تناقلت وسائل إعلام مصرية وعربية أنباء عن نية القاهرة الدفع بمرشح لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، في الوقت الذي تجددت فيه دعوات بعض الكتاب الخليجيين إلى إنهاء "احتكار" مصر هذا المنصب.
وعلى الرغم من عدم خروج تصريح رسمي في هذا الشأن، إلا أن الصحف المصرية ذكرت ترشيح وزير الخارجية الحالي بدر عبد العاطي، ووزير الخارجية السابق سامح شكري.
أما الاسم المصري الأبرز، بحسب وسائل الإعلام، فهو رئيس الوزراء الحالي مصطفى مدبولي، رغم أنه ليس الأوفر حظاً بحسب حسين عبد الخالق حسونة، السفير المصري السابق والممثل السابق لجامعة الدول العربية في الأمم المتحدة.
وقال حسونة لبي بي سي إنه يستبعد أن يحظى مدبولي بالمنصب، على الرغم من كفاءته، "نظراً لاهتمامه بالمشكلات الداخلية في مصر"، ناهيك عن كون ذلك يخالف العرف الذي جرى على أن يكون الأمين العام ممن تقلد وزارة خارجية مصر، لا رئاسة وزرائها.
في الوقت نفسه، رشح بعض الكتاب السعوديين وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ليكون الأمين العام الجديد للجامعة العربية، إلا أن الدكتور محمد صالح الحربي، الباحث السعودي في الدراسات الاستراتيجية والعلوم السياسية يقول إنه لا يوجد تصريح رسمي أو حكومي في هذا الشأن.
كما رشح بعض الإماراتيين اسم الدكتور أنور قرقاش، الذي شغل منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، في حين أشار البعض إلى أن اختيار الأمين العام يستلزم موافقة ثلثي الأصوات وهو ما لا يضمن حصول توافق على اسم خليجي.
وأضاف الحربي لبي بي سي أنها مجرد أفكار على الفضاء الإلكتروني؛ "فكلٌّ يُدلي بدلوه فقط عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر مقالات إعلامية خاصة"، لاسيما مع قرب انتهاء ولاية أحمد أبو الغيط في يونيو/حزيران 2026.
ومع ذلك، يؤكد المحلل السياسي السعودي على أنه "لا يوجد نص دستوري أو قانوني داخل الجامعة بوجوب تعيين الأمين العام من جنسية معينة"، لكن ما هو مطروح خلال أكثر من قمة هو "إعادة هيكلة جامعة الدول العربية".
وأشار الحربي إلى "دعوات متزايدة لإصلاح جامعة الدول العربية، خاصة فيما يتعلق بآلية اختيار الأمين العام ودور المنظمة في المشهد الإقليمي والدولي"، موضحاً أن تلك الدعوات تُرجِمت في قمة جدة 2023، مع تشكيل لجنة عربية برئاسة السعودية لمناقشة إصلاحات شاملة للجامعة.
وأضاف منتقداً دور التكتل العربي بأن الجامعة لا تتمتع بآلية أو مرونة لمواكبة المتغيرات، و"ليس لديها مشاريع خلاقة تؤثر أو تنعكس إيجاباً على الشعوب العربية"، مشيراً إلى عدم إمكان مقارنتها بالاتحاد الأوروبي أو بمجلس التعاون الخليجي في تحركهما ككتلة اقتصادية وسياسية وعسكرية وأمنية.
في عام 1943، دعت الحكومة المصرية ست دول عربية وهي سوريا ولبنان والعراق واليمن وشرق الأردن (الأردن لاحقاً) والسعودية لتبادل الآراء في الوحدة العربية. وكان هذا بمثابة تمهيد لـ"لجنة تحضيرية لدعوة مصرية لمؤتمر عربي عام".
وقد تمخضت جلسات اللجنة عن التوقيع على "بروتوكول الإسكندرية" الذي كان بمثابة إعلان عن المبادئ العامة التي تقوم عليها جامعة الدول العربية، التي انضمت إليها الدول العربية تباعاً.
وفي عام 1945، وقع الاختيار بالإجماع على وزير خارجية المملكة المصرية عبد الرحمن عزام، ليكون أول أمين عام لجامعة الدول العربية. وكان الوحيد في هذا المنصب الذي جاء قراره تعيينه في مُلحق خاص لميثاق الجامعة.
وبحسب الملحق، فإن تعيين الأمين الأول كان في أول الأمر لمدة سنتين، قبل أن تمتد المدة حالياً إلى خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
وتنص المادة 12 من ميثاق جامعة الدول العربية، على أن مجلس الجامعة يعين الأمين العام بأكثرية ثلثي دول الجامعة، ويكون في درجة سفير، في حين تنص المادة العاشرة على أن تكون القاهرة المقر الدائم لجامعة الدول العربية، مع إمكان أن يجتمع مجلس الجامعة في أي مكان آخر يحدده.
وعلى الرغم من أن ميثاق الجامعة العربية لا ينص على أن ترأسه دولة بعينها، إلا أن "العرف" جرى على أن يُختار الأمين العام من مصر، بحسب السفير السابق حسين عبد الخالق حسونة، نجل ثاني أمناء جامعة الدول العربية.
وقال حسونة لبي بي سي "إن مصر قامت بالدور الأساسي في المطالبة بإنشاء الجامعة العربية منذ أيام مصطفى النحاس الذي جمع العرب"، مضيفاً أن الجدل حول الأمين العام تدور مع كل تجديد للمنصب.
جدير بالذكر أنه حتى مع القطيعة الدبلوماسية العربية لمصر بعد اتفاق السلام مع إسرائيل، اختارت الجامعة العربية أميناً عاماً ينتمي إلى دولة المقر المؤقت، تونس، قبل أن تعود المياه إلى مجاريها عربياً وتعود الأمانة إلى المقر الدائم في القاهرة.
منذ تسعينيات القرن الماضي، دار الحديث عن تداول منصب الأمين العام، مع عودة المقر إلى القاهرة بعد تعليق عضويتها خلال السبعينيات.
ففي حديث لبي بي سي، قال مندوب مصر الدائم في الجامعة العربية سابقاً، الدكتور مصطفى الفقي، إن الجزائر طرحت آنذاك اسم الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي، قبل أن تسارع مصر في طرح أحمد عصمت عبد المجيد الذي توافق عليه الأعضاء.
وجددت الجزائر مطالبتها بتدويل المنصب مع عام 2005 مع الولاية الثانية للأمين العام آنذاك عمرو موسى، وذلك خلال القمة العربية التي استضافتها الجزائر.
وفي عام 2011، وقعت أزمة حول الأمين العام، عندما اضطرت مصر إلى طرح اسم وزير خارجيتها في الحكومة المؤقتة بعد ثورة يناير، الدكتور نبيل العربي، لشغل المنصب، بعد اعتراضٍ على ترشيح الدكتور مصطفى الفقي، البرلماني السابق وأستاذ العلوم السياسية.
هذا الخلاف دفع قطر آنذاك إلى ترشيح عبد الرحمن العطية، الأمين العام الرابع لمجلس التعاون الخليجي، قبل سحبه بعد التوافق بين الدول الأعضاء على العربي.
وشدد حسونة، سفير مصر السابق على أن التنافس على منصب الأمين العام بين الدول العربية "ليس من مصلحة أحد".
وأضاف حسونة لبي بي سي أنه ينبغي على الدول العربية أن تحرص على "التعاون والتكامل في الأدوار" بدلاً من التنافس، لاسيما وأن التحديات التي تواجه المنطقة العربية "أكبر بكثير من الخلاف بشأن شخص الأمين العام".
ورغم استبعاده الخروج على العرف حالياً، إلا أنه يرى أن انتقال أمانة الجامعة العربية إلى دولة أخرى بخلاف مصر، سيعطي انطباعاً بأن مصر "ذات التاريخ العريق والدور المهم في المنطقة قد فقدت ريادتها".
وأكد السفير السابق على أهمية وريادة الدور المصري عربياً؛ حيث تلعب حالياً دور الوسيط فيما يتعلق بوقف "الإبادة الجماعية" في غزة، وفي الشأن السوداني والليبي، في الوقت الذي يتمحور فيه دور الخليج حول "الدور المالي الاقتصادي"، بحسبه.
ويرى السفير السابق أن الدور السياسي لدول الخليج لا يؤثر بشكل كبير، مستدلاً على ذلك بزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تمخضت عن استثمارات ضخمة، دون أن تتمكن دول الخليج من إقناعه بإيقاف الحرب في غزة.
على مدى ثمانين عاماً هي عمر الجامعة العربية، والأمين العام لها كان مصري الجنسية، باستثناءِ الشاذلي القُليبي، الذي كان تونسياً، وذلك خلال فترة انتقال مقر الجامعة إلى تونس على أثر الخلاف مع مصر بعد توقيعها اتفاقية كامب ديفيد في أواخر السبعينيات.
فقد ترأس عبد الرحمن عزام جامعة الدول العربية لمدة سبع سنوات، إلى أن استقال عام 1952، وعُيّن محمد عبد الخالق حسونة، حفيد أحد شيوخ الأزهر، خلفاً له لنحو 20 عاماً حتى عام 1971، ليكون بذلك الأطول مدة في شغل هذا المنصب، في خطوة وصفها نجله السفير حسين بـ"الاستثنائية التوافقية".
أما ثالث أمناء جامعة الدول العربية، فهو محمود رياض، مدير المخابرات الحربية المصرية في غزة سابقاً، وشقيق رئيس أركان الجيش المصري الراحل الفريق أول عبد المنعم رياض. وقد تولى رياض منصبه في يونيو 1972وظل لنحو ثماني سنوات، خلال فترة حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
وبعد خمسة أيام من التصديق على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، أصدر مجلس الجامعة قراراً بتعليق عضوية مصر في جامعة الدول ونقل المقر إلى تونس، ليصبح الشاذلي القليبي، وزير الثقافة التونسي، أول أمين عام غير مصري.
وقد انتهت المقاطعة الدبلوماسية لمصر في قمة عمّان عام 1987 في عهد الرئيس محمد حسني مبارك، لتستعيد مصر عضويتها في الجامعة، في حين استمرت الأمانة العامة في تونس لحين استقالة القُليبي عام 1990 اعتراضاً على الحرب في العراق أو ما عُرف بعملية درع الصحراء.
ومنذ ذلك الحين، عاد منصب الأمين العام من جديد إلى القاهرة، حيث تقلده أحمد عصمت عبد المجيد، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة من 1991 إلي 2001 ثم شغله عمرو موسى، لعشر سنوات من يونيو/حزيران 2001 حتى عام يوليو/تموز 2011.
وكان الدكتور نبيل العربي أقصر الأمناء بقاء في هذا المنصب لمدة خمس سنوات حتى 2016 مع عدم رغبته في التجديد، ليخلفه منذ ذلك الحين وحتى الآن أحمد أبو الغيط، الذي تنتهي ولايته في يونيو/حزيران 2026.