ناشطون في #فرنسا يجسدون مجازر الاحتلال الإسرائيلي التي يرتكبها بحق أهالي قطاع #غزة#حرب_غزة pic.twitter.com/pk2E0oLeKp
— قناة الجزيرة (@AJArabic) May 25, 2025
باريس – فتح مكتب المدعي العام الفرنسي لمكافحة الإرهاب تحقيقا قضائيا، الجمعة، بتهمة التواطؤ في إبادة جماعية والتحريض عليها، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، تتهم عدة شخصيات فرنسية-إسرائيلية بعرقلة إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بين يناير/كانون الثاني ومايو/أيار 2024.
وتم تقديم هذه الشكوى مع طلب بالادعاء المدني من قِبل الاتحاد اليهودي-الفرنسي من أجل السلام ("يو جي إف بي"، وهي جمعية مهمتها مكافحة العنصرية وجميع أنواع الجرائم، وتنشط بشكل خاص في غزة)، وضحية فرنسية من أصل فلسطيني، السيدة (س إ)، تابعة لمنظمة "أورجنس فلسطين".
ويأتي هذا التحرك القضائي من جانب هيئات تحقيق مهمة في فرنسا، ضمن سلسلة من الإجراءات القانونية التي تنشط في الفترة الأخيرة، وتحول ملحوظ في المواقف السياسية، إذ أصبحت تندد بشكل متزايد بالوضع الإنساني الذي يعاني منه أهالي القطاع المحاصر تحت قصف الاحتلال المستمر.
ورفعت المحاميتان ماريون لافوج وداميا طاهراوي دعوى مدنية ضد شخص مجهول بتهمة "التواطؤ في إبادة جماعية" و"التحريض على إبادة جماعية" في غزة، بقسم التحقيق في محكمة باريس القضائية، الذي يضم قسما متخصصا في الجرائم ضد الإنسانية.
وفي تصريحات خاصة للجزيرة نت، أوضحت المحامية ماريون لافوج أن الشكوى ضد مجهول لا تستهدف شخصا أو شخصين تحديدا، بل مجموعة من الأشخاص الفرنسيين-الإسرائيليين، ما يمنح فرنسا السلطة القضائية لأن الجناة المحتملين يحملون الجنسية الفرنسية، وشاركوا في الإجراءات التي تمنع دخول المساعدات الإنسانية إلى معبر غزة الحدودي.
وشددت لافوج على أن الأعمال التي تم استنكارها في الشكوى، والتي يُحتمل تصنيفها "تواطؤ في الإبادة الجماعية"، هي أعمال وقعت في يناير/كانون الثاني 2024.
وأضافت "كان يُقال آنذاك إن هناك إبادة جماعية محتملة، وبعد عام ونصف، نعتقد أنها أصبحت أعمالا تحمل بالفعل سمات الإبادة الجماعية".
وعن المهلة المتوقعة لإصدار قرار نهائي بشأن هذا الملف، أكدت المحامية الفرنسية أن هذه الشكاوى تأخذ وقتا طويلا، ولا يوجد حد أدنى للمهلة "كما ترون، لم يكن لدى النيابة العامة مهلة محددة لتقديم مذكراتها، فقد انتظرت 7 أشهر قبل فتحها للتحقيق".
وبما أن الاتحاد اليهودي-الفرنسي من أجل السلام طرف مدني في القضية، سيتم استجوابه من قِبل مكتب النيابة العامة لسؤاله عن مصلحته في رفع القضية، ثم سيحاولون التحقيق مع الأشخاص الذين يُحتمل تورطهم في عرقلة الأعمال الإنسانية.
وفي هذا الإطار، أشارت المتحدثة باسم الاتحاد بياتريس أوريس، في حديثها للجزيرة نت، أن الاتحاد يعمل في قطاع غزة منذ عام 2016 ودعم مجموعة من المزارعين الفلسطينيين لمواصلة نشاطهم، كما قدمت الجمعية الخيام والطعام والملابس والدعم النفسي والتعليم.
وحتى بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، واصل الاتحاد تواصله مع الجهات التي يتعاون معها في غزة، وينشر قصص أهالي القطاع على موقعه الرسمي يوميا، وفق أوريس.
ولإثبات تهمة التواطؤ، اعتمدت الشكوى على سلسلة من الأدلة الواقعية والقانونية، بما في ذلك خطابات وتصريحات رسمية للسلطات الإسرائيلية منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فضلا عن منشورات على منصات التواصل والراديو، وفي الصحف.
وأكدت بياتريس أوريس على تقديم مقاطع فيديو كأدلة ضد الأشخاص الذي منعوا دخول الشاحنات إلى غزة، قائلة "لقد صوّروا أنفسهم وادعوا أن حماس ستأخذ الطعام لتبرير أفعالهم. وهناك السياق الدولي يؤكد حقيقة أن هذا كان بالفعل تواطؤا وتحريضا على الإبادة الجماعية".
وتابعت ماريون لافوج "روّج هؤلاء لأفعالهم على مواقع التواصل الاجتماعي ليدعوا الآخرين إلى الانضمام إلى هذه الحواجز، لذا، تمت إضافة جريمة ثانية، وهي التحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية، ولأن طريقتهم نجحت، فقد تحولت من جنحة إلى جريمة، لأنها تحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية متبوعا بالأفعال نفسها".
وبموجب اتفاقية 1948 الخاصة بمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها والمعتمدة من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، تشير تعريفات قانونية لمصطلح "الإبادة الجماعية" إلى الأفعال التي تُرتكب بقصد إخضاع جماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية لظروف معيشية صعبة، تؤدي إلى تدميرها كليا أو جزئيا.
وبعد توجّه المتهمين في إسرائيل إلى المعابر الحدودية لمنع الشاحنات التي تحمل الإمدادات الطبية والماء والغذاء، تعتقد لافوج أن "تأثير هذا الفعل الذي أدى إلى عدم وصول المساعدات يعادل خلق ظروف معيشية أضعفت وجوعت وساهمت في تدمير أهالي القطاع المحاصر، وبالتالي تدخل في تعريف الإبادة الجماعية".
وتعتبر بياتريس أوريس، المتحدثة باسم الاتحاد اليهودي الفرنسي من أجل السلام، أن تقديم مكتب المدعي العام شكوى بتهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية سيزيد الوعي بما يحدث في غزة "نحن منظمة سياسية، لذا أردنا القيام بذلك لأسباب سياسية بحتة، وليس فقط لاتخاذ إجراء قانوني".
وعلى الرغم من عدم وجود أي تأكيد من إدانة هؤلاء الأشخاص، فإن أوريس تأمل أن تفضي الشكوى وغيرها من الإجراءات الجارية إلى وقف إطلاق النار، وتنظيم مفاوضات سلام حقيقية وسريعة.
وقالت "بينما نسلط الضوء على حقيقة إمكانية حدوث إبادة جماعية مباشرة في القرن الحادي والعشرين دون أي عقوبات، يجب أن يلعب الاتحاد الأوروبي دوره لأنه لا يزال غائبا حتى الآن للأسف".
وبالإضافة إلى كل هذه الإجراءات القانونية والتقارير الأممية التي تُصدر بشكل دائم، شهد موقف الحكومة الفرنسية تحولا ملحوظا في الفترة الأخيرة، فقد ندد الممثل الخاص للرئيس الفرنسي في لبنان ووزير الخارجية والدفاع الأسبق جان إيف لودريان ، الجمعة، بالوضع الإنساني في غزة وسياسة إسرائيل.
وقال لودريان إن "سياسات نتنياهو -المطلوب ل لمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- أدت إلى أن تكون إسرائيل اليوم على شفا الانهيار" و"هذه الدولة اليوم مُفلسة أخلاقيا، فهي تتحول إلى دولة منبوذة دوليا"، مؤكدا رفض فرنسا ابتزازها بمعاداة السامية كلما انتقدت إسرائيل.
ويعتمد تحقيق المدعي العام الفرنسي لمكافحة الإرهاب على تعاون السلطات الأجنبية، خاصة الإسرائيلية، وهو تعاون لا تعتقد ماريون لافوج أنه سيتم، ما قد يؤدي إلى إعاقة القضية رغم إيمانها بقوة الأدلة القاطعة والأحداث الموثقة.
وبما أن الأمر يبقى نقاشا قانونيا، أكدت المحامية الفرنسية أنه لا يمكن التشكيك في أن هؤلاء الأشخاص كانوا عند المعبر الحدودي، واعترضوا بالفعل شاحنات تحتوي على عناصر كانت ستسمح لسكان غزة بالبقاء على قيد الحياة.
يُذكر أن محكمة العدل الدولية أصدرت حكما في 26 يناير/كانون الثاني 2024، يُلزم إسرائيل بمنع أعمال "إبادة جماعية" محتملة، و"اتخاذ خطوات فورية" لتمكين تقديم "المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين في غزة".
وفي 13 مارس/آذار الماضي، أدانت لجنة تحقيق مُكلفة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الهجمات الإسرائيلية "الممنهجة" على الصحة الجنسية والإنجابية في غزة، ووصفتها بأنها "أعمال إبادة جماعية".
ويندرج هذا ضمن فئتين من أفعال الإبادة الجماعية المنصوص عليها في نظام روما الأساسي واتفاقية الإبادة الجماعية، بما في ذلك فرض ظروف معيشية متعمدة تهدف إلى تدمير الفلسطينيين جسديا، وفرض تدابير تهدف إلى منع الإنجاب.
وفي سياق متصل، تعد المحامية الفرنسية لافوج أن "تجويع سكان غزة وحرمانهم من الماء أو سبل العيش أو الرعاية الصحية يؤدي إلى تدميرهم، جزئيا على الأقل، وبما أن المتهمين هم أشخاص طبيعيون -لا سلطات ولا جيش- فيُطبق عليهم تهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية".
وتعد لافوج أن المتهمين -الموجودين حاليا في إسرائيل- لن يرغبوا في القدوم إلى فرنسا لتبرير أفعالهم إذا استدعاهم قاضي التحقيق، ما سيدفع إلى تعقيد الإجراءات، ومن الناحية النظرية، إذا وُجهت اتهامات أو صدرت مذكرة توقيف بحقهم وعبروا فرنسا ونجح التحقيق، فقد تتم إحالتهم إلى محكمة لمحاكمتهم على هذه الجريمة.