تشهد إيطاليا حراكا شعبيا متناميا تضامنا مع قطاع غزة ، وسط إدانات واسعة للإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 600 يوم، وتحت مظلة تضامن مدني واسع يمتد من المساجد والمراكز الإسلامية إلى قاعات البلديات وساحات الجامعات.
ومع احتفال إيطاليا بعيد الجمهورية أول أمس السبت نظم نشطاء إيطاليون فعاليات عدة نصرة للفلسطينيين في غزة وتنديدا بما يتعرضون له من تجويع وتدمير وقتل، وبتفاعل من بلديات وأحزاب كثيرة، بالإضافة إلى فئات متعددة من المجتمع الإيطالي.
ومن ضمن الفعاليات المميزة تنظيم "ليلة الديمقراطية"، حيث أضيئت الشموع في مشهد رمزي احتجاجا على "الظلام الذي تعيشه غزة" جراء الحرب، وللتعبير عن رفض التواطؤ والدعوة لوقف كل أشكال الدعم والتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي .
وفي تصريحات للجزيرة نت عبّر رؤساء اتحادات ومنظمات إسلامية ومسؤولون محليون عن رؤيتهم لدور المجتمع الإيطالي ومسؤولياته في مواجهة ما يحدث بفلسطين، مؤكدين أن التضامن ليس مجرد فعل رمزي، بل هو واجب أخلاقي وإنساني وثقافي يتحدى أصوات الصمت والتواطؤ.
وفي وقت تتواصل فيه المجازر في غزة، ووسط صمت دولي يصفه ناشطون وقيادات مدنية بـ"المخزي" يقول رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في إيطاليا ياسين لفرم "إن ما يحدث في غزة ليس مجرد حرب، بل هو إبادة جماعية موثقة".
ويرى لفرم -في تصريحاته للجزيرة نت- أن استمرار الحراك أمر تفرضه الأخلاق والإنسانية والدين، موضحا أن اتحاد الهيئات الإسلامية يشارك في جميع الفعاليات، ويعتبر الوجود الميداني "أساسيا" من خلال الشراكة مع النقابات والجامعات والجمعيات المدنية والمسيحية.
وأشار لفرم إلى أن اختيار مناسبة قومية للتعبير عن التضامن مع غزة يمثل رمزية عميقة، إذ "يجسد العيد مبادئ الدولة القائمة على السلام ورفض الحرب"، وبالتالي "يرى أن الاحتفال الحقيقي يأتي بالفعل لا بالقول"، مطالبا الحكومة الإيطالية باتخاذ "مواقف شجاعة مثل وقف تصدير الأسلحة وقطع التعاون العسكري مع إسرائيل، التزاما بمبادئ العدالة الدولية".
أما عن تجاوب المجتمع الإيطالي فيؤكد لفرم أن التفاعل مع الأنشطة المتضامنة مع غزة "يزداد يوما بعد يوم" مع انخراط الجامعات والبلديات والجمعيات المسيحية والنقابات في الاحتجاجات، مشددا على دور المجتمعات الإسلامية في بناء جسور بين الضمير الديني والمدني وتحويل هذا التفاعل إلى ضغط فعلي على صانعي القرار.
من ناحيته، يشير ماتيو ليبوري رئيس بلدية بولونيا إلى أن استجابة السكان كانت "قوية ونابعة من القلب"، لكون بولونيا مدينة عريقة في ثقافة السلام والتضامن الدولي.
وأكد ليبوري -في تصريحات للجزيرة نت- أن البلدية تعرضت لبعض الانتقادات، لكنها واجهتها بالشفافية والثبات على المبادئ، إذ "من واجب الحكومات المحلية الدفاع عن الحقوق الأساسية للمدنيين، خاصة الذين يتعرضون للقصف والحصار".
وأعرب عن قلقه من محاولة تقييد حرية التعبير وربط التضامن مع غزة أحيانا بالتطرف، محذرا من تدخلات خارجية في النقاش الإيطالي.
وفي بلدية سستو فيورنتينو بمحافظة فلورنسا شارك آلاف المواطنين في مظاهرات حاشدة دعت إليها قوى اليسار، وعلق السكان الأعلام الفلسطينية والأكفان البيضاء للمطالبة بوقف الإبادة في غزة.
وتعليقا على ذلك يقول رئيس البلدية لورينزو فالكي إن الدعم الجماهيري لمبادرات التضامن كان "كبيرا جدا".
ورغم ذلك فإن فالكي يشير إلى بعض سهام النقد التي لا توافق على تدخل السلطات المحلية والبلديات في قضايا تتعلق بالشأن الخارجي، مضيفا أن الشرطة أيضا لجأت مؤخرا إلى أساليب مختلفة للتضييق على مناصري القضية الفلسطينية.
وفي تصريحات للجزيرة نت، ضرب فالكي مثلا بمطالبة رافعي العلم الفلسطيني بإبراز هوياتهم، وهو ما وصفه بـ"أسلوب الترهيب"، كما انتقد التضليل الإعلامي في إيطاليا ومحاولات التأثير على الرأي العام، معتبرا ذلك خطرا على الديمقراطية.
وأجمع المتحدثون على أن التحديات ما زالت كبيرة مع وجود ضغوط سياسية واقتصادية وصمت رسمي، لكنهم أعربوا عن إصرارهم على مواصلة العمل المشترك من خلال المؤسسات والجاليات الإسلامية والعربية، والتنظيم الشعبي، والتحالفات مع المجتمع المدني.
ومع اتساع رقعة التضامن مع غزة في إيطاليا فإن الفعاليات والمسيرات تتوالى في كثير من ساحات أوروبا، ردا على ما يتعرض له الفلسطينيون من إبادة جماعية وتجويع وقتل ممنهج، في مواجهة صمت وتواطؤ رسمي، حيث استشهد في قطاع غزة أكثر من 54 ألف فلسطيني وأصيب نحو 125 ألفا، فضلا عن أعداد غير معلومة من المفقودين تحت ركام منازلهم، حسب إحصاءات وزارة الصحة في غزة.