في خطوة مفاجئة، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد إنهاء مهام رئيس الوزراء كمال المدوري، وتعيين سارة الزعفراني الزنزري خلفًا له، مع الإبقاء على غالبية أعضاء الحكومة الحالية.
هذا التغيير يمثّل الرابع من نوعه منذ تولي سعيّد السلطة بشكل كامل في يوليو 2021، مما يطرح تساؤلات عميقة حول دوافع هذا التغيير المتكرر: هل هو محاولة لتحسين الأداء الحكومي، أم مجرد رسالة سياسية من الرئيس في ظل مرحلة دقيقة تعيشها البلاد؟
غياب الاستقرار الحكومي.. هل هو السبب أم النتيجة؟
يرى الوزير السابق محمد المسيليني، خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية أن التغيير المتكرر للحكومات يعكس حالة من عدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه تونس.
قال المسيليني في هذا الشأن : "هذه رابع رئيس حكومة يعين بعد 25 يوليو 2021، وهو ما يدل على أن البلاد تمر بمرحلة عدم استقرار". وأضاف أن "الاستقرار الحكومي هو الذي يساعد على حل المشكلات المتراكمة في البلد".
لكن المسيليني يرى أن التغيير المتكرر ليس حلا، بل جزءا من المشكلة. وأشار إلى أن "هذا النهج يرسل رسالة سيئة للداخل والخارج، ويضر بمصداقية الحكومة والدولة بشكل عام".
وأضاف: "غياب الانسجام داخل الحكومة وغياب الرؤية الواضحة يجعل من الصعب تحقيق أي إنجازات ملموسة".
معايير الاختيار.. الإدارة بدل السياسة؟
يذهب المسيليني إلى أبعد من مجرد الحديث عن تغيير للحكومات، معتبرًا أن المشكلة الحقيقية تكمن في الطريقة التي يتم بها اختيار رؤساء الحكومات والوزراء، حيث يرى المسيليني أن الرئيس قيس سعيد يعتمد في تعييناته على كوادر إدارية لتولي المناصب الوزارية، بدلاً من شخصيات سياسية ذات خبرة.
قال المسيليني: "أغلب الوزراء غير معروفين في الساحة السياسية أو لم يمارسوا أي نشاط سياسي". وأضاف أن "هؤلاء الوزراء يتم ترقيتهم إداريًا، وكأنها ترقية إدارية لتحمل مسؤولية رئاسة الحكومة أو الوزراء".
هذا النهج، وفقًا للمسيليني، يعكس "غياب رؤية إصلاحية" لدى الرئيس، مما يؤدي إلى "عجز كامل في مستوى إدارة المسؤولية الوزارية". وأشار إلى أن "الوزير الذي يستمر شهرين أو ثلاثة لا يعرف حتى وزارته بشكل كامل"، مما يجعل من الصعب تحقيق أي تقدم في الملفات السياسية والاقتصادية المعقدة.
هل الحكومة الجديدة قادرة على المواجهة؟
لا تقتصر الأزمة حسب المسيليني على عدم الاستقرار الحكومي الناتج عن تغيير الأشخاص فحسب، بل تشمل أيضا آثارا مباشرة على الأوضاع الاقتصادية والدبلوماسية. إذ تواجه البلاد واحدة من أصعب أزماتها المالية، وتنفصل تونس عن الساحة الدولية بشكل متزايد.
ويشير المسيليني إلى أن "الوضع الاقتصادي مثير للقلق، حيث تزداد معدلات التضخم وتتفاقم مشكلة المديونية مع ارتفاع نسبة البطالة.
كما أصبح موضوع الهجرة غير النظامية يشكل تحديا كبيرا، خصوصا في ظل تصاعد عدد المهاجرين من منطقة جنوب الصحراء. ومع ذلك، لا تبدو هناك خطة واضحة لمعالجة هذه التحديات.
كما لفت المسيليني إلى العزلة الدبلوماسية التي تعاني منها تونس، قائلًا: "نشهد تراجعًا ملحوظا في الزيارات الرسمية من وإلى البلاد، والمشاريع الاقتصادية الكبرى متوقفة، وهذا كله مرتبط بعدم وضوح الرؤية السياسية للحكومة، وعدم استقرار الفريق الحاكم
وفيما يتعلق بردود فعل الشارع التونسي، أشار المسيليني إلى أن "المواطن التونسي غير معني بهذه الأوضاع، فهو منشغل بمشاغل الحياة اليومية".
أما على الصعيد السياسي، فقد أشار إلى أن "الطبقة السياسية منقسمة بين معارضة تنتقد كل إجراء يقوم به الرئيس، ومساندين يطبلون لكل قرار".
وأضاف أن "هذا التغيير بهذا الشكل وبهذه السرعة لا يخدم الاستقرار ولا يخدم مسار الرئيس قيس سعيد". واختتم بالقول: "المفروض أن نمر إلى مرحلة تجاوز الإشكاليات بعد 3 سنوات من الحكم المطلق، لكننا ما زلنا نعيش في دوامة التغيير المتكرر".
مستقبل تونس.. بين الاستقرار المفقود والأمل الضائع
في ظل التغييرات المتكررة في قيادة الحكومة، يبقى السؤال الأكبر: هل ستنجح الحكومة الجديدة في تحقيق الاستقرار الذي تحتاجه تونس لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، أم أن التغيير سيظل سمة بارزة في المشهد السياسي التونسي؟
يرى المسيليني أن "تونس تحتاج إلى رؤية واضحة وإصلاحات جذرية"، لكنه يشكك في قدرة الحكومة الحالية على تحقيق ذلك في ظل غياب الاستقرار السياسي والانسجام الحكومي. و يبقى مستقبل تونس معلقًا بين استقرار مفقود وأمل ضائع.