آخر الأخبار

التضخم: ما قصة المرأة التي طلبت من أبنائها عدم اللعب لتوفير مصاريف المعيشة؟

شارك
مصدر الصورة

تقضي سوزانا كاثومبا، العاملة المنزلية في مالاوي، كل يوم في التفكير في طرق للتوفير حتى تتمكن من جعل راتبها الشهري البالغ 80 ألف كواشا (46 دولاراً أمريكياً) يكفي لإعالة أسرتها.

فيما تعصر قطعة قماش مبللة أخرجتها من دلو ماء في غرفة المعيشة، وتبدأ بمسح الطاولات والكراسي، تُفكّر في أحدث حيلة توصلت إليها لتوفير المال.

قالت المرأة البالغة 43 عاماً لبي بي سي، "طلبت من أطفالي الصغار ألا يتسخوا كثيراً أثناء اللعب حتى نوفر في استهلاك الصابون"، وأضافت: "لكن الأمر صعب لأن الأطفال يبقون أطفالاً، فهم يريدون اللعب".

خلال الأشهر القليلة الماضية، كانت كاثومبا، الأم المطلقة لأربعة أطفال، وتعمل في العاصمة ليلونغوي، تكافح من أجل البقاء على راتبها بسبب ارتفاع أسعار السلع في السوق.

وبدعم مالي ضئيل من زوجها السابق، أصبحت هي المعيل الوحيد للأسرة، ويذهب معظم راتبها لإعالة أطفالها الأربعة الذين يعيشون في مسقط رأسهم كاسونغو، على بعد نحو 130 كيلومتراً (80 ميلاً) شمال غرب العاصمة ليلونجوي. لا يزال الطفلان الأصغر سناً في المدرسة، بينما الطفلان الأكبر عاطلان عن العمل.

في مايو/أيار، بلغ معدل التضخم السنوي في مالاوي 27.7 في المئة؛ أحد أعلى معدلات التضخم في إفريقيا، وهو تراجع عن معدل 29.2 في المئة تم تسجيله في إبريل/نيسان.

وقالت كاثومبا إن "الأمر المثير للدهشة هو أن الرواتب تظل على حالها، لكن أسعار السلع الأساسية تستمر في الارتفاع بشكل يومي"، موضحة أن "المال ينفد قبل أن يصل. نحن نعيش حياة صعبة للغاية".

مصدر الصورة

وأشار تقرير لشركة إرنست آند يونغ، إلى أن مالاوي تعد واحدة من الدول القليلة في العالم التي تمتلك ما تسميه بـ "اقتصاد التضخم المفرط"، إلى جانب بوروندي وسيراليون والسودان وفنزويلا وزيمبابوي، ويحدث هذا عندما يبلغ معدل التضخم التراكمي على مدى ثلاث سنوات قرابة 100 في المئة أو أكثر.

وقالت شركة المحاسبة إن مالاوي، وفق قاعدة بيانات آفاق الاقتصاد العالمي التي جمعها صندوق النقد الدولي، سجلت معدل تضخم تراكمي خلال ثلاث سنوات بلغ 116 في المئة حتى ديسمبر/كانون الأول 2024، وتوقعت معدلات تضخم تراكمية لمدة ثلاث سنوات بنسبة 102 في المئة لعام 2025 و66 في المئة لعام 2026.

وتظهر بيانات البنك الدولي أن البلاد واحدة من أفقر دول العالم، ويُقدر أن 70 بالمئة من سكان هذه الدولة الواقعة في جنوب أفريقيا يعيشون على أقل من 2.15 دولار يومياً.

وتركت أزمة تكاليف المعيشة الحالية العديد من المواطنين، مثل كاثومبا، دون أي مدخرات.

وقالت كاثومبا: "سأكذب إذا قلت إنني أدّخر بعض المال في نهاية الشهر. لم يبق لدي أي شيء على الإطلاق".

وأضافت: "أدفع 50 ألف كواشا (29 دولاراً) كرسوم مدرسية لكل فصل. ثم عليك شراء الدفاتر، والطعام، والصابون - كل ذلك بنفس الراتب الصغير. السكر (كيلوغرام واحد) أصبح الآن 4500 كواشا (3 دولارات)".

ويُرجع اقتصاديون مشاكل التضخم الحالية في مالاوي، جزئياً، إلى نقص العملات الأجنبية - المعروفة باسم "فوركس" - في البنوك.

ولطالما واجهت مالاوي صعوبات في توفير العملة الأجنبية، إذ أن البلاد تستورد أكثر بكثير مما تُصدر.

وقالت الأستاذة المحاضرة في الاقتصاد الكلي في جامعة مالاوي ورئيسة جمعية الاقتصاد في مالاوي، بيرثا بانغارا تشيكادزا، لبي بي سي: "نحن لا نصدر منتجات عالية القيمة".

وأضافت: "نحن نصدر منتجات مثل الذرة وفول الصويا والسكر، لكننا نستورد منتجات باهظة الثمن مثل الأسمدة والأدوية والأثاث، ما يحتاج إلى كمية هائلة من النقد الأجنبي لهذا الغرض".

وتقول شركات راغبة في استيراد سلع إنها عندما تطلب من البنوك الحصول على العملات الأجنبية، خصوصاً الدولار الأمريكي، غالباً ما يُرفض طلبها لعدم توفرها.

وهذا يُجبر البعض على البحث عن الدولار الأمريكي في السوق السوداء، حيث سعر الصرف أعلى من السعر الرسمي البالغ 1750 كواتشا مقابل الدولار الواحد.

ويمكن للتجار أن يدفعوا ما بين 4000 و5000 كواشا مقابل دولار واحد، وهو ما يؤثر بشكل غير مباشر على المستهلكين.

أما أصحاب المحال، مثل محمد حنيف واكا، الذي يملك متجراً لبيع القرطاسية في العاصمة، يقولون إنهم فقدوا العديد من الزبائن منذ رفع الأسعار.

وقال واكا لبي بي سي: "انخفضت المبيعات بشكل حاد، واضطررنا للاستغناء عن بعض الموظفين".

ورغم استيراده - عادة - بعض السلع لمتجره، مثل اللوازم المكتبية والأقلام ودفاتر الملاحظات، إلا أن نقص النقد الأجنبي يجبره على محاولة الحصول إلى البضائع محلياً.

وقال: "لا أستطيع تذكر متى أعطتنا بنوكنا العملات الأجنبية".

وفي محاولة للتغيير، خرج تجار في القطاع غير الرسمي إلى الشوارع للاحتجاج في فبراير/شباط الماضي، وأغلق المئات منهم مدخل البرلمان في مالاوي.

وقال ستيف ماجومبو، رئيس سوق تسوكا للبضائع المستعملة في ليلونغوي، لبي بي سي: "نحن متأثرون بشدة، من المفترض أن نحقق ربحاً من أعمالنا"، وأضاف: "لكن على هذا الحال، نحن نفشل. المالاويون غير قادرين على شراء سلعنا".

وفي وقت سابق من هذا العام، أُعلن عن تعليق مؤقت لاتفاقية قرض بـ 175 مليون دولار تبلغ مدته أربع سنوات مع صندوق النقد الدولي بعد أن تمت الموافقة عليه في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وبلغت قيمة المبلغ المصروف حتى الآن 35 مليون دولار أمريكي.

وقال رئيس بعثة صندوق النقد في مالاوي، جاستن تايسون، لبي بي سي: "بموجب سياسة الصندوق، إذا لم تكتمل المراجعات خلال 18 شهراً، فإن البرنامج ينتهي تلقائياً، ولم يتم إكمال أي مراجعة بنجاح".

وأضاف أن "الانضباط المالي أثبت صعوبة الحفاظ عليه في البيئة الحالية بسبب ضغوط الإنفاق المرتفعة".

مصدر الصورة

لكن وزير المالية المالاوي، سيمبلكس تشيثيولا باندا، قال إن قرار تعليق القرض كان حكومياً، لوجود خلاف بشأن الشروط.

وقال باندا لبي بي سي الشهر الماضي، "عندما يقال لك إنك بحاجة إلى بناء احتياطيات، وفي الوقت نفسه تعاني البلاد من نقص الوقود - فإنك تختار شراء الوقود (بدلاً من) بناء الاحتياطيات".

وأضاف: "قيل لنا إنه من أجل البقاء في البرنامج، يجب تعديل أسعار الوقود، لكن هذا قد يؤثر سلباً على أسعار السلع الأساسية".

ومع اقتراب موعد الانتخابات المحلية في مالاوي في سبتمبر/أيلول، تقول الحكومة إنها تتخذ خطوات لخفض الأسعار.

وأقر وزير التجارة، فيتومبيكو مومبا، بضرورة تقنين صرف العملات الأجنبية، لكنه أشار إلى أن الشركات المسجلة يمكنها التقدم بطلبات للحصول على الأساسيات عبر البنك المركزي أو وزارة المالية، وحمل التجار مسؤولية تضخم الأسعار.

في المقابل، ألقت المعارضة باللوم على المسؤولين في السلطة فيما يتعلق بالتضخم.

ومهما كان سبب تضخم الأسعار، فمن المرجح أن تشكل تكاليف المعيشة قضية رئيسية في الحملة الانتخابية.

ويأمل المالاويون أن تخفف خطط الحكومة من معاناتهم اليومية، ويريد الجميع حلاً يحقق الاستقرار الدائم للاقتصاد.

وقالت كاثومبا: "نحن نعتمد على الحكومة للحصول على المساعدة"، وأضافت: "آمل أن يتذكر السياسيون الأقل حظاً عند اتخاذ قراراتهم".

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا