تعد معركة ستالينغراد بين قوات الاتحاد السوفياتي والقوات النازية الألمانية، التي التي تمر ذكراها السنوية الـ83 هذه الأيام، من أكثر المعارك دموية في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
بدأت المعركة في 17 يوليو/تموز 1942 واستمرت حتى الثاني من فبراير/شباط 1943، وتكبد فيها الجيشان السوفياتي والألماني خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، ودمرت خلالها المدينة بالكامل.
وقد بلغت الخسائر البشرية في معركة ستالينغراد أكثر من مليوني قتيل، مما يصنفها كإحدى أكبر المعارك دموية في تاريخ الحروب، إلا أنها شكلت منعطفا تاريخيا في مسار الحرب جعلها تكتسب أهمية كبرى في أوروبا والعالم.
بعد ذلك، أصبحت مدينة "ستالينغراد"، التي أعيد تسميتها عام 1961 لتصبح فولغوغراد، ضمن المدن الروسية البطلة، ومنحت ميداليات وأوسمة الشرف والدفاع عن الوطن لأكثر من 700 ألف مشارك في المعركة.
شكلت معركة "ستالينغراد" نقطة تحول ليس فقط في حرب روسيا ، ولكن أيضا في الحرب العالمية الثانية بأكملها، فمئتا يوم كانت كفيلة بتغيير مسار الحرب كليا وتدمير وقتل الملايين من البشر.
وقد تم تقسيمها إلى مرحلتين رئيسيتين، المرحلة الأولى كانت من 17 يوليو/تموز إلى 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1942، وكانت المعارك فيها دفاعية من قبل القوات الروسية في مواجهة القوات الألمانية، وبينما تضمنت المرحلة الثانية عمليات هجومية مضادة للقوات الروسية، وبدأت من 19 نوفمبر/تشرين الثاني إلى الثاني من فبراير/شباط 1943.
لم تكن مطامع الزعيم الألماني أدولف هتلر في منطقة ستالينغراد تقتصر على السيطرة عليها باعتبارها أهم مركز تصنيع عسكري للاتحاد السوفياتي آنذاك، والسيطرة على نهر الفولغا والدون والمناطق الجنوبية الغنية بالنفط، بل أيضا لكونها تحمل اسم زعيم الاتحاد السوفياتي، جوزيف ستالين ، الذي لم يكن يوما يتفق معه، بل كان عدوه اللدود.
فقد كان هتلر يعتقد أن الاستيلاء على هذه المدينة (فولغوغراد حاليا) تحديدا سيشكل ضربة موجعة لستالين ولقواته وسيقوض إيمان الشعب السوفياتي بالجيش الأحمر.
نتيجة لذلك، اندلعت المعارك دون اعتبار لسقوط الضحايا سواء عسكريين أو مدنيين، وكان من المستحيل أن يقبل الزعيمان الخسارة فيها مهما كلفهما الأمر.
ورغم تمكن الألمان من إخضاع كامل المدينة تقريبا بعد مقاومة شديدة واجهوها من السوفيات، فإنهم فشلوا في كسر آخر الخطوط الدفاعية للجيش الأحمر الذي تمسكت قواته بالضفة الغربية لنهر الفولغا.
وتشير الإحصاءات، وفقا لموقع "مايو 9" الروسي، إلى أن خسائر الجيش الأحمر بلغت نحو مليون و129 ألفا و619 شخصا، في حين قُدرت خسائر الجيش الألماني مع حلفائه (إيطاليا ورومانيا وكرواتيا والمجر) بحوالي 1.5 مليون شخص، بالإضافة إلى خسائر في المعدات العسكرية والبنية التحتية.
هذه المعركة جعلت قادة الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى يستشعرون أهمية الجيش الأحمر في صد النازية، ووفق المؤرخين، لم تكن في من قبيل المصادفة في ذلك الوقت أن يقوم رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل بتقديم سيف لستالين خلال لقائهما في مؤتمر طهران عام 1943.
بالإضافة إلى ذلك، ألهمت هذه المعركة العديد من الدول المحتلة، وباتت كلمة "ستالينغراد" منذ ذلك الوقت مرادفا لانتصار مقاومة الغزاة والمحتلين، كما أصبح يوم انتهاء المعركة يوم المجد العسكري لروسيا.
بدأت معركة "ستالينغراد" كجزء من حملة الصيف والخريف الأوسع لعام 1942 للقوات الألمانية النازية والمعروفة باسم "العملية الزرقاء"، وكان أساس قوتهم هو الجيش السادس تحت قيادة الجنرال فريدريش باولوس، لكونه الأكثر استعدادا للقتال والذي كان مدعوما بالدبابات والفرق الآلية.
وبحلول الخريف، دُمرت المدينة إلى حد كبير، لكن القوات السوفياتية واجهت وقاومت القوات المسلحة الألمانية (فيرماخت) بشراسة دون مساعدة فعالة من حلفائها (بريطانيا والولايات المتحدة).
وخلال هذه الفترة حاولت القوات الألمانية النازية نشر أكبر عدد من فرقها في المدينة تدريجيا، وفي 23 أغسطس/ آب 1942، تم إجلاء 100 ألف شخص فقط من بين 400 ألف ساكن في ستالينغراد.
وفي غضون ساعات قليلة وبعد شن القوات الألمانية هجوما كبيرا بالقاذفات، قتل أكثر من 40 ألف شخص، وبسبب تسرب النفط في نهر الفولغا واشتعال السفن، بات النهر كتلة من النيران، كما لحقت الأضرار بإمدادات المياه والمنتجات النفطية.
في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1942، تمت الموافقة على مقترح قدمه القائد العسكري غيورغي جوكوف، لجوزيف ستالين كخطة أولية لتطويق القوات الألمانية التي اخترقت نهر الفولغا.
سميت خطة الهجوم السوفياتي المضاد "أورانوس"، وشن خلالها الجيش السوفياتي هجومًا مضادًا تمكن خلاله من محاصرة الجيش الألماني السادس داخل ستالينغراد.
وتمكنت القيادة السوفياتية من تركيز قواتها سرا على المناطق الحاسمة في المعركة، واعتمدت في ذلك على اختيار نقاط الضعف في دفاعات الألمان والحفاظ على سرية التحضير للعملية حتى بدايتها يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1942.
من خلال هذه العمليات الهجومية، أجبر الجيش الأحمر القوات الألمانية النازية على مغادرة أراضيه وتطهيرها من قواته، بداية من شمال القوقاز وستافروبول وكوبان وروستوف، إلى غاية كسر حصار لينينغراد فيما بعد (سانت بطرسبورغ حاليا) في مارس/آذار 1943.
جنود مشاة سوفيات يعبرون نهرا في أوكرانيا تحت النيران (غيتي إيميجز)وفي تقرير نُشر على موقع "فرانكفورتنر روندشو" الألماني، تحدث المؤرخ البريطاني، ريتشارد جي إيفانز، عن الأسباب التي ساهمت في إلحاق الهزيمة بالقوات الألمانية في الحرب العالمية الثانية خاصة بعد انتصار الاتحاد السوفياتي في معركة "ستالينغراد"، ودخول ألمانيا في حرب مع 3 قوى عظمى تتمتع بقوة اقتصادية وعسكرية، الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة وبريطانيا.
وأشار إلى أن هتلر خلال الأشهر الأولى من الحرب تغذى لديه "وهم النصر" واعتقد أنه يمكن أن يهزم الاتحاد السوفياتي، ولكن فيما بعد تبين أن الموارد السوفياتية غير محدودة تقريبا.
واستذكر جي إيفانز كيف أن الألمان خلال عام 1941 أسروا ما يقرب 3.5 ملايين جندي سوفياتي من الجيش الأحمر، وتركوا معظمهم من دون طعام، وبلا رعاية طبية، واستخدموا معهم سياسة التجويع والتجميد حتى الموت.
وأشار إلى أن القيادة السوفياتية آنذاك، وفي مواجهة تلك الفظائع والجرائم، كان واضحا لها أنه لا توجد طريقة أخرى غير النضال والقتال من أجل تحقيق النصر الكامل مهما كلفهم الأمر.
خلال هذه المعركة استخدمت أنواع مختلفة من الدبابات العسكرية الثقيلة والخفيفة والطائرات وقذائف الهاون، وكانت أبرز الدبابات من الجانب السوفياتي دبابات "تي-34″ و"تي-60" ودبابة "كي-في 1" الثقيلة (كليمنت فاروشيلوف)، ودبابة "إم-3 ستيوارت" الأميركية، ودبابة "إي سي-2".
أما الجيش الألماني فقد استخدم دبابات "بانزر-1″ و"بانزر-2″ و"بانزر-3″ و"بانزر-4″ و"بانزر-35 تي" و"38 تي" وأيضا دبابة "النمر" أو "التايغر" و"بانثر"، ومركبات القتال المدرعة من طراز "ستيغ-3".
خلال هذه المعركة شارك في قوات الاتحاد السوفياتي نحو 1.1 مليون شخص، و1560 دبابة وقرابة 15 ألف من قذائف الهاون والبنادق وأكثر من 1900 طائرة حربية.
في حين شارك نحو مليون شخص من القوات الألمانية وقرابة 675 دبابة وأكثر من 10 آلاف من قذائف الهاون والبنادق، وقرابة 1200 طائرة حربية.
جنود الجيش السوفياتي قرب ستالينغراد (الموقع الرسمي الروسي لألبوم صور الحرب)يربط الكثير من المسؤولين والسياسيين الروس بين الحرب السوفياتية ضد النازية الألمانية في الحرب العالمية الثانية، والحرب الجارية بين روسيا وأوكرانيا، في المقابل يجمع الغرب على أن هذه الحرب هي غزو روسي يستوجب تقديم الدعم اللازم لكييف مع استمرارية فرض العقوبات على روسيا.
ويرى عمار قناه، مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والتنبؤ السياسي بمقاطعة سيفاستوبول للجزيرة نت، أن ثمة نقاط اختلاف بين حربي ستالينغراد وأوكرانيا.
ومن بين نقاط الاختلاف، يرى قناه أن "المسألة في ستالينغراد كانت وجودية بالنسبة للاتحاد السوفياتي وخاصة الجيش الأحمر، ومن هنا كانت الانعطافة الكاملة من الهزيمة جزئيا إلى النصر المحقق"، مضيفا "بالنسبة لما يجري في أوكرانيا، أعتقد أن الأمر مختلفا نوعا ما، فالإصرار العسكري اليوم وعدم التراجع لدى روسيا منذ البداية أقوى".
ومن المفارقات أيضا بين الماضي والحاضر اختلاف مفهوم الحسم العسكري بالنسبة لروسيا وللمنظومة الغربية وأوكرانيا، وأيضا اختلاف مستوى التكنولوجيا المستخدمة في الصراع العسكري خاصة باستخدام المسيرات والتقنيات المتطورة، حيث كان استهلاك العنصر البشري في الحرب العالمية الأولى والثانية أكثر مما تتم خسارته اليوم بشريا.
جنود روس يركبون مدفع هاون ذاتي الحركة في موقع لم يُكشف عنه في أوكرانيا (أسوشيتد برس)ووفقا لموقع "دويتشلاند دي" الألماني، فإن ألمانيا تعتبر أكبر دولة أوروبية داعمة لأوكرانيا، سياسيا وماليا وعسكريا، حيث تقدر قيمة مساعداتها نحو 44 مليار دولار، كما استقبلت مع بولندا حوالي 950 ألف لاجئ من أوكرانيا من أصل 1.5 مليون، كما أن مساعدات الاتحاد الأوروبي لكييف بلغت نحو 165 مليار يورو.
وفي حديثه عن مسار العلاقات الروسية الألمانية على مدى العقود الثمانية الماضية، يقول الدكتور عمار قناه إنه "لو نظرنا لمسار العلاقات الروسية الألمانية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لرأينا تقاربا وتكاملا جزئيا اقتصاديا خاصة على مستوى الطاقة، وترجمت هذه التكاملية خلال حكم أنجيلا ميركل".
وتابع أنه لا يمكن تجاهل أن ألمانيا هي جزء لا يتجزأ من المنظومة السياسية الغربية، "ولا أعتقد أن هناك ألمانية موافقة تامة في التوجه إلى الحالة العدائية مع روسيا، ولكن ضمن مفهوم الانصياع الأوروبي الكامل لإرادة واشنطن في تلك الفترة، وهذا ما أدى إلى توتر مستوى العلاقة".