعل من أي تسوية مسألة شديدة التعقيد.

فبين سلاح حزب الله كعنصر توازن داخلي وخطر خارجي، وبين ضمانات لم تصل بعد، تبقى بيروت عالقة في مثلث الضغط الأميركي، والتهديد الإسرائيلي، والحسابات الداخلية.

والسؤال الجوهري الآن: هل يتجه لبنان إلى مرحلة "فرض الخيارات" من الخارج، أم ينجح في اجتراح معادلة تحفظ سيادته، وتحمي أمنه، وتمنع اندلاع حرب جديدة على أرضه؟ الجواب مرهون بما سيحمله باراك في جولاته المقبلة، إن وُجدت.

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا