آخر الأخبار

كيف حوّل تدخل إسرائيل وإحباط واشنطن أزمة السويداء إلى مأزق معقد؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

بدا اتفاق وقف إطلاق النار في محافظة السويداء السورية بارقة أمل لاحتواء أزمة متصاعدة، لكن تدخلات خارجية، والإرباك في الموقف الأميركي، حوّلت مشهد الجنوب السوري إلى مأزق بالغ التعقيد، يكاد يتجاوز في طبيعته المحلية حدود الداخل السوري ليتحول إلى مرآة لصراع النفوذ الإقليمي والدولي.

فبينما تعلن الحكومة السورية سعيها لإعادة ضبط الوضع وحقن الدماء من خلال اتفاق هش لوقف إطلاق النار، بدت السويداء كأنها تدار بواقع سياسي مزدوج، تراوح فيه الدولة بين المبادرات المرحلية وبين صعوبة فرض سيطرتها على المحافظة التي أصبحت ميدانا مفتوحا للتجاذبات الطائفية والمطالب الفئوية.

وقد بدا لافتا أن التهدئة، رغم انخراط الوسطاء الأميركيين والعرب في بلورتها، لا تزال رهينة شروط قوى محلية ترفض الاعتراف بشرعية الدولة، وتطالب بانسحاب القوات الحكومية مقابل وعود بخدمات ومساعدات لا تنفك ترفض في ظل توازنات دقيقة وحساسة.

الكاتب السياسي محمود علوش اعتبر في حديثه لبرنامج "ما وراء الخبر" أن الأزمة لم تعد مسألة محلية، بل صارت متداخلة بشكل مباشر مع العامل الإسرائيلي، الذي يتخذ من التوترات في السويداء مدخلا لتقويض الاستقرار السوري الهش.

وحذر من أن غياب الدولة في هذه المناطق يتيح لإسرائيل مساحة لتعميق الانقسام الطائفي والمناطقي، سعيا نحو ترسيخ تصور لسوريا كدولة منقسمة وضعيفة، غير قادرة على فرض سلطتها، وهذه المقاربة تعني أن أي تهدئة مؤقتة لن تكون إلا محاولة لتسكين جرح تتعاظم خطورته إذا لم يعالج جذريا.

فرص نجاح التهدئة

وتقاطع هذا التحليل مع رؤية الباحث مؤيد غزلان، الذي ربط فرص نجاح التهدئة بمدى قدرة الحكومة على استعادة القرار من قوى محلية اتخذت من المظلومية الطائفية خطابا سياسيا، مستندة إلى دعم غير مباشر من إسرائيل .

هذه المرجعية الجديدة، التي يقودها زعماء دينيون، صارت بحسب تعبيره تمارس دورا سياسيا موازيا للدولة، وتفرض شروطا تمس جوهر السيادة الوطنية، ما يعكس اختلالا خطيرا في التوازن بين مركز الدولة ومحيطها.

إعلان

أما من واشنطن، فقد أبدى المستشار السابق في البنتاغون آدم كليمنتز قلقا واضحا من أن الضربات الجوية الإسرائيلية تقوّض الرؤية الأميركية لإعادة تأهيل الدولة السورية ضمن تصور مرحلي لإعادة الإعمار والاستقرار.

المفارقة أن إدارة الرئيس دونالد ترامب ، بحسب كليمنتز، كانت تتابع بقلق تصرفات حكومة بنيامين نتنياهو التي تضع واشنطن أمام تناقض إستراتيجي: من جهة، تحاول الحفاظ على حليفها الإسرائيلي، ومن جهة أخرى ترى أن ممارساته تعرقل الأهداف الأميركية في سوريا.

الرسائل الأميركية المتناقضة، كما ظهرت في تصريحات نقلها موقع "أكسيوس"، تعكس حالة من الإحباط داخل أروقة واشنطن تجاه السلوك الإسرائيلي في الجنوب السوري، إذ يرى مسؤولون أميركيون أن إسرائيل تتجاوز التفاهمات، وتستغل وضع الدروز لتبرير هجماتها على مراكز حكومية سورية، مما ينسف جهود الوساطة الدولية ويدفع نحو مزيد من التوترات.

غياب إستراتيجية شاملة

على المستوى الداخلي، ما يزيد المشهد تعقيدا هو غياب إستراتيجية شاملة لدى الحكومة السورية، كما يراها البعض، مقابل سيولة سياسية داخل السويداء، تتجلى في تراجع النخب التقليدية واحتكار القرار من مرجعية دينية ذات صبغة سياسية، باتت ترفض حتى استقبال المساعدات الإنسانية من خارج المنظمات الأهلية.

ويرى علوش أن إعادة ضبط العلاقة مع السويداء تتطلب نقلة نوعية لا تقتصر على التهدئة، بل على بلورة تصور سياسي جديد يعيد دمج المحافظة ضمن المشروع الوطني السوري بعيدا عن الاصطفافات الطائفية أو التجاذبات الخارجية.

ويبرز التحدي الأكبر، بحسب غزلان، في السلاح المنفلت الذي يغذي دوامات من العنف وردود الفعل خارج إطار مؤسسات الدولة، مما يعيد إلى الأذهان تجارب مماثلة في دول شهدت انزلاقا نحو الفوضى الطائفية كالعراق ولبنان.

فغياب الحسم القانوني وانتشار المليشيات المسلحة يعزز الانقسامات الأهلية، ويهدد بتحويل أي صدام عرضي إلى انفجار أهلي واسع، كما حصل في الاشتباك الأخير الذي اندلع بسبب حادث بسيط لكنه تطور بفعل السلاح العشوائي إلى أزمة أمنية كبرى.

إخلال يغضب واشنطن

ومن وجهة نظر أميركية، فإن استمرار إسرائيل في قصف الأراضي السورية يعد إخلالا بمسار تحاول واشنطن ضبطه بدقة، خصوصا أن تلك الضربات تضعف إمكانية دخول المنظمات الدولية والاستثمار في عملية الإعمار، وتخلق بيئة عدائية تنسف الجهود الدبلوماسية.

لهذا يشير كليمنتز إلى أهمية الضغط على إسرائيل من خلال أدوات سياسية واقتصادية، وتفعيل دور الحلفاء الإقليميين مثل الأردن وتركيا وقطر، لضمان ألا تنفرد تل أبيب برسم ملامح ما بعد الصراع.

كل ذلك يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي، فإما أن يتعامل مع أزمة السويداء كجزء من التحدي الكلي لاستقرار سوريا ووحدتها، أو أن يواصل تجاهله لمفاعيل التدخل الإسرائيلي، ما يعني الدفع نحو تفكك أعمق للدولة السورية.

وفي ظل هشاشة الاتفاقات المرحلية، تبدو الحاجة ملحة لتوافق دولي لا يكتفي برصد التصريحات، بل يتحرك لتثبيت مسار سياسي طويل الأمد يحوّل الجنوب السوري من ساحة تصفية حسابات إلى منطقة مصالحة وطنية.

إعلان

ولعل الخلاصة الأبرز هي أن أزمة السويداء لم تعد مجرد اضطراب أمني في منطقة محدودة، بل تحوّلت إلى تجل مكثف لصراع الإرادات بين مشاريع متضادة: مشروع الدولة الساعية للاستقرار، ومشروع إقليمي يستثمر في الفوضى، وعجز دولي عن اتخاذ موقف حاسم.

كيف بدأت الأزمة

يشار إلى أن اشتباكات مسلحة اندلعت يوم 13 يوليو/تموز الجاري، بين عشائر بدوية ومجموعات درزية بالسويداء، أعقبتها تحركات للقوات الحكومية نحو المنطقة لفرض الأمن، لكنها تعرضت لهجمات من مجموعات وصفتها بـ"الخارجة على النظام والقانون" أسفرت عن مقتل عشرات الجنود.

وفي إطار مساعيها لاحتواء الأزمة، أعلنت الحكومة السورية 4 اتفاقات لوقف إطلاق النار بالسويداء كان آخرها أمس السبت.

ولم تصمد اتفاقات وقف إطلاق النار الثلاثة السابقة طويلا، إذ تجددت الاشتباكات الجمعة الماضي إثر قيام مجموعة تابعة ل حكمت الهجري ، وهو أحد شيوخ عقل الدروز، بتهجير عدد من أبناء عشائر البدو وممارسة الانتهاكات ضدهم.

وتحت ذريعة "حماية الدروز" استغلت إسرائيل الاضطرابات الأخيرة في السويداء وصعّدت عدوانها على سوريا، إذ شنت الأربعاء الماضي غارات مكثفة على 4 محافظات ومقري وزارة الدفاع وهيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي في دمشق.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل حرب غزة سوريا حماس

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا