عاد الشعب المصري في الأيام الماضية إلى حياة ما قبل عصر الإنترنت، بعد تعطل خدمات الإنترنت عقب اندلاع حريق في سنترال رمسيس المركزي تسبب في توقف هذه الخدمات مباشرة.
استمر الحريق مدة جاوزت الـ 20 ساعة، وفق ما نشرت صحيفة "آر تي عربية" (RT Arabic) انخفضت فيها كفاءة الإنترنت داخل مصر إلى 62% من قوتها الرئيسية حسب التقارير.
ورغم أن الانخفاض لم يكن إلا 62% من كفاءة الإنترنت في مصر، إلا أن غالبية الخدمات التي تعتمد على الإنترنت أو شبكات الاتصالات الموحدة توقفت تماما لتعاني الدولة من شبه شلل رقمي.
وشملت الخدمات التي توقفت خدمات الاتصال الهاتفي عبر شبكات الهواتف المحمولة والشبكات الأرضية، فضلا عن الاتصال بشبكات الإنترنت بشتى الطرق وخدمات الإنترنت البنكي وتحويل الأموال الفوري وشبكات المدفوعات الرقمية بمختلف أنواعها وحتى الخدمات الاعتيادية في بعض البنوك، سواء كانت تتم داخل فرع البنك نفسه أو بماكينات الصراف الآلي المنتشرة في الشوارع، وإضافة إلى ذلك تعطلت خدمات الأرقام الموحدة وخدمات "واتساب" وغيرها من الخدمات الرقمية.
ولم يكن إطفاء الحريق كافيا لتعود هذه الخدمات بكامل قوتها، فرغم إطفاء الحريق المبدئي الذي حدث في يوم الاثنين السابع من يوليو/تموز الجاري، إلا أن جزءا كبيرا من الخدمات لا يزال متأثرا.
ولكن لماذا يتمتع سنترال رمسيس بكل هذه الأهمية وله كل هذا الأثر؟
يعالج سنترال رمسيس بمفرده 40% من حركة الاتصالات والبيانات التي تتم داخل الدولة، وذلك رغم أن عمر المبنى اقترب من 100 عام، فضلا عن وجوده في منطقة متكدسة بالسكان.
وبحسب بعض الخبراء الذين نشروا تحليلاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي فإن سنترال رمسيس يمثل نقطة الاتصال بالكابلات البحرية الواردة إلى مصر والمسؤولة عن تزويد الدولة بخدمة الإنترنت، فضلا عن كونه نقطة ربط بين شبكات الهواتف الداخلية والشبكات الخارجية لضمان وصول المكالمات الدولية داخل البلاد، كما أنه يعد نقطة الانتقال بين الاتصالات الداخلية، إذ يستخدم مباشرة في نقل المكالمات بين شبكات الهواتف المحمولة والهواتف الأرضية.
ويضم مبنى السنترال جزءا مخصصا لقواعد البيانات الخاصة بخدمات البنوك والمعاملات المالية لأشهر بنوك مصر، فضلا عن شبكة المدفوعات الرقمية واللحظية، وذلك في مبنى غير مؤهل لاستضافة قواعد البيانات كونه بني في عام 1927.
وهذا بحسب الخبراء يفسر كل هذه الأضرار فور اشتعال الحريق رغم عدة محاولات من الأجهزة المختصة بإخماد الحريق الذي تطلب 20 ساعة تقريبا، وهو ما يشير إلى شدة الحريق وعدم قدرة أجهزة الإطفاء الداخلية التعامل معه، كما وضح وزير الاتصالات في جلسة مجلس الشعب.
ومن المتوقع بناء على تصريحات الحكومة، أن يظل سنترال رمسيس خارج الخدمة لمدة تتجاوز الأسبوع حتى يعود المبنى كاملا إلى العمل بكامل قوته، ولكن هل تظل خدمات الإنترنت متوقفة حتى يعود السنترال بكامل قوته للعمل؟
وضحت رئاسة مجلس الوزراء المصري في بيان رسمي عبر صفحتها، أن المركز القومي للاتصالات نقل حركة الإنترنت الثابت إلى سنترال الروضة المجاور لسنترال رمسيس من أجل استعادة الخدمات، ونسّق بين شبكات المحمول الثلاث لاستخدام بوابات بديلة من سنترال رمسيس.
أسفرت هذه الجهود عن عودة خدمات الإنترنت والهاتف المحمول بشكل كبير في عدة مناطق من الدولة، ورغم ذلك لا تزال بعض المناطق والخدمات متأثرة بانقطاع الخدمات وتواجه تحديات في الوصول إلى الإنترنت.
ويذكر أن الحكومة المصرية أعلنت في أغسطس/آب الماضي افتتاح 3 مراكز بيانات عملاقة على مساحة تجاوزت 130 ألف متر مربع في منطقة العين السخنة، وفق تقرير "سي إن إن عربية" في ذلك الوقت، فضلا عن عدة مراكز بيانات تبنى في العاصمة الإدارية الجديدة بإشراف شركة "أوراسكوم" كما ذكر الموقع الرسمي للشركة.
وحسب تقرير "أوراسكوم" عن مراكز البيانات الجديدة التي بدأ البناء فيها عام 2020، فإن هذه المراكز تبنى على مساحة تتجاوز 38 ألف متر مربع، وتعتمد على تخزين قواعد البيانات تحت الأرض في مساحات مبردة ومعالجة بآلية ملائمة لتجنب الحرائق والأزمات المماثلة.
يقول ألكسندر كونييف، مدير البنية التحتية في الحرم الجنوبي لشركة "آي إكسيليرات" (IXcellerate) المختصة في بناء مراكز البيانات عالميا، في مدونة نشرها الموقع الرسمي للشركة، أن مراكز البيانات هي مبانٍ من طبيعة خاصة لما تحتويه من خوادم ووحدات إلكترونية ومولدات طاقة، لذا فإن الحرائق في هذه المباني تعد الأخطر نظرا لعواقبها.
وتشرح التدوينة آليات حدوث الحرائق وطرق مواجهتها مع اختلاف الأسباب التي تؤدي إلى اندلاع الحرائق، كما توضح أن آلية عملية إطفاء الحريق خطأً قد تتسبب في ضرر أكبر لمركز البيانات والخوادم الموجودة بداخلها.
ويؤكد أن إطفاء الحرائق في مراكز البيانات ليست مهمة سهلة، يمكن أن تترك لرجال الإطفاء دون تدريبهم عليها، مضيفا أن عمليات التدريب الدورية لفرق الإطفاء على التعامل مع الطبيعة الخاصة لمراكز البيانات، هي مفتاح النجاح في مواجهة هذه الحرائق.