في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في خطوة مفاجئة، وجدت مئات الأحزاب السياسية بعدة دول أفريقية نفسها مؤخرا منحلة، بفعل قرارات رئاسية، جاءت تطبيقا لمخرجات حوارات وطنية لم تكن شاملة.
وفي هذا الصدد نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية للباحث محفوظ ولد السالك بعنوان: " حل مئات الأحزاب السياسية الأفريقية.. خطوة نحو التنظيم أم عودة لحقبة الحزب الواحد؟ "، تقدّم تحليلا معمقا للواقع الحزبي المتغير، وتستقصي الدوافع المعلنة والخفية وراء موجة الحل، وتسلط الضوء على آثارها.
وقد أثارت قرارات حل الأحزاب ردود فعل رافضة على المستويين الإقليمي والأممي، وعُدّت بمنزلة تضييق على حرية الرأي والتعبير والانتظام داخل أطر تكفلها القوانين الوطنية والدولية.
وفي مقابل هذا الرأي، تعد سلطات الدول المعنية -والمتمثلة بالأساس في مالي و النيجر و بوركينا فاسو – حل الأحزاب السياسية إجراء "إصلاحيا"، يدخل في إطار "إعادة التأسيس" التي تنشدها الأنظمة العسكرية الحاكمة بهذه البلدان.
وتوجد فئة أخرى من البلدان اتجهت نحو حل جزئي للأحزاب، وتضم هذه القائمة غينيا التي أجرت تقييما شاملا، أسفر عن حل عشرات الأحزاب، وتهديد عشرات أخرى بالحل إذا لم تستوف الشروط. وتشمل هذه الفئة كذلك موريتانيا التي اعتمدت ضمن شروط عديدة نتائج الانتخابات البلدية، معيارا لحل الأحزاب أو بقائها، مع تشديد شروط تأسيسها بالنسبة للراغبين في ذلك.
وهناك فئة ثالثة من الدول ك الغابون مثلا، رأت ضرورة تناسب عدد الأحزاب مع حجم السكان، وسعت إلى تقليص العدد الذي يزيد على المئة.
ورغم أن مسوغات الحل لا تخلو في مجملها من بعض الوجاهة، إلا أن بعضها يُضمر كذلك أهدافا أخرى، فمن المفارقة مثلا أن ينشد من اغتصب السلطة بالقوة وأزاح نظاما منتخبا، دمقرطة الحياة السياسية والحزبية، خصوصا إذا كان هو نفسه من ألغى الانتخابات، ولم يعدّها من الأولويات.
كانت النيجر أول بلدان تحالف الساحل، التي أعلنت حل جميع الأحزاب السياسية البالغ عددها 171 حزبا، كإحدى توصيات جلسات وطنية للحوار أغلب المشاركين فيها كانوا من داعمي المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في نيامي . وأرجع القرار إلى ضعف النظام السياسي والانتخابي.
وتعكس خطوة حل الأحزاب السياسية، أن حكام النيجر العسكريين يريدون إبعاد كل ما من شأنه أن يعرقل أو يشوِّش على بقائهم في السلطة، من أحزاب ومنظمات.
في اليوم الموالي لوصول النقيب إبراهيم تراوري إلى السلطة في بوركينا فاسو، نهاية سبتمبر/أيلول 2022، إثر انقلاب عسكري، تقرر تعليق نشاطات جميع الأحزاب السياسية في البلاد، وذلك لمنع أي تظاهر أو احتجاج مناهض للانقلاب.
وشكّل إحباط ما اعتبرته السلطات محاولة للانقلاب على تراوري لحظة حاسمة؛ إذ قررت السلطات حل الأحزاب السياسية، وإلغاء القانون المنظم لها.
أعلنت السلطات الانتقالية المالية، في 13 من مايو/أيار 2025، بموجب مرسوم رئاسي صادر عن الرئيس الانتقالي الجنرال آسيمي غويتا حل جميع الأحزاب والمنظمات ذات الطابع السياسي.
من ضمن ما يحسبه الغينيون لرئيسهم الأسبق الراحل لانسانا كونتي -رغم قبضة الحديد التي حكم بها البلاد على مدى 24 سنة- إرساؤه التعددية الحزبية عام 1990، وتنظيم البلاد في عهده أول انتخابات رئاسية تعددية سنة 1993.
وفي المقابل فإن الجنرال مامادي دومبويا الذي وصل للسلطة عبر انقلاب عسكري على الرئيس المدني ألفا كوندي، في سبتمبر/أيلول 2021، حل عشرات الأحزاب السياسية وهدد عشرات أخرى بالحل.
أوصى المشاركون في الحوار السياسي الذي نُظّم بالغابون، في أبريل/نيسان 2024، بنحو ألف توصية، لكن إحداها أثارت جدلا واسعا أكثر من غيرها، وهي المتعلقة بحل الأحزاب السياسية البالغ عددها 106.
ولم يرد الجنرال بريس أوليغي أنغيما المجازفة بالإسراع في تنفيذ الخطوة، حتى لا يفقده ذلك شبه الإجماع السياسي الذي حظي به انقلابه العسكري الذي أنهى نصف قرن من حكم أسرة بونغو، وبعدما ضمن الفوز في الانتخابات الرئاسية، عاد الجنرال -الذي انقلب في 30 من أغسطس/آب 2023 على الرئيس المدني المنتخب علي بونغو أونديمبا- وشكل لجنة تُعنى بوضع معايير ستُعتمد في قانون جديد ينظم الأحزاب السياسية في البلاد، وهو ما يُفهم منه التوجه نحو تقليص عدد الأحزاب لا حلها النهائي الشامل.
يثير تعديل القانون الخاص بالأحزاب السياسية في موريتانيا في ديسمبر/كانون الأول 2024 جدلا واسعا في الأوساط السياسية المعارضة؛ إذ ترى أن الشروط التي يشترطها في تأسيس الأحزاب وحلها مجحفة.
وكانت وزارة الداخلية الموريتانية قد أصدرت قرارا بحل حوالي 80 حزبا سياسيا، بناء على تعديل لقانون الأحزاب صدر سنة 2018، وبذلك تقلص عددها الذي كان يزيد على 100 حزب إلى 25 حزبا. وفي عام 2023، أصدرت ذات الوزارة قرارا بحل 5 أحزاب أخرى، لعدم حصولها على نسبة 1% من الأصوات خلال الانتخابات البلدية.
خلّفت هذه الإجراءات ردود فعل داخلية وخارجية مختلفة، لكن أغلبها يشترك في مطلب التراجع عن حل الأحزاب والتضييق عليها.
تضع القرارات التي اتخذها عدد من الدول الأفريقية حدا لمئات الأحزاب السياسية في هذه البلدان، وخصوصا في مالي والنيجر وبوركينا فاسو؛ إذ يهم قرار الحل أزيد من 670 حزبا في البلدان الثلاثة المنخرطة ضمن إطار ثلاثي يجمعها يعرف بتحالف دول الساحل.
ويثير وضع أسس جديدة لترخيص الأحزاب السياسية في بعض الدول الأفريقية التي تمر بمراحل انتقالية عسكرية، الشك بالنسبة للكثير من الساسة والفاعلين في المجتمع المدني؛ إذ يعتبر هؤلاء أن من ألغى الانتخابات، وأكد عدم أولويتها في الوقت الحالي من الصعب أن ينظم الحياة الحزبية ويوليها الاهتمام؛ إذ إن وجود الأحزاب مرتبط بشكل كبير بتنظيم الانتخابات، وفتح الباب أمام التنافس على الرئاسة، والمجالس التشريعية والبلدية.