أدى منشور مكون من 51 كلمة، نشرته البريطانية لوسي كونولي، على الإنترنت في أعقاب عمليات القتل التي وقعت في ساوثبورت، إلى سجنها ووضع قضيتها في قلب الخلاف الدائر في بريطانيا حول حرية التعبير.
بالنسبة للبعض، كان حكم السجن لمدة 31 شهراً، الذي صدر بحق كونولي بتهمة التحريض على الكراهية والعنصرية، حكماً "متعسفاً"، في حين قال أحد المعلقين إن كونولي كانت "رهينة للدولة البريطانية"، وكتب آخر أنه من الواضح إنها كانت "سجينة سياسية".
غير أن قضاة محكمة الاستئناف رفضوا، هذا الأسبوع، تخفيف الحكم الصادر ضدها.
وعندما سُئل عن قضيتها في البرلمان، قال رئيس الوزراء، كير ستارمر، إن الحكم "مسألة تخص المحاكم"، وأنه في حين أنه "يؤيد بشدة حرية التعبير"، فإنه "يعارض بنفس القدر التحريض على العنف".
وصرح روبرت لوي، النائب المستقل عن منطقة جريت يارموث، أن الوضع "مثير للاشمئزاز من الناحية الأخلاقية"، وأضاف قائلاً: "هذه ليست بريطانيا التي أريد أن أعيش فيها".
وقال آخرون إن مؤيديها يريدون "الحق في أن يكون الشخص عنصرياً".
تحذير: هذا التقرير يحتوي على لغة عنصرية وتمييزية
وفي شهر يوليو/تموز العام الماضي، وبسبب شائعة كاذبة مفادها أن مهاجراً غير شرعي مسؤول عن مقتل ثلاث فتيات في ورشة عمل للرقص في ساوثبورت، نشرت لوسي كونولي على الإنترنت دعوة إلى "الترحيل الجماعي الآن".
كما قالت أيضاً: "أضرموا النار في جميع... الفنادق (التي تؤوي طالبي اللجوء)... لا يهمني".
وأضافت كونولي، التي كانت، حينها، تبلغ من العمر41 عاماً وتعمل مربية أطفال في نورثامبتون: "إذا كان هذا يجعلني عنصرية، فليكن".
وفي هذا التوقيت، كان لديها حوالي 9 آلاف تابع على موقع التواصل الاجتماعي أكس. وقد أُعيد نشر منشورها 940 مرة، وحقق 310 ألف مشاهدة خلال ثلاث ساعات ونصف الساعة، قبل أن تحذفها.
وقد سُجنت لوسي في أكتوبر/تشرين الأول 2024، بعد اعترافها بالتحريض على الكراهية والعنصرية.
وقضى ثلاثة قضاة بمحكمة الاستئناف هذا الأسبوع بأن الحكم بالسجن 31 شهراً، لم يكن "مُبالغاً فيه".
فقد زعم الفريق القانوني للوسي كونولي أن الحكم الصادر بحقها كان "مبالغاً فيه بشكل واضح" لكن محكمة الاستئناف لم توافق على ذلك.
وقال ستيفن أوجرادي، وهو مسؤول قانوني في اتحاد حرية التعبير، إن الحكم بدا "قاسياً إلى حد ما مقارنة بالجريمة".
وقد عملت منظمته مع عائلة كونولي منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وقامت بتمويل إجراءات الاستئناف على الحكم.
كما قال أوجرادي إن كونولي "لم تكن مجرد مثيرة شغب تعبث في الشوارع"، وأشار إلى أنها أم لابنة تبلغ من العمر 12 عاماً، وإنها قد فقدت أيضاً ابناً عندما كان عمره 19 شهراً فقط.
وأوضح أن هناك "فارقاً بين الصراخ بالإساءة العنصرية لشخص ما في الشارع وإلقاء الطوب على الشرطة" و بين "نشر التغريدات، والتي ربما تكون مؤسفة ولكن لن يكون لها نفس التأثير الفوري".
وبيّن أوجرادي أن قضية كونولي كانت أيضاً "رمزاً لمخاوف أكبر" بشأن "تزايد اهتمام الشرطة بنشاط الأشخاص عبر الإنترنت".
وقد تلقى اتحاد حرية التعبير، "سلسلة من التساؤلات" من أشخاص "غير واثقين" بشأن "حدود ما يمكنهم قوله عبر الإنترنت"، والذين كانوا يخشون "أن تطرق الشرطة الباب".
وأضاف أوجرادي أن "هناك قدراً كبيراً من التجاوزات من جانب الشرطة".
واستشهد بمثال ضابط شرطة متقاعد تم اعتقاله بعد مجادلة أحد المؤيدين لفلسطين عبر الإنترنت، وهي القضية التي تولاها اتحاد حرية التعبير.
ورداً على ادعاء أوغرادي، قال متحدث باسم مجلس رؤساء الشرطة الوطنية إن المادة 10 من قانون حقوق الإنسان "تحمي حق الشخص في تأييد الآراء والتعبير عنها بحرية" وأن الضباط تلقوا تدريباً بشأن هذا القانون.
وأضاف المتحدث، قائلاً: "يظل من الضروري أن يستمر الضباط والموظفون في تلقي التدريب المناسب فضلاً عن المهام الملقاة على عاتقهم".
وبعد رفض الاستئناف، قال زوج لوسي، عضو المجلس البلدي المحافظ، ريموند كونولي، إنها "شخصية حسنة الخلق وليست عنصرية" وإنها "دفعت ثمناً باهظاً للغاية لارتكابها خطأً"ً.
وقال مايك ريدر، عضو البرلمان عن حزب العمال في نورثامبتون ساوث، إنه يشعر "بتعاطف كبير" مع كونولي وابنتها، لكن لا يوجد مبرر لاتهام الشرطة "بالتجاوز".
وتابع: "أريد من الشرطة أن تحمينا على الإنترنت وأريد من الشرطة أن تحمينا في الشوارع ويجب أن يفعلوا ذلك بنفس القدر".
وأضاف أن الاعتقاد بأن الفضاء الإلكتروني ليس بنفس خطورة الشوارع هو "وهم" و"سوء فهم للعالم".
"نحن جميعاً قريبون من هواتفنا، ونحن نتأثر جميعاً بما نراه، وأعتقد أنه من الصواب أن تتخذ الشرطة إجراءات".
وقال القاضي ميلبورن أثناء النطق بالحكم، إن جريمة كونولي كانت من "الفئة أ"، أي أنه "جرم كبير تتحمل مسؤوليته"، وإن الادعاء ومحاميها اتفقا على أنها "كانت تنوي التحريض على عنف خطير".
بالنسبة لريدر، عضو البرلمان عن حزب العمال، الحُكم يُعد دليلاً على أنهم "لم يجادلوا بأن التغريدة كانت سخيفة وكان يجب التغاضي عنها – بل إن محاميها نفسه وافق على أن هذه كانت قضية جدية".
وقد أدعت كونولي في استئنافها، أنها رغم قبولها بأنها كانت تنوي إثارة الكراهية العنصرية، إلا أنها كانت دوماً تنكر تهمة محاولة التحريض على العنف.
لكن القاضي اللورد هولرويد قال في حكمه هذا الأسبوع إن الأدلة "تظهر بوضوح أنها كانت تعلم جيداً ما أقرت به".
تشير المبادئ القانونية لإصدار الأحكام المتعلقة بهذا الجرم، إلى أن الحكم المبدئي التي ستصدُر بموجبه العقوبة القضائية سيكون الحبس لمدة ثلاث سنوات.
وفي حين زعم الادعاء أن الجريمة تفاقمت بسبب توقيتها و"خاصة بسبب المناخ الاجتماعي الحساس"، جادل الدفاع بأن التغريدة نُشرت قبل بدء حدوث أي أعمال عنف، وأن كونولي "حاولت بعد ذلك وقف أعمال العنف بعد اندلاعها".
وسلط الحكم الضوء أيضاً على منشورات أخرى لكونولي عبر الإنترنت، وقال القضاة إنها بينت "وجهة نظرها بشأن المهاجرين غير الشرعيين".
وقبل أربعة أيام من وقوع جرائم القتل في ساوثبورت، تفاعلت لوسي كونولي مع مقطع فيديو نشره الناشط اليميني المتطرف، تومي روبنسون، يظهر رجلاً أسود طُرح على الأرض بزعم أنه اُتهم ممارسة فعل جنسي في مكان عام.
ونشرت كونولي تغريدة، قالت فيها: "إنهم صوماليون، على ما أعتقد. يوجد الكثير منهم"، ووضعت الرمز التعبيري للقيء.
وفي الثالث من أغسطس/آب، رداً على احتجاج مناهض للعنصرية في مانشستر، كتبت لوسي: "أعتقد أنهم بعد ذلك سيصطفون جميعاً في طابور للتسجيل لطلب إيواء غازٍ غير شرعي جاء على متن قارب. أووه آسفة، أقصد لاجئاً".
وأضافت: "ربما يوقعون على إقرار إخلاء مسؤولية ليقولوا إنهم لا يمانعون إذا تعرض أحد أفراد عائلتهم للهجوم أو الذبح أو الاغتصاب وما إلى ذلك من قبل مجرمين غير موثوق بهم".
وقال اتحاد حرية التعبير إنه من المحتمل أن تكون لوسي مؤهلة لشروط الإفراج في أغسطس، بعد أن قضت 40% من مدة عقوبتها.
وزعم البعض، ومن بينهم زوجها أوجرادي، أن مدة سجنها كانت أطول من العقوبات التي صدرت بحق المجرمين الذين يُعتقد أنهم ارتكبوا جرائم "أسوأ بكثير".
وقال مارك أرنول، العضو في حزب إصلاح المملكة المتحدة وزعيم مجلس غرب نورثهامبتونشاير، إنه ليس من حقه "التعليق على الأحكام أو بالتأكيد مناقشة القضايا الفردية".
إلا أنه أضاف، قائلاً: "من السهل نسبياً أن نفهم لماذا يشكك الناخبون في غرب نورثهامبتونشاير في تناسب عقوبة لوسي مع الجرم الذي ارتكبته عندما يرون مجرمين، مدانين في قضايا أخرى جُرمها كبير وخطيرة، يمشون أحراراً ويتجنبون السجن".
كانت القضية بالنسبة للكاتبة والناشطة، شولا موس - شوغباميو، هي أن "أولئك الذين ارتكبوا جرائم أسوأ" يجب أن "يقضوا وقتاً أطول في السجن، وليس أن تقضي لوسي كونولي وقتاً أقل".
وأضافت الدكتورة موس - شوغباميمو: "إن الأمر ليس مُتعلقاً بحرية التعبير دون مساءلة. فهي (لوسي) لم تغرد بشيء يؤذي مشاعر أحد فسحب، بل غرّدت قائلةً إن شخصاً ما يجب أن يُقتل".
وترى الكاتبة والناشطة، شولا موس - شوغباميو، أن أولئك الذين جعلوا من كونولي "حامل لواء أو مدافعةً" عن حرية التعبير كانوا يطالبون "بالحق في أن يكونوا عنصريين".
وقال ستيفن أوجرادي، المناصر لحرية التعبير، إن لا أحد يدافع عن "الحق" غير المقيد في التحريض على الكراهية والعنصرية.
وأضاف أن قضية كونولي تتعلق بـ "التناسب"، و"الشعور بأن التعبير عن الآراء عبر الفضاء الإليكتروني، تتزايد قسوة عقوبته مقارنة بالجرائم الأخرى، مثل الاضطرابات العنيفة الشخصية".